لطالما كان للفن الإسلامي أكبر الأثر على الفن الغربي خلال العصور الوسطى، حيث دخلت عدة عناصر فنية إسلامية على الفن الغربي عبر التبادل التجاري والفتوحات وحتى خلال فترة الحروب الصليبية.
على سبيل المثال لا الحصر، انتقل تصميم القبة والفسيفساء والزخارف العربية والفارسية إلى الغرب بعدما نقل الفنانون والمعماريون الأوروبيون التصاميم والتقنيات الإسلامية عبر قنوات مختلفة.
احتفظ الفن الإسلامي دائما بجودته الجوهرية وهويته الفريدة. وكما يجسد دين الإسلام أسلوب حياة ويعمل كقوة متماسكة بين الشعوب المتنوعة عرقيا وثقافيا، فإن الفن الذي تنتجه المجتمعات الإسلامية له خصائص أساسية محددة وموحدة.
بواسطة متحف الميتروبوليتان
كما شَقَّت الكثير من الأنماط الزخرفية والمعمارية طريقها إلى العمارة الغربية مثل القوس المدبب أو “الوغدة”، ما سمح بارتفاع أكبر ومساحات مفتوحة أضخم وأوسع. نرى ذلك واضحا مثلا في كنيسة البلاطين في القصر الملكي في باليرمو (صقلية في إيطاليا)، والأقواس الإسلامية “الفاطمية”، والقبة البيزنطية المُزينة بالفسيفساء والسقف المزين بالخطوط العربية منذ العصور الوسطى.
ويُعزى تأثر الأوروبيين بالفنون الإسلامية بهذا الشكل العميق، إلى أن المهندسين المعماريين الأوروبيين انبهروا بالأناقة والكفاءة الهيكلية للعمارة الإسلامية. كما تركت زخارف الجدران الإسلامية، ولا سيما الأنماط الهندسية المعقدة والأرابيسك، تأثيرا دائما على الفن الغربي. إذ أظهر الفنانون الإسلاميون إتقانا في إنشاء تصميمات معقدة تغطي الجدران بأكملها، باستخدام الأشكال الهندسية والعناصر الزهرية.
وكان الفنانون الأوروبيون، وخاصة خلال عصر النهضة، مفتونين بهذه الأنماط الزخرفية. فتبنوا الأنماط الإسلامية في أعمالهم وقاموا بتكييف ودمج اللغة البصرية للفن الإسلامي في لوحاتهم وحتى في المنسوجات والسيراميك والرسوم التوضيحية للكتب. وقد أدى هذا الاندماج إلى تطور أسلوب الأرابيسك في الفن الغربي، الذي يتميز بأوراق الشجر المعقدة والأنماط المتداخلة والزخارف الدقيقة المستوحاة من الجماليات الإسلامية.
نابليون والأرابيسك
تمت صياغة مصطلح الأرابيسك في حد ذاته في أوائل القرن الـ19 عقب حملة نابليون الشهيرة على مصر. وكلمة أرابيسك تعني ببساطة “على الطراز العربي”. والأرابيسك يقوم في الأساس على تزيين الأسطح باستخدام الأشكال الزخرفية الهندسية المكونة من الخطوط والدوائر والأنماط المتكررة.
ويعتبر فن الأرابيسك -الذي يستخدم في تزيين الجدران والأسقف والأعمدة والقباب- أكثر الفنون الإسلامية تعبيرا عن التعقيد والجمال، وقد نُقل في العصور الوسطى إلى أوروبا وظهر في العديد من المعابد والمساجد والقصور مثل قصر الحمراء في غرناطة الذي تم بناؤه خلال الحكم الإسلامي لإسبانيا في القرنين الـ13 والـ14، وتم تزيين جدرانه وأسقفه ونوافيره بأنماط الأرابيسك المعقدة.
ويمكن رؤية تأثير فن الأرابيسك أيضا في العديد من الكاتدرائيات القوطية في جميع أنحاء أوروبا، مثل كاتدرائية بورغوس في إسبانيا، والتي تتميز بزخارف معقدة على واجهاتها وأقبيتها التي تذكرنا بأنماط الأرابيسك الموجودة في قصر الحمراء.
وقد وصل حجم انتشار هذا النمط من الزخارف الإسلامية في أوروبا إلى أن تم تزيين أسقف مكتبة الفاتيكان في عصر النهضة على يد الفنان دومينيكو فونتانا، بأمر من البابا سيكستوس الخامس في نهاية القرن الـ16.
كذلك تم تزيين مخدع ماري أنطوانيت في قصر فونتينبلو بفرنسا بالأرابيسك على طراز بومبيان من قِبل الأخوين روسو عام 1785.
جماليات الخط العربي
كما يعد الخط الإسلامي أحد أكثر العناصر الفنية الإسلامية تأثيرا في الفن الغربي. ولأن الثقافة الإسلامية تولي أهمية كبيرة للكلمة المكتوبة، كان ولا يزال الخط العربي شكلا فنيا مهما على مر العصور الإسلامية. وقد فتنت الأناقة والصفات التعبيرية للخط العربي الفنانين الأوروبيين، الذين بدؤوا في دمج عناصر الخط في أعمالهم الخاصة.
دمج الخط العربي في المخطوطات الغربية المزخرفة بدأ إبان الحروب الصليبية، بعدما وصل إلى “القارة العجوز” عبر طرق التجارة بين أوروبا والشرق الأوسط والحروب الصليبية، في الوقت الذي كانت الكتب اللاتينية تُكتب فيه بأسلوب يُعرف باسم “الحرف الأسود”.
وانتقل الأوروبيون لاستخدام أنماط الخط العربي خلال العصر القوطي، كما أدخلوا التصاميم الزهرية المعقدة والأشكال الهندسية في تزيين المخطوطات والمنسوجات. وقد استمر هذا التقليد حتى في عصر النهضة وهو ما ساهم في زيادة تقدير الجمال البصري والإمكانات التعبيرية لأشكال الخط في التقاليد الفنية الغربية.
تم استخدام الكلمة العربية المكتوبة لإنشاء بعض من أجمل الأعمال الفنية وأكثرها تطورا في العالم.
بواسطة دار مزادات كريستيز
ولا تزال إسبانيا تتمتع حتى اليوم بتراث عربي إسلامي غني من الخطوط التي تطورت في الأندلس، ومنها النقوش الأثرية في معالم مثل مسجد قرطبة وقصر الحمراء في غرناطة. ويرى المتخصص في التاريخ العربي وأستاذ تاريخ الفن في جامعة غرناطة خوسيه ميغيل بويرتا فيلتشيز، أن “تراث الخط العربي في الأندلس عظيم ولا يقارن”.
ولم تضف هذه الزخارف بعدا جماليا مميزا فحسب، بل دفعت أيضا حدود الإبداع والتميز التقني في التقاليد الفنية الغربية، وقد أدى التبادل الثقافي الذي نشأ نتيجة لهذا التأثير إلى إثراء التراث الفني الأوروبي والغربي ككل.