محاولة أولية.. في فلسفة القانون وفي أخلاقه القرآنية

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 17 دقيقة للقراءة

لم يكن بالوسع فهم العلاقة الوطيدة بين الإسلام دينًا خاتمًا وسياسة كونية للإنسانية من دون فهم ما أعنيه بما أطلقت عليه اسم: “الدولة المجردة” التي هي كونية بالجوهر؛ بمعنى أنه لا يمكن تصور جماعة ليس لها في رؤيتها للعالم الحاجة إلى منظومة مؤسسات ترعى شروط وجودِها وبقائِها المادية والروحية أولًا، وتعينها بما تستطيع تحقيقه منها باعتبارها مثالًا أعلى تكلف به طوعًا أو كرهًا من يؤدون وظيفة القيمين على وظائفها التي تكلف بها هذه المؤسسات ثانيًا.

وإذن مثال الدولة المجردة مرتسمة في كيان الجماعة والفرد والإنسانية عامة:

  • فهي مرتسمة في كيان الإنسان المادي الذي لا تسد حاجاته العضوية من دون الجماعة الضامنة لشروط وجوده أولًا، وبقائه ثانيًا استمدادًا لها من الطبيعة.
  • وهي مرتسمة في كيان الإنسان الروحي الذي لا تسد حاجاته الخُلقية من دون الجماعة الضامنة لشروط قيمِه الروحية وجودًا أولًا، وبقائِها ثانيًا، استمدادًا لها من التاريخ.

وكلا بُعدَي كيان الإنسان فردًا وجماعة مرتسمٌ – في بدنه والجغرافيا وفي وعيه والتاريخ – نوعان من الارتسام:

  • ارتسام كوني، هو السرمدي من شروط وجود الإنسان وبقائه العضوي والروحي من حيث هو مستعمرٌ في الأرض ومستخلفٌ فيها، له وعي بمثالها الأعلى، سواء كان هذا الوعي دينيًا أو طبيعيًا، وذلك هو أصل كل الحاجة إلى الأديان الطبيعية أولًا، والمنزّلة ثانيًا.
  • وارتسام عيني، هو التاريخي من شروط وجود الإنسان وبقائه العضوي والروحي من حيث سعيه لإنجاز هذه الشروط بقدر الوسع، اقتداءً بمثالها الأعلى أو جعلًا لواقع أمرها عين مثالها.

قبل الشروع في دراسة العلاقة بين الفقه والقانون والتناظرات بين مقوماتهما التي سأشير إليها لاحقاً، أبدأ بتنبيه استطرادي أذكّر فيه بموقفي مما يسمى علم المقاصد المبني على موقفين، كلاهما منافٍ لأساس الشريعة عامة، وأساس مرجعيتها العقدية خاصة: (مرجعية التشريع إرادة الله)، وحتى لأساس القانون الوضعي عامة وأساس مرجعيته العقدية خاصة: (مرجعية التشريع “إرادة” الطبيعة الإنسانية).

ومن ثم فالتشريع الوضعي لا يستثني حاجته لمبدأ يتعالى على إرادة الإنسان أي إنه لا يرد لإرادته لإرادة الإنسان من دون مرجعية متعالية عليه ينسبها إلى الطبيعة التي تناظر نسبة التشريع الفقهي إلى إرادة الشارع الإلهي. فهو أولًا يبدو وكأنه يرد الأساس الأول إلى الأساس الثاني. فيجعل تشريع الله مثل تشريع الإنسان، وينفي عنه السرمدية، ويضفي عليه التاريخية الخالصة. لكن حتى القانون الوضعي لا يفعل ذلك، فهو لا يرد مرجعيته الطبيعية إلى التاريخية، وإلا لكان الإنسان مشرعًا للطبيعة خلطًا بينها في ذاتها وبين ما يعلمه منها.

  1. فلا يمكن أن يكون ما في الشرع من سرمدي منقوصًا وينتظر المقاصديين لتطويره، إذا كان الشرع معبرًا عن إرادة أحكم الحاكمين الذي لا تخفى عنه خافية، فيكون له الحكم النهائي على سلوك الإنسان.
  2. ولا يمكن أن يكون من يسعى لاستكماله ألا يكون الشرع مردودًا إلى التاريخي من القانون دون أن ينفي الغيب، فيدعي العلم الإنساني مطلقًا ومحيطًا بما في الوجود كله منه، ومن ثم رد الوجود إلى الشاهد دون سواه.

