بغداد- شهد العراق خلال السنوات الماضية إقامة العديد من المهرجانات والفعاليات الثقافية والفنية التي حظيت بمشاركة عربية ودولية فعالة بهدف إيصال رسالة بأن العراق استعاد لنشاطه من جديد بعد الظروف التي مر بها البلاد خلال العقود الماضية.
والجمعة الماضية شهدت انطلاق فعاليات مهرجان بابل للثقافات والفنون بدورته الـ11 وبعنوان “مهرجان الثقافة الفلسطينية” والتي أقيمت على مدينة بابل الأثرية، إذ شهدت النسخة الجديدة للمهرجان مشاركة محلية وعربية وعالمية واسعة، إضافة إلى إقامة المعرض الدائم للكتاب، الذي تشارك به دور نشر من مختلف الدول فضلا عن عروض أزياء على المسرح البابلي للشعب الفلسطيني وفقرات موسيقية وتكريم عدد من الأدباء في المهرجان الذي يستمر لغاية غدا 26 أبريل/نيسان الجاري.
وتعتبر النشاطات الثقافية والفنية مرآة العراق أمام العالم العربي والدولي حيث تنعكس استضافة بلاد الرافدين للعديد من المهرجانات الفنية والثقافية الدولية انطباعا على عودته إلى الساحة الإقليمية والعالمية ورسالة باستقرار الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عانى منها البلاد خلال السنين الماضية.
تضامنا واحتفالا بالثقافة الفلسطينية
وفي هذا الصدد، قال رئيس “مهرجان بابل للثقافات والفنون العالمية” الشاعر العراقي الدكتور علي الشلاه للجزيرة نت إن مهرجان بابل أعلن دورته الـ11 تضامنا واحتفالا بالثقافة الفلسطينية في زمن العدوان على غزة، هذا أمر أخلاقي نحن لا يمكن أن نقيم فعاليات ثقافية عالمية، وكل شيء إنساني ينتهك في غزة.
ورأى أنه لا يوجد مثقف في العالم يزعم أنه إنسان وأنه مبدع وأنه ينحاز لقضايا الإنسان، ويتغاضى عما يحصل في غزة، لذلك امتحان الإنسانية يكون في غزة، ومن هنا كان احتفاء بالثقافة الفلسطينية متعددا وكبيرا بكل الفنون، أدباء وفنانون وشعراء وموسيقيون وغيرهم قدموا كلهم رؤية واحدة بأنهم مع الإنسانية التي تهان في غزة لذا تجد معارض تشكيلية حضورا أكثر للدول العربية وغالبية دول العالم.
وأضاف أن الثقافة العراقية عادت لتمارس حضورها العربي الكبير ونحن في مهرجان بابل عبر 11 دورة استضفنا مثقفين من مختلف دول العالم، أسماء ثقافية كبيرة لكي يعود هذا الجسر الرابط عبر الثقافات من بابل العراق إلى كل العالم عبر مسارين مسار القدوم الذين ندعوهم ومسار الانطلاق عبر الأدباء والمثقفين العراقيين والعرب الذين نرشحهم لفعاليات عالمية كبرى من الأرض.
وشدد في حديثه على أنهم يركزون على الثقافة الرصينة في زمن التسطيح، ويؤمنون أن الأجيال ستعود إلى هذه الثقافة، وإن كانت المغريات كبيرة.
مناسبة فنية وثقافية كبيرة
وقال نقيب الفنانين الدكتور جبار جودي في حديثه للجزيرة نت إن مهرجان بابل مناسبة فنية وثقافية كبيرة لها صدى رائع وهناك تفاعل كبير معها.
وبين أنه قبل هذا المهرجان انطلقت مهرجانات كبرى، إذ استضافت بغداد مهرجان بغداد السينمائي الذي حقق صدى إعلاميا واسعا، وسبقه بشهر مهرجان المسرح العربي الذي نظم بالشراكة مع الهيئة العربية للمسرح وبأكثر من 600 ضيف دخلوا إلى العراق من كل أنحاء الوطن العربي.
نافذة مهمة
وفي هذا الصدد، يكشف الناقد الفني ومدير تحرير بصحيفة الأهرام المصرية سيد محمود أن مهرجان بابل أصبح نافذة مهمة جدا للاطلاع والثقافة وأحد أهم المهرجانات المتنوعة.
وأشار في حديثه “للجزيرة نت”، في هذا العام توجد كل أنواع الفنون الثقافات فن تشكيلي شعر رواية قراءة مناقشات الدراما والأدب سينما وغيرها.
