كشفت دراسة حديثة أن عقار “ليدوكايين” -الذي يستخدم مخدرا موضعيا في علاجات الأسنان وللمرضى الذين يحتاجون لإجراء طبي في العيادات الخارجية- قد يتسبب في موت الخلايا السرطانية.
وأجرى الدراسة باحثون من كلية الطب في جامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأميركية، ونشرت نتائجها في مجلة “سيل ريبورتز” (Cell Reports)، وكتب عنها موقع “يورك أليرت” (EurekAlert) نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.
وكان من المتوقع أن لعقار ليدوكايين فائدة في علاج السرطان، ولكن الآلية لم تكن معروفة حتى درس مجموعة من الباحثين تأثير هذا العقار على حيوانات المختبر. ومهدت الدراسة الطريق أمام هذا الدواء للانتقال إلى المراحل السريرية (أي دراسته على البشر)، واستكشاف أثره إذا أعطي مع الأدوية التي تؤخذ عادة كعلاج لسرطانات الرأس والعنق.
مستقبلات الطعم المر
توصل الباحثون إلى أن دواء ليدوكايين يحفّز مستقبلات الطعم المر المعروفة باسم “تي2 آر14″، وعندما تحفز هذه المستقبلات تبدأ عملية الموت المبرمج للخلايا.
والآلية المحددة التي يستخدمها دواء ليدوكايين في تنشيط المستقبل “تي2 أر14” هي زيادة حمل الميتوكوندريا من أيون الكالسيوم (الميتوكوندريا هي مولدات الطاقة في الخلية)، مما يتسبب في زيادة الأنواع المتفاعلة من الأكسجين التي تسبب دمارا في الخلية. ويقوم الدواء أيضا بتثبيط البروتيازوم (أنزيم ينظم عمل البروتينات المسؤولة عن دورة حياة الخلية وموتها المنظم).
وفي دراسة سابقة قام بها الفريق، أظهرت أن مستقبلات “الطعم المر” موجودة بشكل كبير في الخلايا السرطانية التي تسبب سرطاني الفم والحنجرة. وهذه المستقبلات تحفز موت الخلايا المبرمج. وزيادة عدد هذه المستقبلات يرتبط بتحسن البقاء على قيد الحياة لمرضى سرطان العنق والرأس.
وفي أبريل/نيسان الماضي، نُشرت نتائج تجربة أجريت على مرضى سرطان الثدي، وجدت تحسنا في صحة المرضى الذين يعطون دواء ليدوكايين قبل خضوعهم للعملية.
وقال قائد الدراسة الدكتور روبرت لي إنهم فوجئوا بأن ليدوكايين يعمل على المستقبل الأكثر انتشارا في الخلايا السرطانية. وأضاف أن المستقبل “تي2 أر14” يمكن تحفيزه من خلال الكثير من الأدوية الموجودة فعلا، مما يعطي الباحثين فرصة لإعادة التفكير في استخدام هذه الأدوية بشكل آمن لاستهداف هذا المستقبل.
ومستقبل “تي2 آر14” يساعد الجسم على تذوق الطعم المر، لكن وظيفته في خلايا الجسم الأخرى غير واضحة. ويحقن ليدوكايين داخل الجلد أو الأنسجة الأخرى ليمنع الألم من خلال حظر الإشارات العصبية، وقد يكون من السهل حقنه بشكل مباشر قريبا من الأورام الفموية التي يمكن الوصول إليها.
وقال الباحث الدكتور ريان كاري إنهم يستخدمون ليدوكايين بأريحية وبشكل مستمر وآمن لأنه متوفر بسهولة، الأمر الذي يعني أنه من الممكن دمجه في الجوانب الأخرى من علاج سرطانات الرأس والعنق بسلاسة.
الدراسة أجريت على خلايا سرطان الخلايا الحرشفية في الرأس والرقبة، ووجد أيضا أن زيادة مستقبلات “تي2 أر14” مرتبط بفيروس الورم الحليمي البشري والذي يشكل النوع السائد من سرطان الخلايا الحرشفية في الرأس والرقبة. وانطلاقا من هذه النتائج، يخطط كاري لاختبار ليدوكايين سريريا في علاج مرضى المصابين بفيروس الروم الحليمي البشري المرتبط بسرطان الخلايا الحرشفية في الرأس والرقبة.
وأشار كاري إلى أنهم لا يظنون أن ليدوكايين قد يشفي من السرطان، إلا أنهم مدفوعون بإمكانية الوصول إلى مرحلة ما متقدمة في علاج هذا السرطان من حيث تحسين الخيارات المتوفرة للأنواع الصعبة من سرطان الرأس والعنق.
ما سرطان الرأس والعنق؟
سرطان الرأس والعنق هو ورم خبيث يظهر في هذه الأجزاء من الجسم. وتشمل إصابات سرطان الرأس والرقبة الأورام التي تصيب منطقة ما فوق الترقوة، وتقسم إلى 3 أقسام رئيسية هي:
وعادة ما يبدأ نشوء الخلايا السرطانية في منطقة الجيوب الأنفية والغدد اللعابية والفم والأنف والحنجرة.
وتتميّز أورام الرأس والرقبة السرطانية بارتفاع نسب الإصابة بين الذكور مقارنة بانتشارها بين الإناث، حيث تكون نسبة تعرّض الذكور لهذه الإصابات تفوق نسبة تعرض الإناث لها بثلاثة أمثال، كما أن أكثر الناس عرضة لها هم ممن بلغوا الخمسين من العمر.
وتختلف أعراض الإصابة باختلاف موقع الخلايا السرطانية في الرأس أو الرقبة، ويمكن أن تشمل:
- ظهور أورام أو تقرحات مؤلمة لا تلتئم في الفم.
- صعوبة في البلع وتغيّر في الصوت.
- في بعض الحالات تظهر بعض الأعراض المبكّرة على الإصابة بسرطان الرأس والرقبة، مما يزيد من فرص الكشف المبكر عن المرض وبالتالي علاجه بفعالية، لكن ما يؤسف له أن معظم هذه الأمراض السرطانية لا يتم تشخيصها إلا في مرحلة متأخرة، مما يزيد صعوبة معالجتها.