لذلك فقد يستغرب القارئ إشارتي إلى رفضي الكلام في مقاصد الشريعة كما يفهمها أصحابها ممن يجعلونها وسيلة لاستكمال نصوصها؛ استنادًا إلى تأويل يجعلها بحاجة إلى استكمال؛ ظنًا أنها تتطور تاريخيًا مثلها مثل القانون الوضعي، وليس ما في أي قانون من ثوابت لا تتغير، لكونها شريعة ربانية مشتركة بين القانون الوضعي والقانون الشرعي.

لذلك فإن مقاصد الشريعة المتجاوزة للمشترك بين ما يتجاوز التاريخي في القانون سواء كان وضعيًا (عقليًا) أو إلهيًا (نقليًا) ليست مما يشتركان فيه، بل ما في القانون الوضعي من تحريف للقانون الإلهي الذي يتضمن الكوني في شروط قيام الإنسان من حيث هو مستعمر في الأرض بقيم الاستخلاف فيها في الشريعة، وبتحريفها في القانون الوضعي الذي يجعل الإنسان كذبًا مشرعًا دون تمييز بين السرمدي في كل تشريع، وخلطه بالتاريخي في التشريعات النافية للسرمدي فيه. وذلك ما يعنيه القرآن بالتحريف الذي يشوب الأديان السماوية والتي خصص لها القرآن منهج التصديق والهيمنة لتخليصها منه.

ما هي السرمديات التي يمكن أن تعد مقاصد غيبية في كل قانون وضعيًا كان أو دينيًا؟ إنها ما يسمى خطأ بالمقاصد الضرورية الخمسة الكونية، أي إنها تصدق على كل جماعة؛ لأنها من شروط القيام العضوي والروحي للفرد والجماعة. وترتيبها القانوني في الشريعة الإسلامية من حكمها الأشد إلى حكمها الأضعف في رؤية الفضاء المحقق للعدل في التبادل والصدق في التواصل من حيث هو مستعمرٌ في الأرض ومستخلفٌ فيها:

  1. فالسرمدي الأول: هو حق الملكية؛ لأنها شرط إرادة الفرد الحرة -أي الاستقلال النسبي عن الجماعة من حيث وجوده وبقاؤه- وهي أساس التساخر الذي يجعل كل فرد في الجماعة خادمًا لها ومخدومًا منها في سد الحاجات المشروطة في بقائه حيًا وذا مناعة عضوية.
  2. والسرمدي الثاني: هو النسل شرط التكاثر والبقاء؛ لأنه شرط إرادة الجماعة وأساس وجودها وبقائها لحمة بين الأفراد؛ لتكوين الجماعة وتواصلها في الزمان، بحيث إن الثاني شارط للأول ومشروطٌ به. فأقل الشارطية زوجية إنتاج الفرد وعلة المشروطية كون الفرد الإنساني يحتاج لمدة طويلة ليصبح مستقلًا عن الجماعة، وتلك هي علة وجود الأسرة بكل درجاتها من الزوجية إلى الجماعية إلى الكونية.
  3. والسرمدي الثالث: هو كرامة الأفراد في الجماعة والجماعة في الجماعات. وذلك هو قلب معادلة المقومات السرمدية السابقين عليها واللاحقين لها. فالوعي بالكرامة في كل تشريع سماويًا كان أو وضعيًا، هو المحرك الفعلي لحرية الإرادة، وتتجلى في الأول، والثاني، تعبيرًا عن حفظ الكرامة والسعي للتحرر من العبودية.
  4. والسرمدي الرابع: المرجعية الغيبية المتعالية على الأمر الواقع المحددة للأمر الواجب فيها جميعًا سواء في الأديان أو في اللاأديان، أي في الله وفي الطبيعة. ومعنى ذلك أن الفرق بين المؤمنين بالأديان السماوية، وغير المؤمن بها سواء كان وثنيًا أو ملحدًا هو تأليه الطبيعة وليس نفيًا لتعليل متعالٍ على إرادة الإنسان. وإذا كان التأليه يولي للطبيعة ما يوليه الدين المنزّل لله، فإنه لا يوجد إنسان بدون مرجعية متعالية.
  5. والسرمدي الأخير: هو ما جُهز به الإنسان من عقل يعمل بإدراك قد يكون ذا حكمة راجحة أو مرجوحة؛ لحماية ذاته فردًا وجماعةً. وذلك هو الاجتهاد المحقق لأدوات الجهاد من أجل المحافظة على هذه السرمديات في وجوده وبقائه. والمحافظة على السرمديات هي أصل الغايات مثلما أن العقل هو أصل أداة الأدوات.

