يبدو أن الأدوية والعلاجات التي طوّرها العلماء خلال السنوات القليلة الماضية لعلاج الصداع النصفي، أثبتت فعاليتها بشكل كبير لتحسين جودة حياة المرضى الذين يعانون من هذه الحالة المرضية.
رئيس قسم علاج الصداع وآلام الوجه في معهد الأعصاب بمستشفى “كليفلاند كلينك” الدكتور عماد استيماليك، أوضح أن الأطباء كانوا يعتمدون أدوية مخصصة لعلاج أمراض أخرى في علاج مرضى الصداع النصفي قبل موافقة هيئة الغذاء والدواء الأميركية على أول مثبط للببتيد المرتبط بجينات الكالسيتونين “سي جيه آر بي” (CGRP) في العام 2018.
أما اليوم، فأصبحت العديد من مثبطات الببتيد المرتبطة بجينات الكالسيتونين متاحة، بعدما تم تطويرها لمنع أو تخفيف أعراض الصداع النصفي على وجه التحديد.
وأضاف الدكتور استيماليك “بالنسبة للعديد من المرضى، فإن الأدوية الجديدة تُحدث فرقا حقيقيا في حياتهم، لأن الصداع النصفي هو اضطراب عصبي مرهق ولا علاج له، ويسبب أعراضا مزعجة للغاية وأكثر قوة من أنواع الصداع الأخرى، ويمكن أن يستمر من 4 إلى 72 ساعة”.
ويمكن أن تشمل الأعراض:
- الألم
- التعب
- الغثيان
- الاضطرابات البصرية
- التنميل
- الوخز
- التهيج
- صعوبة الكلام
- فقدان مؤقت للرؤية
كما أن الصداع النصفي هو مرض منتشر أيضا، ويعاني منه نحو 16-20% من النساء، و6-8% من الرجال على نحو منتظم.
تحديد المسببات
وأشار الدكتور استيماليك إلى أن الأدوية ليست سوى جزء واحد من الخطة الفعّالة للعلاج، وتتمثل الخطوة الأولى في تحديد مسببات الصداع النصفي للفرد وتجنبها، حيث تختلف هذه المسببات من شخص لآخر، وتشمل الأمثلة الشائعة أنواعا معينة من الأغذية، والجفاف، وقلة النوم، والحركة، والضوء، والصوت، وانسحاب الكافيين (التوقف عن شرب القهوة والشاي ومشروبات الكافيين).
ويحتاج المريض إلى معالجة أي أمراض مصاحبة يمكن أن تهيئه للإصابة بالصداع النصفي. وتشمل هذه الأمراض المصاحبة، على سبيل المثال لا الحصر، السمنة والقلق والاكتئاب واضطرابات النوم. وفي حال استمرار الصداع النصفي أو كانت أعراضه شديدة، فإننا نأخذ في الاعتبار اللجوء إلى الخيارات الدوائية.
وأشار استيماليك إلى أنه عادة ما يتم تصنيف التدخلات الدوائية على أنها إما وقائية تهدف إلى تقليل تواتر وشدة الصداع النصفي، وإما أدوية معالجة لنوبات الألم توفر راحة للمريض عند تعرضه لنوبة الصداع النصفي. والخبر السار هو أنه في السنوات الخمس الماضية، تمت الموافقة على 8 أدوية جديدة وقائية ومعالجة للنوبات من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية، مما أسهم في توسيع خيارات العلاج.
نوبات الصداع النصفي
وتابع الدكتور استيماليك “في السابق كانت الأدوية المتاحة للوقاية من الصداع النصفي هي تلك التي تم تطويرها في البداية لعلاج النوبات وارتفاع ضغط الدم والاكتئاب وحالات أخرى، بالإضافة إلى أدوية أخرى مثل onabotulinumtoxinA، والتي تعمل على تخدير بعض عضلات الرأس والرقبة للمساعدة في منع الصداع النصفي المزمن. أما بالنسبة للأدوية المعالجة للنوبات، فلم يكن لدينا إلا 3 فئات من الأدوية، وهي مسكنات الألم، التي لا تستلزم وصفة طبية، وقلويدات الإرغوت، ومجموعة أدوية التريبتان”.
ولفت رئيس قسم علاج الصداع وآلام الوجه في معهد الأعصاب بمستشفى “كليفلاند كلينك” إلى أنه منذ العام 2018، تمت الموافقة على نوعين من مثبطات الببتيد المرتبط بجينات الكالسيتونين لعلاج الصداع النصفي، وهما مضادات الببتيد المرتبط بجينات الكالسيتونين الوحيدة النسيلة التي تهدف إلى الوقاية من الصداع، ومضادات الببتيد المرتبط بجينات الكالسيتونين الجزيئية الصغيرة التي تعمل على تعزيز الوقاية من الصداع ومعالجة نوبات الألم. وأكثر ما يميز هذه الأدوية مفعولها السريع وفعاليتها العالية وآثارها الجانبية القليلة، كما أنها تأتي بأشكال مختلفة مثل الحقن أو الأقراص، التي يتم تناولها عن طريق الفم، أو بخاخات الأنف.
آليات العمل
وشرح الدكتور استماليك الآليات الكامنة وراء عمل مثبطات الببتيد المرتبط بجينات الكالسيتونين “سي جيه آر بي” قائلا: مثبطات “سي جيه آر بي” عبارة عن ببتيد عصبي حسي موجود في العقدة الثلاثية التوائم في الدماغ، تبين أن لها علاقة بألم الصداع النصفي ومجموعة من الأعراض الأخرى، وتساعد مثبطات “سي جيه آر بي” في منع أو إيقاف نوبة الصداع النصفي من خلال استهداف الجزيء المرسل أو المستقبل.
وختم بالقول “مع هذا التقدم المحرز في مسار تطوير الأدوية، بالإضافة إلى العلاجات الناشئة مثل التعديل العصبي -وهي تقنية غير جراحية يتم تطبيقها مباشرة على الأعصاب- تشهد جودة حياة مرضى الصداع النصفي تحسنا كبيرا على مدى السنوات القليلة الماضية. وفي بعض الحالات، قد يكون كل ما يحتاجه المريض هو حقنة كل 3 أشهر أو حبة يومية للوقاية من آلام الصداع النصفي”.