أصبح اكتشاف الإصابة بمرض ألزهايمر بمجرد اختبار دم بسيط قاب قوسين أو أدنى من أن يتحقق فعليا بعد سنوات طويلة من البحوث، وسيشكل بالتالي تطورا ثوريا في هذا المجال، لكن المرضى أنفسهم لن يلمسوا الفائدة منه ما لم تتوفر علاجات فاعلة لهذا المرض بعد طول انتظار.
وقال طبيب الأعصاب جوفاني فريسوني، أحد أبرز الأخصائيين الأوروبيين في مرض ألزهايمر لوكالة الصحافة الفرنسية: “ستغير المؤشرات الحيوية للدم الطريقة التي نجري بها التشخيص”.
ويشكل التشخيص بهذه الطريقة منذ سنوات أحد محاور التركيز الرئيسية للبحوث المتعلقة بهذا المرض الذي يعد الشكل الأكثر شيوعا من الخرف، ويؤثر بشكل لا رجعة عنه على عشرات الملايين من الأشخاص حول العالم.
وتتمثل الفكرة في توفير القدرة من خلال اختبار دم بسيط، على رصد مؤشرات تكشف الآليات الفيزيولوجية التي يبدأ بها المرض.
وتوصل العلماء إلى معطيات عن آليتين رئيسيتين، من دون التوصل إلى فهم كامل للتفاعل بينهما، أولاهما عبارة عن تكوين ما يعرف بلويحات بروتين الأميلويد في الدماغ، التي تضغط على الخلايا العصبية وتدمرها في النهاية، والثانية تراكم بروتينات أخرى تسمى تاو داخل الخلايا العصبية نفسها.
وتتوفر أصلا فحوص تتيح اكتشاف الإصابة بألزهايمر، أحدها بواسطة البزل القطني (أو الشوكي)، والثاني بواسطة إحدى تقنيات التصوير الطبي وهي التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET). ولكن نظرا إلى أن هذه الفحوص طويلة وثقيلة ومكلفة، يكتفي كثير من المرضى بالنتائج السريرية، كفقدان الذاكرة الشديد.
اختبارات الدم
وفي تقنية البزل القطني يقوم مقدم الرعاية الصحية بإدخال إبرة مجوفة في المساحة المحيطة بالعمود الفقري (الفضاء تحت العنكبوتية) في أسفل الظهر لسحب بعض السائل النخاعي (CSF) وفحصه أو حقن الدواء، وفقا لجامعة جونز هوبكنز.
وسبق أن طرحت في السوق بعض اختبارات الدم، ولكن عمليا لا يستخدم سوى القليل منها في انتظار توفر بيانات عن فائدتها الحقيقية. إلا أن العديد من الدراسات أثبتت في الأشهر الأخيرة فاعلية بعض اختبارات الدم في رصد العلامات الداخلية للمرض.
ونشرت أبرز هذه الدراسات في يناير/كانون الثاني الماضي في مجلة “غاما نورولودجي”. وخلصت الدراسة التي استندت إلى متابعة وضع نحو 800 شخص، إلى أن اختبار الدم يمكن أن يكشف عن كمية غير طبيعية من الأميلويد أو عن بروتينات تاو بفاعلية مماثلة للفحوص المعتمدة في الوقت الراهن.
والأهم من ذلك، أن فاعلية هذا الاختبار ثبتت في مرحلة ما قبل سريرية، حتى قبل ظهور الأعراض المعروفة لهذا المرض.
وأبدت الأوساط الطبية عموما ارتياحها إلى هذا التقدم المهم، رغم بعض الثغرات، ومنها ضرورة تأكيد هذه الفاعلية في الممارسة العملية، إضافة إلى أن هذا الاختبار يظهر فقط وجود آليات فيزيولوجية لا تؤدي بشكل منهجي إلى الخرف.
خطوة أولى
واعتبر أخصائي طب الأعصاب بارت دي ستروبر في تعليق عبر منصة مركز “ساينس ميديا سنتر” البريطاني أنها “دراسة ممتازة تقرب إلى حد كبير إمكان استخدام اختبار دم عادي لرصد مرض ألزهايمر”.
وفي المملكة المتحدة، أصبح هذا التطور حقيقة واقعة تقريبا. ويهدف البرنامج، الذي بدأته العديد من المنظمات المناهضة لمرض ألزهايمر، منذ العام الماضي إلى اختبار مدى فائدة اختبارات الدم هذه داخل نظام الرعاية الصحية البريطاني.
غير أن اكتشاف الإصابة بالمرض في مرحلة مبكرة يفقد أهميته في غياب أي علاج فاعل. ومع ذلك، يأمل كثير من أطباء الأعصاب راهنا في أن تحقق الأدوية النتيجة المرجوة.
فبعدما أخفقت البحوث طوال عقود في التوصل إلى علاجات، يبدو أن ثمة دواءين واعدين، أحدهما من شركة “إلاي ليلي”، والآخر من “بايوجين” (Biogen)، يستطيعان إبطاء تطور مرض ألزهايمر عن طريق مهاجمة لويحات الأميلويد.
ومع أن فاعليتهما محدودة، وآثارهما الجانبية حادة، يرى كثر من أخصائيي طب الأعصاب أنهما خطوة أولى نحو علاجات أخرى أكثر فاعلية.
وفي ضوء ذلك، يؤمل في أن يسهم التمكن من استخدام اختبار دم بسيط لرصد مرض ألزهايمر في أسرع وقت ممكن من زيادة فاعلية أي دواء.
وثمة تفصيل مهم هو أن فحص الدم أتاح التشخيص المبكر لدى مرضى يعانون أصلا ضعف الذاكرة، لا لدى أي كان.
اختبار المؤشرات الحيوية
وقال فريسوني “لا فائدة اليوم من اختبار المؤشرات الحيوية للدم لدى الأشخاص الذين لا يعانون عجزا إدراكيا، فهذا لن يؤدي إلا إلى الضرر”.
فماذا يفيد اكتشاف ارتفاع خطر الإصابة بالمرض إذا لم تتوفر وسائل ملموسة لمنع ظهوره؟ ومع ذلك، لا يستبعد فريسوني أن يصبح فحص مرض ألزهايمر حقيقة ذات يوم.
وقال “نحن نختبر حاليا بعض الأدوية الهادفة إلى تقليل خطر الإصابة بمرض ألزهايمر”. وأضاف “ربما، في غضون 5 أو 10 سنوات، سيصبح ذلك في الممارسة السريرية. عندها، سأكون قادرا على أن أوصي بقياس المؤشرات الحيوية للدم (كأداة فحص)، ولكن ليس اليوم”.