فيكون النظام القانوني بنوعَيه، من حيث السرمدي فيه، مرسومًا في كيان الإنسان من حيث هو مستعمر في الأرض بحاجة إلى نظام سد الحاجات المادية، ومن حيث هو مستخلفٌ فيها بحاجة إلى نظام سد الحاجات الروحية. ومجموعهما هو الدولة الكونية الملازمة للإنسانية، وهي الدولة المجردة التي تتعين في أنظمة التربية والحكم خلال تاريخ الإنسانية:

وتكون الغايات المتعددة هي الاستعمار في الأرض، وهي ثمرة المحافظة على السرمديات التي هي أصل كل الغايات المادية، أي التي لا بدّ منها لسد الحاجات المادية لقيام الإنسان العضوي، وقد سماها ابن خلدون: “العمران البشري” في عنوان المقدمة، أو التنازل، أي المشاركة في المنزل لسدّ الحاجات المادية في الرعاية والحماية. وذلك هو جوهر الرعاية تكوينًا وتموينًا للإنسان، وقد جهّز الإنسان بما يمكنه من ذلك هو البحث العلمي ومراكمة التجارب وتوارثها في التاريخ الإنساني.

وتكون الأدوات المتعددة هي الاستخلاف في الأرض، وهي ثمرة المحافظة على السرمديات التي هي أصل كل الغايات الروحية أي التي لا بد منها لسد الحاجات الروحية. وقد سماها ابن خلدون: “الاجتماع الإنساني” في عنوان المقدمة أي التنازل، بمعنى أي المشاركة في المنزل من أجل الأنس بالعشير. وذلك هو جوهر الحماية داخليًا وخارجيًا، وقد جهز الإنسان بما يمكنه من ذلك أي البحث الاستعلامي ومراكمة التجارب وتوارثها في التاريخ الإنساني.

ذلك أنه لا يمكن للأنس أن يحصل من دون أمن، أي من دون حيازة شروط القيام العضوي شرط المناعة العضوية، وحيازة شروط القيام الروحي، شرط الحصانة الروحية. وبذلك يتضح معنى الاسم المضاعف الذي سمى به ابن خلدون ثورة المقدمة. فالاسم يسمي نوعي المقومات السرمدية الواحدة في كل الجماعات البشرية مهما تنوعت تعيناتها التاريخية.

  •  فلا بد من تحقيق شروط العمران البشري، شرط وجود.
  • ولا بد من تحقيق شروط الاجتماع الإنساني، شرط بقاء.

وإذن فكل جماعة ذات دستور سياسي مثالي هو نموذج دولتها سواء تعينت في العادات والتقاليد والعرف دون صوغ دستوري صريح، أو صاغتها في دستور صريح:

  • “العمران البشري للوجود أولًا.
  • والاجتماع الإنساني للبقاء ثانيًا”.

وذلك هو مجال القانون والفقه على حد سواء في كل الجماعات البشرية. وهذه المقومات الضرورية لقيام الإنسان عضويًا وروحيًا، كما هي مشروطة في مصدر المقومات، مشروطة كذلك في كيان القائم بفضلها؛ أي الإنسان الذي ينبغي أن يكون قد جهز بما يمكنه من تحقيقها. وهذا الجهاز مضاعف فهو:

  • الإرادة الحرة، شرط وجود.
  • الحكمة الراجحة، شرط بقاء.

ومن ثم فحرية الإرادة والتكليف والمسؤولية، هي جوهر ما يسمى خطأ مقاصد؛ لأن مقاصد الخالق أو الطبيعة بوصفهما مرجعيتين، مؤمنة وملحدة، ليست معلومة فيما يتجاوز الشروط السرمدية لقيام الإنسان العضوي والروحي في المشهود من الوجود.

فالسرمدي في القانون والفقه هو ما لا يمكن للإنسان أن يوجد من دونه أولًا، وأن يبقى ثانيًا. وذلك هو معنى شروط الاستعمار في الأرض (التي يستمد منها مقومات حياته) بقيم الاستخلاف فيها (التي يستمد منها مقومات نظامها السوي).

وذلك جوهر المعلوم منه؛ لأنّ التكليف دليل على وجود الإرادة الحرّة قبل التكليف والمسؤولية دليل على بقاء التكليف بعدها. فتكون الإرادة الحرة متضمنة للتكليف المسؤول. وذلك ما يجعلها عين قلب المخمس الذي يسميه المقاصديون بشرط فهمها السرمدي الذي لا يمكن أن يتغير لأنها ممثلة لثوابت كل تشريع غير محرف لمرجعيته التي هي أخلاق تعامله:

  •  في التبادل العادل؛ لأن نقيض العدل هو الظلم الذي يمثل أصل كل النزاعات البشرية حول شروط الوجود سواء كن ظلمًا فعليًا أو حتى متوهمًا.
  • والتواصل الصادق؛ لأن نقيض الصدق هو الخداع الذي يمثل أصل النزاعات البشرية حول شروط البقاء سواء كان خداعًا فعليًا أو حتى متوهمًا.

ومن ثم فالنزاعات بين البشر مدارها كله ذو علاقة بشروط القيام العضوي، وهو النوع المتعلق بالتبادل؛ بسبب تقاسم العمل في الجماعة والتساخر في العمل الذي يترتب عليه وبشروط القيام الروحي، وهو النوع المتعلق بالتواصل بسبب تقاسم النظر في الجماعة، والتساخر في النظر الذي يترتب عليه.

ولما كان هذا السرمدي في العمل وفي النظر، كلاهما لا ينتج عن معرفة عملية أو نظرية مطلقة ومحيطة، فهو من ثم مفهوم مجرد مختلف عن تعيناته التاريخية التي نتعامل معها تعاملًا يقتضي التمييز بين الغاية المثالية والواقع النسبي، وهو ما يقتضي وجود النظام الممكن من العمل الذي يقتضي أن يكون سعيًا دائمًا نحو الغاية، وتلك هي تاريخيته، ومثله العلم فيقتضي أن تكون قيم العمل وقيم العلمية نسبية التحقق وتاريخيته ومتعالية الحقيقة وسرمديته.

فيتحدد بذلك معنى التكليف؛ ما المسؤولية وحدود حرية الإرادة ورجاحة الحكمة، وهو جوهر العبادة في الإسلام؛ لأنها لا تقتصر على الشعائر التعبدية التي هي من علاماتها وليست إياها. وإذا كان اللجوء للخرافة المقاصد حلًا لما يريد استكماله من التشريع المظنون تاريخيًا فالعلة مضاعفة:

  • أولًا: السعي للتخلص من الأحكام التي تبدو غير مناسبة للعصر الحديث وهذا علته الخلط بين الحكم ومقدار العقوبة في الأحكام الفقهية.
  • ثانيًا: السعي لإضافة ما يظن ناقصًا في التشريعات في نظام الأسرة مثلًا أو الميراث الذي يبدو غير مناسب للعصر.
  • ثالثًا: فيكون المشكل كله في محاولة إخضاع الشريعة للتاريخ وتقريبها من القانون الذي يظن تاريخيًا من حيث مرجعيته وليس من حيث تعيناتها.
  • رابعًا: ومن ثم فالمقاصدية تريد رد المرجعية الدينية إلى تاريخية التعينات في القانون الوضعي للغفلة عن الفرق بين السرمديات والتاريخيات فيها وحتى في القانون الوضعي.
  • وخامسًا وأخيرًا: فالعلة في هذه الإغفال هي توهم العلم محيطًا (مسألة إبستمولوجية) والعمل تامًا (مسألة أكسيولوجية) بحيث لا توجد مسافة بين واقع الأمر وواجبه في المنظور الإنساني لحدود علمه إبستمولوجيًا وعمله أسكيولوجًيا:
  •  فيترتب على ذلك إبستمولوجيا رد الحقيقة إلى ما ندركه منها توهمًا لوجود علم محيط يتطابق فيه علمنا مع الوجود في ذاته.
  • ويترتب على ذلك أكسيولوجيا رد الحق إلى ما نعمله منه به منه توهمًا لوجود عمل تام يتطابق فيه المنشود مع الوجود في ذاته.

