كيف استطاع فيلم “رحلة 404” تحقيق نجاح فاق التوقعات؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

مرت 11 سنة على انطلاق “مشروع” الفيلم المصري “رحلة 404″، إذ بدأ الأمر عام 2013 حين اقتصر المشاركون بالعمل على مؤلفه ومخرجه وبطلته، قبل أن تُفاجئهم منى زكي بخبر حملها، مما تسبب في التأجيل لفترة.

تكرر التأجيل بعدها لعدة سنوات ولأسباب مختلفة، نضج خلالها صانعوه وأُعيدت كتابة الفيلم أكثر من مرة بما يتلاءم مع التغيرات التي طرأت على المجتمع المصري. ومع كل تغيير بات المنتجون يخشون المشاركة، تارة لأن الحبكة ذات فلسفة خاصة، وتارة لتعثّر الإنتاج في ظل الظروف السياسية خلال العقد الأخير، إلى أن جاء محمد حفظي وانتصر لـ”رحلة 404″، وتُحسب له الجرأة على خوض المغامرات الإنتاجية لصالح السينما العربية.

بين الغواية والغفران

يحكي الفيلم قصة غادة (منى زكي) المُثقلة بالذنوب والشعور بالذنب مما اقترفته بالماضي، لكنها تقرر التوبة والذهاب في رحلة حج، إيمانا منها بأن هذا هو الطريق الذي عليها أن تسلكه لتلقى الله وتطهّر روحها.

لم تحسب غادة حساب الاختبارات الشديدة الصعوبة التي تفرضها الحياة، إذ تعرّضت لأزمة مالية وأصبح البحث بين أشباح حياتها القديمة السبيل الوحيد للحل. تجد البطلة نفسها أمام عدة خيارات تعتمد في غالبيتها على اقتراف ذنب ترفضه، ومع ذلك تظل حتى آخر لحظة تجاهد شياطينها وشياطين الإنس من حولها على أمل عدم العودة إلى ارتكاب ما تابت عنه.

“أنا رايحة أحج بس مش ثابتة” تأتي تلك الجملة على لسان غادة بالنصف الثاني من الفيلم، بما يؤكد الحياد الذي حرص أصحاب العمل على التسلّح به وتقديم حبكة دون أحكام أو جلادين، إذ تقترف جميع الشخصيات الخطايا، كلٌ بطريقته، حتى العلاقات التي قد نظنها مقدسة أو يُفترض بها الإيثار والتضحية تظهر ملوثة ومفخخة.

ورغم أن غادة الوحيدة التي تابت بوضوح وبدت الأكثر تمسكا بالشعرة التي تفصلها عن استحقاق غضب الله، فإن الشخصيات الأخرى حاربت ضد طواحينها الخاصة، وبقي شعورها بالذنب مُتقدا على الدوام.

وهنا تأتي براعة الحكاية، إذ يجد المشاهد نفسه مجبرا أن يرى بعين لا تعرف القسوة، لأنه يدرك جيدا كم يخطئ أحيانا، وجميعنا نتعشّم أن يمنحنا الله قبسا من نور هدايته وفيضا من عفوه وغفرانه.

الانتصار للدراما

ليست القصة وحدها سر نجاح “رحلة 404″، إذ امتلك العمل مقومات فنية أخرى ساعدت على تميزه، أهمها مستوى التمثيل الذي قدمه الأبطال، على رأسهم منى زكي التي باتت موهبتها أكبر من أن يتم تجاهلها أو إرجاعها إلى ضربة حظ، يليها محمد فراج ومحمد ممدوح على قلة مشاهدهم.

كذلك نجح خالد الصاوي بالخروج من عباءة الاستسهال والتكرار التي اشتهر بها مؤخرا، أما شيرين رضا فرغم أنها لم تقدم دورا جديدا، لكنها لعبته بهدوء ناضج، كذلك استطاع كل من حسن العدل وعارفة عبد الرسول وسماء إبراهيم لفت الأنظار خلال المشاهد التي ظهروا بها.

الحوار أيضا كان عاملا رئيسيا في نجاح الفيلم، فمن جهة اتسم بالسلاسة والعفوية، ومن جهة أخرى كان ملائما للشخصيات والانفعالات، والأهم أنه بدا حقيقيا وذا خصوصية بعيدا عن لغة العشوائيات أو إقحام مفردات أجنبية وهو ما صارت الأعمال السينمائية تعتمد عليه كثيرا.