وبشأن استعادة العراق لنشاطه الثقافي محليا وإقليميا، ذكر محمود على هامش مشاركته في مهرجان بابل أن العراق حاضر عالميا وعربيا، لكن ما نحتاجه اليوم هذا الزخم الثقافي والتراث الموجود إلى العالم ونقله، لأن بعض المهرجانات التي يشهدها العراق لا تنقل صورة البلاد التاريخية والتراثية.
وأكد أن المهرجانات محتاجة أن تركز على استعادة روح العراق وهويته والتراث الموجود إذ لدينا أماكن تراثية كثيرة وضرورة نقلها من جديد إلى المشاهد في كل أنحاء العالم.
دليل عافية ثقافية
من جهته، اعتبر الشاعر والكاتب المسرحي المقيم في سلطنة عمان، عبد الرزاق الربيعي، المهرجانات الأدبية والفنية دليل عافية ثقافية، ومؤشرا على استتباب الأمن، واستقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أيّ بلد تقام به، وتقوم بتنشيط القطاع السياحي، وإنعاش الحياة الاقتصادية، وتعريف الضيوف بثقافة البلد، ومرافقه السياحية.
ويكمل “لهذا ظهر ما يُطلق عليه بـ”سياحة المؤتمرات والمهرجانات” فمردود المهرجانات على القطاع الاقتصادي كبير، فهي تحرّك عجلة الاقتصاد، وتسهم في تدوير رؤوس الأموال، فتدخل في مجال الاستثمار الثقافي”.
وأضاف الربيعي للجزيرة نت “من خلال مشاركاتي في عدد من المهرجانات الشعرية والمسرحية التي أقيمت في العراق، لاحظت نجاح هذه المهرجانات في أداء رسالتها الأهم وهي أن العراق استعاد عافيته، بعد سنوات من الانقطاع عن العالم الخارجي، بسبب الحروب، والحصار، والصراعات الداخلية، وتعثر العملية السياسية، فكسب ثقة المشاركين بتلك المهرجانات، الذين عرفوا أن العراق يبقى حيّا، ليستكمل أداء دوره في الحراك الحضاري، مستعيدا مكانته العالية في المشهد الثقافي العربي ونجاح مهرجان بابل الدولي للفنون والثقافات دليل على كلامي هذا”.
استعداد عراقي
لكن الروائي العراقي، إبراهيم سبتي، أقر بأن الفعاليات الثقافية والمؤتمرات المهمة التي تقام في أي دولة تعني أنها تمرّ بحالة استقرار وهي على استعداد دائم لإقامة تلك الفعاليات.
وأكمل في حديثه للجزيرة نت، في العراق الأمر ذاته في استضافة أي نشاط ثقافي دولي أو عربي أو إقليمي، فسيكون حتما معبرا عن الإرادة القوية أولا في إدارة هذه الفعاليات وثانيا هي ترجمة واقعية لحالة العراق الحالية من الاستقرار واستعداده لاحتضان أي مهرجان أو مؤتمر ليس ثقافيا حسب إنما في شتى أنواع المعارف والعلوم، كذلك عنوان لعودة العراق المتميز دائما في الثقافة والحضارة والعلوم.
وشدد على أن العراق محط أنظار العالم منذ القدم حتى إن الكتب الأدبية الصادرة في كل العالم تراها في السوق العراقية حال صدورها، وهذا خير دليل على تعافي وتميز الذائقة والوعي، وتقبل هذا البلد للثقافة والإبداع في كل الصنوف الأخرى، وفي كل الاوقات.
ورأى أن انطلاق مهرجان بابل للثقافات المتعددة والفنون مؤخرا دليل حاسم على الحالة الجديدة التي يمرّ بها الوضع العراقي، ومن قبله كان مهرجان المربد الذي احتضن من بين ضيوفه بعض الأسماء العربية والعالمية وهو دليل تعاف وتطور في الساحة الأمنية والسمعة الدولية التي تتصاعد يوما بعد آخر.
وأقر بأن حضور الأسماء العربية والعالمية في مهرجان بابل للثقافات المتعددة والفنون، لم تكن مصادفة، بل جاءت بعد جهود مضنية بُذلت من قبل الخيرين في البلاد من أجل وضعه على ساحة الثقافات الإقليمية والدولية بكل ثقة واقتدار وتميز لأنه صاحب حضارة أثرت في محيطها، وما زالت تشع نورها في الأرجاء.