مسلسل “دروس الكيمياء”.. كيف قهر الإعلام المرأة الأميركية؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

بدأت منصة “آبل تي في بلس” عرض مسلسل “دروس في الكيمياء” (Lessons in Chemistry) المقتبس عن رواية تحمل ذات الاسم للكاتبة بوني غارموس، والذي تؤدي فيه الممثلة الحائزة على جائزة الأوسكار بري لارسون دور البطولة، إلى جانب كل من لويس بولمان وأجا نعومي كنغ.

يمتد المسلسل الذي تخرجه سارة أدينا سميث لـ8 حلقات، ويعيد المشاهد إلى خمسينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة، لكن بصورة مختلفة عما قدمته السينما والتلفزيون من قبل، إذ يعيد النظر في بعض المسلمات حول وضع النساء في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

تاريخ مختلف لنساء أميركا

تدور أحداث مسلسل “دروس في الكيمياء” في خمسينيات القرن الـ20، عندما نتعرف على إليزابيث زوت (بري لارسون) وهي مساعدة معمل في أحد معاهد الكيمياء العريقة، وهي وظيفة أقل بكثير من إمكانياتها، لكنها الوحيدة المناسبة لامرأة في ذلك الزمن الذي استحوذ فيه الرجال البيض على الوظائف العلمية المرموقة.

تعمل البطلة في أمسياتها على أبحاثها العلمية الخاصة، ثم تطهو وجبات، تعدها بدقة كما لو أنها كانت تجارب علمية، فيكتشف العالم الفذ كالفن إيفانز موهبتها، ويقرر تحدي القواعد، ويصر على عملها كباحثة مساعدة له، رغم أنها كانت في الحقيقة شريكة في البحث.

يواجه البحث العديد من العراقيل، فتجد زوت نفسها وحيدة في هذا العالم، بلا وظيفة ثابتة، ومع ابنة وبدون عائلة تدعمها ماديا وعاطفيا، ويأتيها الحل على طبق من ذهب بعد 7 سنوات من الشقاء، عندما يعرض عليها منتج تلفزيوني تقديم برنامج للطهي بأسلوبها الخاص، الذي يمزج إعداد الطعام بالدقة الكيميائية، وخلاله تصبح إليزابيث طاهية محترفة ومحبوبة لدى المشاهدات، وداعمة للكثيرات منهن.

ويحاول “دروس في الكيمياء” أن يعكس التعمية التي قام بها الإعلام الأميركي بكل الطرق لتنميط أدوار النساء بعد الحرب العالمية الثانية؛ فخلال تلك الحرب -ونتيجة لغياب الرجال- خرجت النساء من المنازل للعمل في وظائف مختلفة، ومنها المصانع الحربية لصناعة الأسلحة الضرورية، لكن بعودة الرجال بدأت حملة واسعة لإعادة النسوة إلى المنازل.

وترافقت تلك الحملة مع ظهور التلفزيون الذي اقتحم ملايين المنازل، فظهرت الإعلانات والمسلسلات والبرامج التي تروج لصورة ربة المنزل المثالية – حسب وجهة النظر الأميركية في تلك الفترة-، والتي يجب أن تكون ممشوقة القامة وجميلة وبارعة في إعداد الطعام لعائلتها.

وحتى اليوم، تصر كثير من الأعمال السينمائية والتلفزيونية التي تتناول حقبة خمسينيات القرن الماضي، على إظهار النساء الحقبة بذات الصورة النمطية، بينما يظهر مسلسل “دروس في الكيمياء” صنفا آخر من النسوة، مثل إليزابيث التي تتحالف ضدها الظروف والتمييز، لتفقد وظيفتها، فتجد سبيلا آخر.

أما الشخصية النسائية الأخرى التي ربما تفوقها قوة، فتتمثل بجارتها هارييت ذات الأصول الأفريقية، وهي زوجة وأم وضعت مسيرتها المهنية جانبا لسنوات، حتى وصلت بأولادها إلى بر الأمان، وعاد زوجها من الحرب، وامتهنت المحاماة التي كانت حكرا على الرجال البيض في تلك الفترة، ثم ناضلت ضمن حركة الحقوق المدنية لوقف الفصل العنصري ضد السود.

الدراما التاريخية

ينتمي “دروس في الكيمياء” إلى فئة الدراما التاريخية وهو نوع فني يقدم -كما هو واضح من اسمه-، أعمالا سينمائية أو تلفزيونية تعود أحداثها إلى حقب زمنية سابقة، في محاولة لمحاكاة طرق العيش السائدة في ذلك الزمن، وبالتالي يستلزم هذا النوع من الأعمال تفاصيل بصرية تعكس روح الفترة، مثل الملابس والإكسسوار وتصفيفات الشعر والمكياج والديكور.

كما يعد المسلسل من الأعمال الأصلية لمنصة “آبل تي في بلس”، وهي أعمال تتميز ببعض السمات المتكررة، مثل استخدام أشهر النجوم، والاهتمام بالجوانب البصرية، والقصص التي تمس الحاضر حتى لو كانت شديدة الخيال أو تعود للماضي، ومن الأمثلة على ذلك “نظر” (See)، و”البرنامج الصباحي” (The Morning Show).

وعلى غرار ما سبقه من أعمال، ركز “دروس في الكيمياء” على تقديم تجربة بصرية مميزة، فحاكت الأزياء ما ارتدته نساء تلك الفترة، بل اُستخدمت الملابس كوسيلة لإبراز تميز الشخصية عن محيطها، مثل اختيارها ارتداء السراويل في بعض حلقاتها التلفزيونية، وقد كان ذلك غير شائع ومعادٍ للصورة النمطية السائدة. أيضا، تغيرت طريقة تصفيف البطلة لشعرها تبعا لوضعها الاقتصادي والعملي، بين الشعر المصفف بإحكام، حتى لا يعيقها خلال عملها في المعهد، ثم الفوضوي وهي أم جديدة تعتني بوليدتها، حتى تصل إلى الشعر المعتنى به على أيدي المحترفين عندما تعمل في التلفاز.

كذلك يعكس المسلسل طبيعة البرامج التلفزيونية المقدمة في الخمسينيات، خصوصا الطهي، والتي اعتمدت على نساء عاديات ماهرات في الطبخ، مثل جوليا تشايلد على سبيل المثال، لا على طهاة محترفين كما هو سائد حالياً.

ورغم الاهتمام بالجانب البصري والقضايا التي تناولتها رواية بوني غارموس، فإن بعض العيوب شابت سيناريو المسلسل، على رأسها اعتماده على الصدف بشكل متكرر لتغيير حياة البطلة، وتطور بعض الشخصيات بشكل لم يمهد له بما فيه الكفاية، مثل زميلتها في المعهد فراني المتمسكة بالشكل التقليدي للمرأة، والتي تغيرت مبادئها بصورة مفاجئة لاحقا لتصبح معاونة لإليزابيث في عملها الجديد.

لكن أكبر عيوب “دروس في الكيمياء” يكمن في الانطباع الذي يعطيه على طول حلقاته أنه عمل فني يحمل أفكاره على كفه ويقدمها بشكل مباشر للمشاهد، كما تقدمها إليزابيث في البرنامج الخاص بها.

حصل “دروس في الكيمياء” على تقييم 84% على موقع “روتن توماتوز” النقدي، ومدحه النقاد لتناوله عدة مواضيع مهمة، ولأداء بري لارسون المميز للشخصية المعقدة.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *