من جديد تبدو لعبة توقعات الفائز بجائزة نوبل صعبة للغاية على محرري الصفحات الثقافية، فهي مجازفة أو مخاطرة للتنبؤ بتفضيلات جائزة لا تخضع بالضرورة لمعايير أدبية وفنية، ولم يحصل عليها مثلا الثلاثي الروسي الكبير ليو تولستوي ومكسيم غوركي وأنطوان تشيخوف، ولا الفرنسي التشيكي ميلان كونديرا ولا الأيرلندي جيمس جويس ولا الإنجليزية فيرجينيا وولف، وغيرهم من الكتاب الكبار في الشرق والغرب، إذ تختلط بحسابات الجائزة الأدبية توجهات سياسية وحسابات جغرافية وأغراض العلاقات العامة، كما يقول نقاد كثر عن الجائزة الأشهر والأكثر انتقادا على حد سواء.
لكن الجزيرة نت نجحت ثلاث مرات في تلك اللعبة المحفوفة بالمخاطر، وذلك بأن توقعت في 2023 -ضمن عدد من الأسماء- فوز الأديب النرويجي يون فوسه الفائز بنوبل للآداب العام الماضي 2023، وفي العام الذي سبقه 2022 توقعت فوز الأديبة والقاصة الفرنسية آني إرنو (ضمن عدد من الأسماء كذلك)، وفي العام 2019 توقعت فوز الكاتبة البولندية أولغا توكاركوك التي فازت بالفعل في عام 2019 عن العام 2018 بعد أن أجبرت فضيحة أخلاقية الأكاديمية السويدية عن حجب الجائزة في 2018.
وبعد ساعات ينتظر أن تعلن الأكاديمية السويدية عن الفائز بالجائزة للعام الجاري 2024، ويغامر هذا الموضوع بسرد بعض الأسماء المقترحة، وستُعلن الأكاديمية السويدية غدا الخميس الساعة 11:00 بتوقيت غرينتش اسم الفائز الذي سيحصل على شيك بقيمة 11 مليون كرونة سويدية (أكثر من 1.06 مليون دولار).
أديب غير فرنسي ولا إنجليزي
يتوقّع خبراء أن يفوز أديب لا يكتب بالفرنسية أو الإنجليزية بجائزة نوبل للآداب المرموقة الخميس، والتي هيمن عليها كتاب غربيون منذ نشأتها.
ويظهر اسم الكاتبة الصينية كان تشوي (تسان شيئه) بشكل متكرر في قوائم الكتاب المفضلين لدى نقاد الأدب.
ووُلدت تشوي خلال فترة مضطربة في تاريخ الصين. تعرض والدها للاضطهاد خلال حركة مكافحة اليمين، وعانت عائلتها بشدة خلال الثورة الثقافية. أثرت هذه التجارب بشكل عميق على نظرتها للعالم وتعبيرها الأدبي.
وتتم مقارنة هذه الكاتبة الطليعية بكافكا، بسبب الجو غير الواقعي والقاتم في رواياتها وقصصها القصيرة، كما أن أسلوبها التجريبي يتأرجح بين اليوتوبيا والديستوبيا ويحوّل الأحداث اليومية إلى منحى سريالي.
ويقول رئيس القسم الثقافي في صحيفة “داغنز نيهيتر” السويدية بيورن فيمان إن اختيار الفائز هذه السنة “سيكون مخالفا لتوقعات النخبة الثقافية”.
والوضع مشابه إلى حد ما لما حدث عام 2021 عندما اختارت اللجنة الروائي البريطاني عبد الرزاق غورنا المولود في زنجبار في تنزانيا، والذي تمحور عمله على عذاب المنفى ومناهضة الاستعمار.
ويشير فيمان إلى أن اللجنة تحب دائما المفاجأة، متوقعا فوز روائية مكسيكية أو أرجنتينية أو كاتب من القارة الأفريقية بالجائزة هذه السنة.
ويقول “أعتقد أنها ستكون امرأة من منطقة لغوية غير أوروبية”.
لكن الصحفي يميل شخصيا إلى سلمان رشدي الذي ينظر إليه في أوساط ثقافية غربية كرمز لحرية التعبير بعد تعرضه للطعن عام 2022، في حادثة تطرّق إلى تفاصيلها في كتابه الجديد “السكين” الذي صدر في أبريل/نيسان الماضي
ويقول فيمان “لكن الأكاديمية ستُنتقد في حال اختارت رجلا مرة جديدة”.
وفي العام الماضي، مُنحت جائزة نوبل الآداب للكاتب المسرحي النروجي يون فوسه.
ومعظم الفائزين بجائزة نوبل للآداب منذ إنشائها هم أوروبيون ورجال، فمن بين 120 فائزا، لم يظفر بالجائزة سوى 17 امرأة فقط. ومن بين 16 فائزا ناطقا بالفرنسية، كاتب واحد فقط ناطق باللغة العربية هو المصري نجيب محفوظ الذي فاز بنوبل للآداب عام 1988.
وتشير الأستاذة في الأدب في جامعة ستوكهولم كارين فرانزين إلى أن “الأدب الصيني واسع جدا”، لكن ذلك لا ينعكس في تاريخ جوائز نوبل.
وتعود آخر مرة حصل فيها كاتب صيني على الجائزة إلى سنة 2012، عندما كوفئ مو يان.
وقد يكون الفوز المحدود لأسماء غير ناطقة بالإنجليزية أو الفرنسية، عائدا إلى أن أعضاء الأكاديمية يفتقرون إلى المعرفة بالأدب الأجنبي، على ما يعتبر فيكتور مالم، رئيس القسم الثقافي في صحيفة “إكسبرسن” اليومية.
ويتوقع مالم فوز الكاتبة الأميركية الأنتيغوية جامايكا كينكيد هذا العام.
ويقول “من الصعب الاعتقاد أن اسم كاتب هندي سيظهر فجأة. لا أحد في الأكاديمية يتحدث الهندية، كيف سيكونون قادرين على التعليق بمصداقية على العمل؟”، مشددا على أنّ الأعضاء “يعتمدون على نسخ مترجمة في مثل هذه الحالات”.
ودأبت الأكاديمية على استشارة خبراء في الأدب. ومنذ العام 2021، أصبح هذا النهج معتمدا بشكل تلقائي في اللغات التي لا يتقنها الأعضاء.
وتقول الصحافية الأدبية في الإذاعة العامة السويدية (إس آر) لينا كالمتيغ إن “الأمر بالتأكيد ليس كالقراءة باللغة الأصلية”.
وتوضح أنه من النادر جدا ألا تكون أعمال الكتاب المتنافسين “مُترجمة إلى السويدية”.
لماذا إذا هذا الفوز المحدود لكتّاب غير ناطقين بالإنجليزية أو الفرنسية في جائزة تُعتبر مرجعا عالميا للأدب؟
يرى الناقد الأدبي في صحيفة “أفتونبلادت” السويدية راسموس لاندستروم أن السبب يعود إلى أن الثقافة الغربية كانت تاريخيا تُعتبر أعلى شأنا.
ويضيف “كان يتم التداول بهذه الفكرة بوضوح كبير” آنذاك “لكنني لا أعتقد أن الحال لا يزال كذلك اليوم”.
ويتابع أنه مع الإعلان عن مداولات اللجنة التي تبقى سرية 50 سنة، “أدركنا أنه موضوع نوقش بشكل كبير” على مرّ العصور.
والأكاديمية اليوم في طور التعافي من أزمة طويلة بعد فضيحة تندرج في إطار الموجة النسوية “#مي_تو” (أنا أيضا) شهدها عام 2018 والضجة التي أثارها العام التالي منح جائزة نوبل للكاتب النمساوي بيتر هاندكه المعروف بتأييده التيار اليميني الصربي المتطرف منذ التسعينيات.
وترغب اللجنة في توسيع نطاق هذه الجائزة جغرافيا ولغويا.
وتقول فرانزين التي تفضّل الشاعرة الكندية آن كارسون “سيكون من المثير للاهتمام الانفتاح على منظور غير أوروبي”.
ومن جانبه، يراهن المسؤول عن القسم الثقافي في صحيفة “يوتيبورس بوستن” يوهان هيلتون، على فوز كاتب من أوروبا الوسطى أو الشرقية.
ويشير إلى أن “فرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة فازت مرات كثيرة خلال السنوات الأخيرة”. لكنه يستبعد فوز كاتب روسي، حتى لو كان منتقدا للنظام.
ويقول إنه “أمر مستحيل سياسيا، إذا فاز كاتب روسي هذا العام، فستخسر الجائزة أهميتها” ومصداقيتها.
ولا يوافقه الرأي فيكتور مالم، الذي يعتبر أن منتقدا للنظام لا يمكن للكرملين استخدامه كأداة دعائية.
على غرار كل عام، يتم التداول بأسماء مرشحين “معتادين” لجوائز نوبل، كالمجري لازلو كراسزناوركي، والروماني ميرسيا كيرتاريسكو، والكيني نغوغي واثيونغو، والأسترالي جيرالد مورنان، والياباني هاروكي موراكامي.
انتقادات
ويرى الأكاديمي الأميركي بروتون فيلدمان، في كتابه النقدي “جائزة نوبل.. تاريخ العبقرية والجدال والحظوة”، أن “الجائزة تُرى على نطاق واسع كجائزة سياسية، أي جائزة نوبل للسلام متنكرة في قناع أدبي”.
ويرى فيلدمان وغيره من نقاد الجائزة أن أعضاء اللجنة الذين يختارون الأعمال الفائزة بنوبل للآداب يتحيزون ضد المؤلفين ذوي الأذواق السياسية المختلفة عن ميولهم. ويوحي تصريح رئيس اللجنة الأخير عن توسيع المعايير بقبول ضمني لبعض النقد الموجه لها.
وفي هذا السياق، شكك الروائي والأكاديمي البريطاني تيم باركس في أن يكون أعضاء اللجنة السويديون في الغالب قادرين على تذوق الشعر الإندونيسي مثلا أو الأدب الأفريكاني، منتقدا في مقال سابق له في “نيويورك لعروض الكتب” أن يكون أعضاء الأكاديمية قادرين على تحديد أعظم الروائيين والشعراء على الساحة الدولية، ومشيرا إلى انحيازهم للثقافة الإسكندنافية، حيث فاز 16 أديبا من أصول إسكندنافية بالجائزة العالمية من أصل 113 منذ إطلاقها وحتى عام 2016.
وينظر فيلدمان وباركس وغيرهما من نقاد الجائزة إلى تاريخ طويل مما يعتبرونها انحيازات سياسية وغير أدبية للجائزة العالمية، فمن عام 1901 إلى 1912 قيّمت اللجنة السويدية برئاسة كارل ديفيد أف ورسين المحافظ الجودة الأدبية للأعمال بالنظر إلى إسهامها في نضال الإنسانية “نحو المثل الأعلى”، ومع ذلك لم يُمنح أدباء كبار مثل الروائي الروسي ليو تولستوي، والمسرحي النرويجي المثير للجدل هنريك إبسن، والروائي الأميركي الساخر مارك توين، الجائزة التي منحت في المقابل لأدباء ليسوا مقروئين في عالمنا اليوم.
حقائق نوبل للآداب
منحت جائزة نوبل للآداب 110 مرات منذ عام 1901 وحتى الآن، حيث لم تمنح 7 أعوام في ظروف الحربين العالميتين أو بسبب اتهامات بسوء السلوك الجنسي عام 2018. وفي 4 مرات اقتسم الجائزة كاتبان.
وبلغ متوسط العمر لجميع الفائزين بنوبل للآداب بين عامي 1901 و2017 حوالي 65 عاما، مما يوحي بأن الجائزة تميل للكتاب والأدباء المسنين، وبلغ عمر أصغر فائز بالجائزة (41 عاما) وهو روديارد كيبلينغ صاحب “كتاب الأدغال” الشهير، في حين نالتها دوريس ليسينغ في عمر (88 عاما).
ويعد كتاب فرنسا الأكثر تتويجا بالجائزة حيث عادت لهم 16 مرة، وكانت في عامها الأول من نصيب الفرنسي سولي برودوم، وفي المرتبة الثانية كل من الولايات المتحدة وبريطانيا بحصولهما على 12 فائزا.
وفي عام 1931 منحت جائزة نوبل في الأدب للأديب لإريك أكسيل كارلفلدت بعد وفاته. وينص النظام الأساسي لمؤسسة نوبل منذ عام 1974 على أنه لا يمكن منح جائزة نوبل لمتوفٍ.
وبينما يعتقد كثيرون أن وينستون تشرشل حصل على جائزة نوبل للسلام، لكنه حصل بالفعل على جائزة نوبل عام 1953 في الأدب، وبين عامي 1945 و1953 تم ترشيح تشرشل 21 مرة لجائزة الأدب ومرتين لجائزة نوبل للسلام.