أظهرت دراسة جديدة نشرت يوم 9 مايو/أيار الجاري في مجلة “ساينس”، أن نموذجا جديدا للتنبؤ بآثار تغيّر المناخ على انتقال الملاريا في أفريقيا يمكن أن يؤدي إلى تدخلات أكثر استهدافا للسيطرة على المرض.
واستخدمت الطرق السابقة مجاميع هطول الأمطار للإشارة إلى وجود مياه سطحية مناسبة لتكاثر البعوض، لكن الدراسة الجديدة استخدمت عدة نماذج مناخية وهيدرولوجية (علم دراسة المياه وتوزيعها وخصائصها وتأثيرها في البيئة والكائنات الحية) لتشمل عمليات العالم الحقيقي للتبخر والتسلل والتدفق عبر الأنهار، وخلق هذا النهج صورة أكثر تعمقا للظروف الملائمة للملاريا في القارة الأفريقية.
تراجع نطاق التهديد
ويوضح الباحث الرئيسي للدراسة “مارك سميث” -وهو أستاذ مشارك في تخصص دراسات المياه في كلية الجغرافيا بجامعة “ليدز”- أن المناطق المعرضة لخطر انتقال الملاريا في أفريقيا قد تنخفض بشكل أكثر مما كان متوقعا في السابق بسبب تغير المناخ في القرن الحادي والعشرين، مما يشير إلى مجموعة من النماذج البيئية والهيدرولوجية.
وأوضح الباحث في حديث مع “الجزيرة نت”، أن النماذج المناخية المجمّعة توقعت أن المساحة الإجمالية المناسبة لانتقال الملاريا ستبدأ في الانخفاض في أفريقيا بعد عام 2025 حتى عام 2100، بما في ذلك غرب أفريقيا وجنوب السودان.
ويقول سميث: “يلتقط نهج الدراسة الجديدة السمات الهيدرولوجية التي عادة ما يجري تجاهلها مع النماذج التنبؤية القياسية لانتقال الملاريا، مما يوفر رؤية أكثر دقة يمكن أن تفيد جهود مكافحة الملاريا في عالم دافئ”.
ويقع معظم عبء الملاريا على عاتق الأشخاص الذين يعيشون في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل في أفريقيا، حيث البنية التحتية الصحية غير مكتملة مع توقف برامج مكافحة الملاريا خلال السنوات الأخيرة. وتنتقل الملاريا عن طريق ناقلات الأمراض، وتتأثر بالمناخ، وتسببت بوفاة 608 آلاف شخص من بين 249 مليون حالة في عام 2022.
وتتركز 95% من حالات الإصابة بالملاريا على مستوى العالم في أفريقيا وحدها، لكن الانخفاض في الحالات هناك تباطأ أو حتى انعكس في السنوات الأخيرة، ويعزى ذلك جزئيا إلى توقف الاستثمارات في الاستجابات العالمية لمكافحة الملاريا، وفقا للبيان الصحفي المنشور على موقع “يوريك آلارت”.
الحساسية المناخية
وسلطت الدراسة الضوء على دور الممرات المائية مثل نهر زامبيزي في انتشار المرض، ويقدر أن ما يقرب من أربعة أضعاف السكان يعيشون في مناطق مناسبة للملاريا لمدة تصل إلى تسعة أشهر في السنة عما كان يعتقد سابقا. ونظرا لانتشارها عن طريق البعوض، تعد الملاريا أيضا من أبرز الأمراض الحساسة للمناخ.
فعلى سبيل المثال، يمكن للتغيرات في هطول الأمطار أن توسع أو تقيد النطاق الجغرافي للبعوض وتوافر المياه الراكدة التي تحتاجها للتكاثر، وخاصة في أفريقيا حيث يتغير المناخ بسرعة فعلا. ومع ذلك، فإن معظم المحاولات للتنبؤ بتأثير تغير المناخ على الملاريا لم تمثل سوى المياه السطحية باستخدام هطول الأمطار، متجاهلة السمات الهيدرولوجية الهامة الأخرى مثل تدفق الأنهار.
وعوضا عن الاعتماد على نموذج واحد، طبق الباحثون مجموعة من النماذج الهيدرولوجية والمناخية العالمية للتنبؤ بانتقال الملاريا في أفريقيا على نطاق قاري، ودمجوا المقاييس الهيدرولوجية مثل الجريان السطحي والتبخر، مع التركيز بشكل خاص على المناطق ذات الكثافة السكانية العالية قرب شبكات الأنهار الواسعة النطاق مثل نهر النيل.
وبالمقارنة مع النماذج المعتمدة على هطول الأمطار، توقعت الطريقة المجمّعة أن تكون هذه التغييرات في المنطقة أكثر انتشارا وأكثر حساسية للسيناريوهات المستقبلية المختلفة لانبعاثات الغازات الدفيئة.
ويتوقع الباحثون أن الظروف الحارة والجافة الناجمة عن تغير المناخ ستؤدي إلى انخفاض عام في المناطق المناسبة لانتقال الملاريا اعتبارا من عام 2025 فصاعدا. ويشير “سميث” إلى أنه مع توفر تقديرات مفصلة بشكل متزايد لتدفقات المياه، يمكننا استخدام هذا الفهم لتوجيه تحديد الأولويات وتصميم التدخلات الخاصة بالملاريا بطريقة صحيحة أكثر.