ما الآثار النفسية التي يمكن أن تظهر على الأفراد الذين تعرضوا للعدوان الإسرائيلي في غزة؟ وما تأثير الحرب على مستويات الاكتئاب؟ وكيف التعامل مع هذه المشاكل النفسية وعلاجها؟
يقول رئيس جمعية الأطباء النفسيين الأردنية والاختصاصي الأول في الطب النفسي وعلاج الإدمان الدكتور علاء الفروخ، إن الاضطرابات والتبعات النفسية التي تحدث نتيجة ما يمر به الأفراد خلال العدوان الإسرائيلي -بما يؤدي إليه من استشهاد وإصابات ويتم- تشمل نوعين بشكل عام:
- اضطراب القلق الحاد acute stress reaction، ويسميه الناس بالصدمة النفسية، ويحدث نتيجة التأثر المباشر، ويكون فيه توتر شديد مترافق مع الحدث مثل سماع صوت الانفجارات مع وفاة قريب، ويقع فيه تفاعل نفسي شديد، ويحدث هذا عادة خلال أول شهر بعد التعرض للظرف الشديد.
- كرب ما بعد الصدمة post traumatic syndrome، ويحدث بعد فترة شهر من الحادث. وهو من الآثار النفسية التي قد تبقى لشهور وأحيانا لسنوات. وهو أحد أكثر المشاكل نفسية شيوعا للناس الذين تعرضوا لأزمات وظروف استثنائية تهدد حياتهم أو حياة أناس قريبون منهم، مثل التعرض للتفجير أو الانحشار تحت الأنقاض.
المنعة النفسية
يقول الدكتور علاء الفروخ، إنه ليس كل من يتعرض لظرف صعب سيعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، ومن العوامل التي يعتمد عليها هي ما يمتلكه الشخص مما نسميه الصلابة النفسية أو المنعة النفسية mental resilience.
وأكد الفروخ أنه مما يراه وضمن المعطيات التي لديه مما نشاهده في الأخبار ومن الزملاء الذين عملوا مع أهل غزة في السابق وفي المستشفيات الميدانية، وشهدوا الناس الغزيين الذين نجوا من الحرب، فإن نسبة المنعة النفسية أو الصلابة عند أهل غزة عالية جداً وغير مسبوقة واستثنائية في العالم، لدرجة أنه عند بعض الجرحى أو الناجين ممن استشهد أفراد من أهاليهم أو هدمت منازلهم لم تظهر عليهم حالة اضطراب ما بعد الصدمة نهائيا، ووجد أنهم يتمتعون بمنعة نفسية عالية جدا.
وقال الفروخ إن واحدة من مدارس العلاج النفسي المعتمدة عالميا اسمها العلاج بالتسامي أو العلاج بالمعنى، ويقصد بهذه المدرسة أن الناس أحياناً يتجاوزون مشاكلهم المادية أو النفسية المباشرة من خلال التسامي عليها نحو هدف عال جداً وقيمة كبرى يؤمن بها الشخص، فلا يشعر بالحسرة أو الألم أو الندم على ما يحدث معه من ظروف مادية في الحياة، لأن لديه هدفا أسمى من ذلك بكثير يجعل ما حصل معه من تضحيات شيئا يتقبله.
وهذا الأمر واضح جداً في أهل فلسطين وأهل غزة، فهم أصحاب قضية يؤمنون بعدالتها المطلقة، وعندهم درجة عالية من الإيمان بقضيتهم وبأنها تستحق كل هذه التضحيات، يضيف الفروخ.
كيف يمكن أن يؤثر الصراع والحرب على الأطفال نفسيا وعاطفيا؟
قال الدكتور الفروخ إن النضج الفكري والانفعالي لدى الأطفال ما زال غير مكتمل، لذلك فهم أكثر عرضة من غيرهم للاضطرابات بعد العدوان، مشيرا إلى أنه ليس لديهم المنعة النفسية التي يتمتع بها البالغون.
وأضاف أن الأطفال يكونون أكثر عرضة لاضطراب بعد الصدمة والتوتر الشديد، لذلك هم أكثر فئة تحتاج للدعم النفسي.
إيقاف الحرب هو العلاج
العلاج النفسي لسكان غزة هو أولا إيقاف حرب الإبادة والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، لأن الناس يصابون باضطرابات ما بعد الصدمة والتوتر.
يجب أن يشعر الأشخاص بالأمان وأن تقدم لهم خدمات الحياة الأساسية مثل الطعام والشراب والمأوى، ثم تأتي خدمات الدعم النفسي والعلاج المعرفي السلوكي والأدوية حسب الحالة.
تأثير الحرب على مستويات الاكتئاب
قال الدكتور أحمد بني مفرج، أخصائي العلاج النفسي، إن جميع الدراسات تشير إلى آثار الحروب على ارتفاع مستويات القلق والتوتر والاكتئاب لدى الأفراد بالإضافة إلى مشاكل النوم كالأرق أو الكوابيس والرغبة بالعزلة والانسحاب، بجانب ارتفاع مستويات الإصابة بالاكتئاب نتيجة فقدان الأقارب أو الأحبة.
وأضاف الدكتور بني مفرج -الذي يحمل الدكتوراه في علم النفس- أن الأمر لا ينتهي هنا بل هنالك تداعيات ما بعد الحرب، فغالبية الأطفال يفقدون مقاعد الدراسة أثناء الحرب، ناهيك عن المعاناة الناتجة عن شح الموارد، بالإضافة إلى سوء التغذية.
وسواس الموت
وأكد بني مفرج أن مستوى الإصابة بوسواس الموت يرتفع حيث يفكر الشخص بالموت يوميا وفي كونه لن ينجو من هذه الحرب كما يحدث الآن في غزة، إذ جميع الأماكن مستهدفة، حتى المستشفيات والمدارس في أبشع جرائم الحرب التي يمكن ارتكابها.
وقال الدكتور بني مفرج إن مستوى الإصابة بالتبول الليلي أو اللاإرادي لدى الأطفال يرتفع بسبب الخوف نتيجة الصدمات ومشاهد الدمار والقتل.
وأضاف “هنا يأتي دور العلاج النفسي ليخفف من حدة النتائج السلبية للحرب خاصة لدى الأطفال، من خلال الألعاب الجماعية والرقص واللعب بالدمى والأناشيد مما يشتت انتباههم وتفكيرهم عن الأحداث الصادمة”.
وتابع أن العلاج النفسي يلعب دورا بارزا في تدريب الأفراد البالغين على التقبل وطرق التأقلم مع الضغوط ويعلمهم طرق التفكير الإيجابي الذي يسهم في تحسين الحالة النفسية لديهم.