لكنّ الديني واللاديني كلاهما بات يميز في كل شيء بين واقع الأمر منه وواجبه في الحقيقة وفي الحق. فلا العلم محيط ولا العمل تام. والاعتراف بعدم الإحاطة في النظر وعدم التمام في العمل هو الموقف الوحيد الذي يجعل العلم اجتهادًا لا متناهيًا والعمل جهادًا لامتناهيًا، والأول سعي دائم لطلب الحقيقة، والثاني سعي دائم لطلب الحق.

ولهذه العلة فالتسليم بالسرمدية مثاًلا أعلى يستمد منه نموذج التاريخي، هي في آن أساس الأخلاق التي هي مرجعية القانون سواء كان دينيًا أو وضعيًا أعني شروط وجود الإنسان فردًا وجماعة وبقائهما والعيش المشترك بين البشر شرط التساخر؛ أي تقاسم العلم والعمل الضروري للرعاية والحماية، وبهذا المعنى فرجاحة العقل أداة، وصلابة الإرادة غاية. ومن هنا كان حرص التربية القرآنية على الحفاظ على البأس الذي يفسد غيابه معاني الإنسانية؛ أي القدرة على رعاية الذات وحمايتها في الرؤية القرآنية، كما فسرها ابن خلدون في التمييز بين نوعي التربية والحكم المحررين من العبودية لغير الله.

وهكذا فلا يمكن الكلام على القانون والفقه من دون تحديد طبيعة الحاجة الكونية إليهما مهما تمايزت كيفياتها العينية الظرفية، وهو القصد بالسرمدية في عالم الشهادة دون معرفة الغاية من الوجود والبقاء سواء نسبناهما إلى فعل رب خالق أو طبيعة صانعة.

وهذه الطبيعة تحددها المعادلة الوجودية التي عرفتها الآية 53 من فصلت عندما حددت آيات الآفاق وآيات الأنفس أي ما يريه الله (عند المؤمن) والطبيعة (عند الملحد) لكي تتبين له حقيقة المرجعية التي تذكره بها بالمقابلة بين الأمر الواقع في وجوده الشاهد وما يمكنه من التعالي عليه فيما يفسر به أحداثه في التاريخ الفعلي دون أن تكون منه بل هي ما وراءه الذي يعد مرجعية للأمر الواجب.

والمعادلة الوجودية هي آيات الآفاق (الطبيعة والتاريخ)، وآيات الأنفس (كيان الإنسان العضوي وكيانه الروحي أي وعيه بكيانيه وبأفقيه وبما وراءهما المتعالي عليهما) هي التي برؤيتها والسعي لفهمها يحقق الإنسان سعيه للوصل بين أمره الواقع وأمره الواجب، وذلك هو الأخلاق في الوجود الإنساني أي العمل (الجهاد) على علم (الاجتهاد). وذلك هو مضمون سورة العصر بالمقابلة بين الخسر، وشروط الخروج منه بالإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق (اجتهادًا) والتواصي بالصبر (جهادًا).

وبهذا يمكن فهم عبارة “لا ينبغي لأحد أن يحتج بالجهل بالقانون” فلا ينبغي عدها دالة على العلم بالقانون في تعينه؛ لأن ذلك لو كان كذلك لكان يعني الاستغناء عن الحاجة إلى المحامين والقضاة. المعنى العميق هو التمييز بين السرمدي منه والتاريخي. فالأول يتعلق بالعدل في التبادل والصدق في التواصل من حيث المبدأ، والثاني يتعلق بالنظام التاريخي الذي يضبط تعين تطبيقهما في حدود الإمكان؛ لأن مبدأي العدل والصدق كلاهما منتسب إلى السرمدية في القانون من حيث هو مثال أعلى يضفي الشرعية على الأحكام القضائية، بما فيه التطبيق من سعي إليهما، والقرب منهما.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *