يشير العديد من المتخصصين في مجال الترفيه إلى السينما على أنها “فن صناعة الأفلام”، لأن العناصر الجمالية للمجال تمنح صانعي الأفلام منفذًا واسعًا لأفكارهم، وتمكنهم من ممارسة إبداعهم من خلال كتابة السيناريو والإخراج، كما يمكن للمبدعين التعبير عن أنفسهم وتمثيل تجارب مختلفة اجتماعيا وثقافيا، وسردها على نطاق واسع ومؤثر.
نتعرف في هذا التقرير على إجابة 5 من كبار المخرجين عن سؤال “لماذا نصنع الأفلام؟”.
كوبولا والمخاطرة قبل الموت
فرانسيس فورد كوبولا مخرج ومنتج أفلام وكاتب سيناريو أميركي من أصول إيطالية حصل على جائزة الأوسكار 5 مرات. يعتبر أحد الشخصيات الرائدة في حركة أفلام هوليود الجديدة في الستينيات والسبعينيات وهو واحد أعظم المخرجين في تاريخ السينما على الإطلاق.
يقول كوبولا إن السينما بدأت في العالم كتجربة جميلة، ولكن بعد أعوام تحولت إلى صناعة تجارية تهدف لكسب المال دون مخاطرة، ولكن دون مخاطرة لا يمكن صناعة فن جميل لم يسبق صنعه من قبل. لم يخش كوبولا أبدا من المخاطرة، وكانت لديه فلسفة حول المخاطرة تتلخص في أن المخاطرة قبل الموت أفضل من الندم على عدم المخاطرة.
يرى كوبولا أن المخاطرة ليست في صناعة الأفلام التجارية الآمنة، ولكنها في صناعة الأفلام الفنية، والتي يخاطر المخرج فيها بالممثلين والكتاب والمنتجين وبالطبع يخاطر بالأفكار، لذا يؤكد أنه يجب على المخرج اكتشاف موضوع الفيلم في جملة جوهرية واضحة تساعده على اتخاذ القرارات الصعبة والبسيطة في الفيلم.
ويضرب مثلا بهل تريد البطل بشعر طويل أم قصير، بلحية أم دون، ماذا يرتدي بالتحديد؟ يمكن اختيار كل تلك التفاصيل تبعا لجوهر الفيلم ومعرفة موضوعه، الأمر الذي يساعد المخرج دائما ويسهّل مهمته عندما لا يكون متأكدا من المسلك الذي يجب عليه اتخاذه.
ستيفن سبيلبرغ يحكي اغترابه في أفلامه
ستيفن آلان سبيلبرغ مخرج أفلام ومنتج وكاتب سيناريو أميركي، وهو شخصية مؤثرة في عصر هوليود الجديدة ورائد الأفلام الحديثة الرائجة، وهو المخرج الأكثر نجاحا تجاريا في التاريخ، حاز على جائزة الأوسكار مرتين.
يقول سبيلبرغ عن سبب صنعه للأفلام إن مخيلته لا تنطفئ، وطاقته لصنع الأفلام لا تنفد أبدا، وكلما كبر في العمر نظر إلى الأفلام باعتبارها معجزة مؤثرة، وهو يبذل قصارى جهده لتقديم قصص جيدة.
استخدم سبيلبرغ الأفلام للتعامل مع واقعه الشخصي وصدماته الخاصة، ويظهر ذلك في فيلم “آل فيبلمان” The Fabelmans) 2022)، الذي قدّم من خلاله سيرته الذاتية ولذا كان بالطبع فيلما عن الأفلام.
نجد في أغلب أفلام سبيلبرغ قصة ظاهرة للمشاهد منذ البداية، بالإضافة إلى أفكار تتضمنها الأفلام بطرق غير مباشرة، مثل الخوف من المجهول في فيلم “الفكين” (Jaws)، ومثل الرغبة في السيطرة والطموح البشري اللامحدود والرغبة في الانتقام في الحديقة الجوراسية.
وترجع كل هذه الأفكار في النهاية إلى حياة سبيلبرغ الشخصية ونشأته في أسرة مفككة وشعوره دائما بالاغتراب وعدم الانتماء، ما أثر على أفكاره وبالتالي على أفلامه.
سكورسيزي وذكريات حياته
مارتن سكورسيزي، مخرج أفلام ومنتج وكاتب سيناريو وممثل أميركي. يعد من أشهر المخرجين في هوليود. حاصل على جائزة أفضل مخرج في مهرجان الأوسكار عن فيلم “المغادر” (The Departed)، وقد رشح لهذه الجائزة 5 مرات. وأشهر أفلامه: سائق التاكسي الذي فاز عنه بجائزة “سعفة كان” الذهبية في مهرجان “كان” السينمائي عام 1976.
يحكي سكورسيزي إن لديه دائما رغبة في سرد القصص، رغبة لا تنتهي أبدا. ولد سكورسيزي في منطقة ليتل إيتالي بمانهاتن، في خمسينيات القرن الماضي، وكان طفلا صغيرا مريضا وضعيفا، لم يعتد الأنشطة الجماعية مثل لعب كرة القدم في الشارع أو الاشتباك مع رفاقه. عاش وسط ثقافة الطبقة العاملة الإيطالية الأميركية التي كانت منغلقة على نفسها ولا تقبل التغيير.
اعتاد والده أن يأخذه للسينما والمسرح في طفولته، حتى أنه غيّر أفكاره بعدما كان يعتزم أن يصبح كاهنا كاثوليكيا، ليقرر أن يتجه نحو صناعة الأفلام لتأثره بأفلام هيتشكوك وإيليا كازان وستانلي كوبريك.
التحق سكورسيزي بمدرسة السينما بجامعة نيويورك وأصبح مدرسا للسينما أولا ثم مخرجا في نهاية الأمر. تعامل سكورسيزي مع كل فيلم من أفلامه على أنه صراع داخلي، حيث تخبره الكنيسة أن الناس طيبون، لكن واقعه يخبره عكس ذلك، لذا فقد أراد أن تشعر الشخصيات الرئيسية في أفلامه بذلك التمزق العميق الذي شعر به دائما.
بيدرو ألمودوفار: السينما هي حياتي
يذكر المخرج والسيناريست الإسباني بيدرو ألمودوفار أن طموحه الأول كان أن يصبح كاتبا، لكنه اكتشف أن موهبته الأكبر هي رواية القصص عن طريق الصورة، وعندما اكتشف صناعة الأفلام كوسيلة لسرد القصص، شعر وكأنه اكتشف شيئا من طبيعته.
وعندما كان ألمودوفار في التاسعة أرسله والده إلى مدرسة داخلية كاثوليكية، وكان يتمتع بصوت جميل وأعجب الكهنة به، لكنه كره التعليم السلطوي وبحث عن عالم أكثر حرية لينتمي له، وكانت السينما هي ذلك العالم الجديد.
أصبح هو وأخوه أوغسطين الذي يصغره بـ7 سنوات من رواد السينما الدائمين. شاهد ألمودوفار أفلام لويس بونويل وأفلام بيرجمان، واستكشف من خلال السينما عوالم غريبة غير معتادة، ما جعله يشعر بقوة المعرفة.
أدرك مع الوقت أنه لا يريد مشاهدة الأفلام فحسب، بل يريد صناعتها أيضا، وعندما أصبح في السابعة عشرة، عاد من المدرسة الكاثوليكية، وأخبر والديه أنه سينتقل إلى مدريد. وعند وصوله إلى العاصمة عمل في وظائف مختلفة ولعب أدوارا ثانوية في السينما، وفي عام 1969 بدأ كتابة سيناريو أول فيلم طويل له.
كريستوفر نولان يتوحد مع الأفلام
كريستوفر نولان، مخرج ومنتج أفلام وكاتب سيناريو بريطاني أميركي. في رصيده العديد من الأفلام التي حققت نجاحا تجاريا ونقديا كبيرا في أوائل القرن الحادي والعشرين. وأرباح أفلامه العشرة تجاوزت 4.7 مليارات دولار أميركي عالميا وحصلت على ما مجموعه 26 ترشيحا لجوائز الأوسكار.
بالنسبة لنولان فإن الأفلام هي شيء ذاتي تماما، عما يحبه وما لايحبه، لأنه كان مولعا بالتصوير وصناعة الأفلام منذ طفولته. بالنسبة له ما يهمه في الفيلم أن يشعر بالتوحد معه.
يقول “أريد أن أشعر أن الأشخاص الذين صنعوا هذا الفيلم يعتقدون أنه أفضل فيلم في العالم، ووضعوا فيه كل ما لديهم، أريد أن أتوحد مع الفيلم”. هذا الإخلاص الذي يرغب فيه نولان هو المبدأ الذي يتبناه عند صناعة أفلامه، في كل مرة يقرر مشروعا جديدا فإنه يحاول صنع الأفلام التي يؤمن بها بشدة، ويريد مشاهدتها كواحد من الجمهور.
لا يفرق نولان بين صناعة فيلم قصير أو طويل، هو يحب صناعة الأفلام ويجدها متعة كبيرة، لكن يرى أنه من الأسهل تنظيم وإدارة الموارد الخاصة بالأفلام القصيرة.