أما الموسيقى التصويرية لسعاد بشناق، فاعتمدت على الوتريات للتعبير عن انفعالات الشخصية الرئيسية وحالات التخبط التي ظلت تعتريها حتى النهاية.

وبالطبع برع هاني خليفة في الإخراج، خاصة مع ما عُرف عنه من اهتمام بالتفاصيل والتركيز على خلجات الأبطال ولغة العيون والجسد واللجوء إلى الرمزيات البصرية الواضحة، ويُحسب له عدم اللجوء إلى الفلاش باك لتقديم تفسيرات أو تبريرات لماض الشخصيات، إذ قرر فعل ذلك عبر السرد الدرامي.

نجاح غير متوقع بشباك التذاكر

ورغم عدم اعتيادية الحكاية وابتعاد العمل عن الاستسهال والحبكات التي تعتمد على الكوميديا أو الأكشن وما شابه من القصص التي تعرف كيف تستقطب الجمهور نحو شباك التذاكر، فإن “رحلة 404” أثبت ولاء المتفرج للأعمال الجادة التي تخاطب فكره ووجدانه.

ليس في مصر وحسب، بل حتى في السعودية، فالعمل الذي طُرح في آخر موسم إجازة منتصف العام وخاض المنافسة متأخرا، استطاع أن يجني حتى الآن 18 مليون جنيه مصري، و3.5 ملايين ريال سعودي مُتصدرا شباك التذاكر السعودي، وفقا لبيانات الهيئة العامة لتنظيم الإعلام.

فخ السينما النظيفة

ويؤكد نجاح “رحلة 404” إمكانية الرهان على وعي المشاهد وحقيقة كونه لا يلهث خلف الأفكار المُعلّبة والمستحدثة، أو الأجنبية الهجينة، أو حتى الأفكار التي طالما كانت وقودا للتيار الذي فرض سيطرته على السينما المصرية منذ أواخر التسعينيات.

أسيء استغلال شعار “السينما النظيفة” في كثير من الأحيان، فأصبحت الأفلام القوية التي يميل صانعوها إلى نكء خبايا الواقع المُعاش نادرة، وهو ما حجّم بدوره القدرات التمثيلية للفنانين وحصرهم في منطقة هشة لا تصنع تاريخا حقيقيا، بدليل أن المحاولات القليلة للتمرّد من قبل البعض هي ما أثمر عن أهم أعمالهم، إذا أخذنا منى زكي مثالا سنجد أن أهم أدوارها -على سبيل المثال لا الحصر- في أفلام “سهر الليالي”، و”دم الغزال”، و”احكي يا شهرزاد”، وأخيرا “رحلة 404”.

بوستر فيلم ٤٠٤

كما لم يسلم “رحلة 404” من حواف مقص الرقابة الذي عطّل خروج الفيلم إلى النور، إذ كان من المقرر مشاركته بالمسابقة الرسمية لمهرجان البحر الأحمر عام 2022 تحت عنوان “القاهرة- مكة” قبل أن يُمنع عرضه لاعتراضات رقابية، وهو ما استدعى إعادة الكتابة وإجراء عديد من التعديلات بل وإعادة تصوير كثير من المشاهد أيضا، وحتى عنوان الفيلم تم تغييره.

وبمشاهدة العمل يمكن استشعار وقوع الجمل الحوارية تحت وطأة المقصلة الرقابية أيضا، بالإضافة إلى النهاية التي بدت مربكة كونها جاءت على قدر فج من المباشرة بما لا يتناسب مع باقي العمل أو المنهج الذي يعتنقه صانعوه سينمائيا، مما جعلها الحلقة الأضعف سواء لما بها من رسائل مباشرة أو لحدوث انفراجات كبرى فجأة وصحوة ضمير لأكثر من شخصية في الدقائق الأخيرة.

“رحلة 404” دراما اجتماعية مُلهمة جديرة بالمشاهدة ربما أكثر من مرة لهضمها بمزاج رائق وحفاوة تليق بعمل مصري تفوّق بمسافة شاسعة على جميع الأفلام التي صدرت السنوات الأخيرة، وفقا للبعض.

الفيلم بطولة منى زكي، وشيرين رضا، ومحمد فراج، ومحمد ممدوح، وخالد الصاوي، ومحمد علاء، وحسن العدل، وجيهان الشماشرجي مع عودة مميزة لنادية شكري. كتبه محمد رجاء، وأخرجه هاني خليفة الذي يعود به للسينما بعد غياب دام 9 سنوات.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *