يشكل غياب المطاعيم الدورية عن محافظتي غزة وشمال القطاع، خطرا آخر يهدد حياة الأطفال، عدا القصف المتواصل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وما زالت الحرب الإسرائيلية التي دخلت شهرها الرابع على التوالي، تلقي بظلالها السلبية على آلاف الأطفال، الذين يصنفون ضمن الشريحة الأكثر هشاشة في المجتمع.
فإلى جانب نقص الغذاء والمياه الصالحة للشرب وحالة تكدس النازحين في مراكز الإيواء وما يرافقها من انتشار للأمراض المعدية، بات الأطفال يعانون من مضاعفات صحية وعدوى تسبب بها تغييب هذه اللقاحات قسرا.
وتواصل إسرائيل تعطيل عمل النظام الصحي في محافظتي غزة والشمال، عبر منع دخول الأدوية والمستهلكات والمستلزمات الطبية إليهما وذلك بعد أن استهدفت غالبية المنشآت الطبية وسيارات الإسعاف المتواجدة هناك.
كما انتقلت مؤخرا، لاستهداف المنشآت الطبية الواقعة وسط وجنوبي غزة تزامنا مع عملياتها البرية المركزة هناك.
وتحاول منشآت طبية تم استهدافها بالمناطق الشمالية للقطاع، النهوض مجددا من تحت الدمار والركام، وأبرزها مستشفى كمال عدوان في بلدة بيت لاهيا (شمال).
وفي 1 يناير/كانون الثاني الجاري، أعلنت وزارة الصحة وصول تطعيمات الأطفال لمراكز الرعاية الأولية في مناطق جنوب ووسط القطاع، دون وصولها إلى محافظتي غزة والشمال بسبب المنع الإسرائيلي المفروض عليهما.
مضاعفات صحية
داخل أروقة مستشفى كمال عدوان، يلاحظ المار أن عددا كبيرا من الحالات المرضية هي من الأطفال.
هؤلاء الأطفال يكادون يتشابهون في أعراضهم المرضية التي تراوحت بين الاستفراغ، والنزلات المعوية وآلام البطن الحادة، والتهابات تنفسية.
وترجع مصادر طبية تلك الأعراض والمضاعفات الصحية لعدم تلقي الأطفال للقاحاتهم الدورية، والتي تحميهم من هذه الأمراض.
وتشكو والدة الطفلين التوأمين محمود وإبراهيم أبو جاسر (8 شهور)، من عدم تلقي طفليها للقاح الدوري المقرر لهم في عمر الـ6 شهور.
وتقول الوالدة (لم تفصح عن اسمها) للأناضول: لا أعرف كيف سأحصل على هذه اللقاحات، ولا أعرف ماذا سيحل بهم بسبب التأخر في تزويدهما بها.
ويشكو اليوم الطفلان التوأمان من استفراغ وإسهال حاد يرافقه حمى شديدة، وفق قول والدتهما.
وتوضح الأم أن العلاجات التي يكتبها الأطباء للأطفال المرضى غير متوفرة في المستشفى، بينما يتعذر صرفها من الخارج لعدم وجود صيدليات بسبب الحرب.
وتتابع : حتى المحلول الذي يتم تركيبه للأطفال داخل المستشفى، بالكاد يتم العثور عليه.
وطالبت والدة التوأمين بإيقاف الحرب، مضيفة: لا نطالب بشيء إلا أن نعيش بسلام وأمان.
وأشارت إلى أن الحرب حرمتها من التواصل مع عائلتها المتواجدة جنوب القطاع لأكثر من 3 شهور، لافتة إلى أن عائلة شقيقة والدتها قتلت باستهداف إسرائيلي ولم تستطع أن تلقي نظرة الوداع عليها.
الحالة النفسية
تقول والدة الطفلة نسمة المجدلاوي، التي تعاني من إسهال ومغص حاد، إن غالبية الأطفال الذين تعرفهم يمرون بنفس هذه الأعراض الصحية.
وتضيف الوالدة (لم تكشف عن اسمها) للأناضول: وضع الأطفال في المحافظات الشمالية صعب للغاية، لا يجدون العلاجات ولا الطعام والمياه الآمنة للشرب، ولا الملابس أو الأغطية التي تقيهم برودة الجو، من سيتحمل مسؤوليتهم الآن؟.
وأوضحت أن الحالة النفسية التي يمر بها الأطفال خاصة مع فقدانهم لآبائهم وعدد من أفراد أسرتهم يفاقم من تردي أوضاعهم الصحية.
وتابعت : طفلتي نسمة بدأت حالتها الصحية بالتدهور بعد استشهاد والدها.
وطالبت والدة الطفلة الدول العربية والغربية بالنظر بعين الرأفة لأطفال غزة، وقالت: لم يعد لهم مستقبل في ظل هذه الأمراض وحالة الجوع التي يعيشونها.
ظروف صعبة
وسط انقطاع اللقاحات الدورية، يعاني الأطفال في مناطق شمال غزة من تدهور حالتهم الصحية جراء انعدام سبل ومقومات الحياة.
والطفلة مريم فسفوس (11 عاما)، واحدة من هؤلاء الأطفال، حيث تعاني من مرض الجفاف.
وتقول والدة الطفلة (لم تكشف عن اسمها) للأناضول: أقل من شهر وطفلتي تحتاج لتلقي التطعيمات، وهي اليوم غير متوفرة وأتخوف أن تتدهور حالتها الصحية.
وتوضح أن الظروف المعيشية الصعبة التي تحياها أسرتها في بلدة جباليا (شمال)، تفاقم من تدهور وضع طفلتها الصحي.
وتضيف: منزلنا مدمر لا يصلح للسكن، لكن بقدر الإمكان حاولنا أن نبقى فيه لنؤوي أنفسها بدلا من التوجه لمراكز الإيواء.
وأشار إلى أنه قبل أيام قليلة سقط حجر إسمنتي على وجه طفلتها وأصيبت بجروح، كما أنها تعاني من صعوبة في التنفس بسبب تلوث الجو بدخان القذائف والصواريخ، وفق قولها.
ازدحام بقسمي العناية والأطفال
بدوره، قال مدير المستشفى حسام أبو صفية، إن المستشفى يواجه ازدحاما وتكدسا بالحالات المرضية من الأطفال، بسبب غياب اللقاحات الدورية.
وأضاف: غياب التطعيم له دور كبير في تفاقم أوضاع هذه الحالات، خاصة وأننا في فصل الشتاء والكثير من العدوى تنتشر في هذا الفصل، حيث كانت اللقاحات تحمي الأطفال من الكثير من الأمراض.
وبيّن أبو صفية أن تكدس الناس في مناطق النزوح يهيئ الظروف لانتشار سريع للعدوى في صفوف الأطفال، في وقت تعاني فيه المستشفى شح الإمكانيات والمستلزمات والكوادر الطبية.
وأوضح أن قسم الأطفال داخل المستشفى يضم عددا كبيرا من الحالات المنومة كان من الممكن أن تتعافى وتتحسن لو تلقت التطعيمات في موعدها.
وتابع: لكن عدم وجود هذه التطعيمات في المناطق الشمالية أدى لازدحام في هذا القسم وفي قسم العناية المركزة أيضا.
وذكر أن عددا من المضاعفات الصحية والأعراض التي تصيب الأطفال جراء عدم تلقي اللقاحات تكون بحالة متقدمة ويجعلها بحاجة للعناية المركزة.
وأوجز أبو صفية الأعراض التي تصيب الأطفال قائلا: النزلات المعوية الحادة، وإصابة الأطفال الأقل من 6 شهور بفيروس يصيب الشعب الهوائية.
وحذر من انتشار أمراض جديدة قد تصيب الأطفال في الأيام القليلة القادمة في حال لم يتم توفير اللقاحات الدورية.
وأشار إلى أن المستشفى تلقى وعودا من أجل تفعيل جدول وخطة للقاحات الدورية في مناطق شمال غزة، دون الكشف عن موعدها.
انتشار الأوبئة
وعن انتشار الأوبئة بين الأطفال، قال أبو صفية إن ذلك يحدث جراء تكدس أعدادهم في مراكز الإيواء مع غياب عوامل النظافة.
وتابع: أيضا قلة الطعام الصحي المقدم للأطفال يعد عاملا أساسيا لحدوث وانتشار العدوى وتطورها بشكل سيئ.
وأوضح أن شح المياه النظيفة الآمنة اللازمة للرضع لاستخدامها في إعداد الحليب الصناعي، أو اللازمة للشرب للأطفال الأكثر من عامين، تسهم في انتشار الأمراض وتدمير مناعة الجسم لديهم.
تحديات العمل
وعن التحديات التي يواجهها مستشفى كمال عدوان، بعد عودته للعمل عقب تعرضه للاستهداف والتدمير، قال أبو صفية: نعاني قلة المستلزمات والمستهلكات والأجهزة الطبية، وشح الكادر الطبي، في ظل نزوح أعداد كبيرة منهم للمحافظات الجنوبية.
وأضاف: عدنا للعمل، لعدم وجود أي مستشفى آخر يقدم الخدمات لمحافظتي الشمال وغزة أيضا (مجمع الشفاء الطبي يقدم خدمات غسيل الكلى وتطبيب أولي).
وعن الأقسام التي عادت للعمل بالحد الأدنى، قال أبو صفية: الطوارئ والجراحات بشتى تخصصاتها لا سيما الأعصاب والجراحة العامة، والرعاية والحضانة وقسم المخ والأعصاب والنساء والتوليد.
ولفت إلى أن الإدارة تعكف على تفعيل أقسام أخرى كالباطنة، لافتا إلى أن ذلك يعتمد على قدرتهم على توفير الكوادر الطبية اللازمة.
وشدد على أهمية توفير الوقود اللازم لضمان استمرار تقديم هذه الخدمات، خاصة فيما يتعلق بعمل محطة الأكسجين والمختبرات.
وطالب الجهات المعنية بضرورة إمدادهم بالمستلزمات والمستهلكات والأدوات الصحية اللازمة.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشن الجيش الإسرائيلي حربا مدمرة على غزة خلّفت أكثر من 23 ألف شهيد و أكثر من 59 ألف مصاب معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقا لسلطات القطاع والأمم المتحدة.