كتّاب فلسطينيون: رغم الخذلان لا تزال فلسطين قضية الشارع العربي

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 19 دقيقة للقراءة

يختبر الإنسان -خلال حرب وحشية كالتي تشنها إسرائيل على غزة- مشاعر وأفكارا مختلفة، فبينما يعرف الذين يعيشون تحت وطأة القصف والحصار والتجويع الحياة والموت في أوسع مدى ممكن لهما، يعيش الآخرون مشاعر القلق الهائل وتبعات العجز من فعل ما يوقف آلة العدوان الدموية.

وتفتح الحروب أبواب المراجعات الفكرية على اتساعها، لكن بالنسبة لكتاب فلسطينيين يعيشون خارج وطنهم الأم، تعد استعادة طازجة لآلام الشتات والتهجير التي عاشها الشعب الفلسطيني طوال عقود منذ النكبة 1948 في كل أماكن وجوده ببلدان الشتات.

وكما تحدثت الجزيرة نت في تحقيق سابق مع شعراء وكتاب في غزة، حول تفاصيل إنسانية غائرة لا يكاد صدى صوتها يبلغ المسامع بين أصوات الحرب، فإننا نفتح هذه النافذة لكتاب فلسطينيين في الخارج كمساحة لرواية جانبهم من الحكاية، وسألتهم عن الذاكرة الفلسطينية ودور التواصل عبر منصات التواصل الاجتماعي بين مناصري الشعب الفلسطيني ومشاعر التضامن الوجداني والفكري مع غزة.

فخري صالح: (كاتب وناقد ومترجم، عمّان): ما زالت فلسطين قضية العرب المركزية

في البداية، أنا ولدت في فلسطين، في بلدة اليامون، التي تقع على بعد كيلومترات قليلة من مدينة جنين، وما حدث أنني خرجت للدراسة في الجامعة الأردنية، فمنعتني السلطات المحتلة من العودة، بعد غياب بضع سنوات. وهكذا أصبحت منفيًّا بحكم إجراءات تعسفية تمنع المواطن الفلسطيني من العودة إلى بلده، في حين يأتي أي يهودي من أي دولة في العالم ويصبح مواطنا بصورة أوتوماتيكية، لمجرد كونه يهوديا، “عاد إلى أرض الميعاد” حسب الأسطورة الصهيونية السخيفة التي تقنع بها إسرائيل مناصريها في “الغرب المنافق الانتهازي”، الذي يحمي بقرته المقدسة ويرسل، من أجل حمايتها من بضعة آلاف من المقاتلين الفلسطينيين، الأساطيل وحاملات الطائرات.

انطلاقًا مما سبق، فالذاكرة الخاصة بفلسطين هي ذاكرة شخصية. ولقد عدت زائرًا إلى فلسطين، قبل عدة شهور، بصفتي مواطنًا أردنيًّا، وتجولت في هذه البلاد الجميلة الساحرة، لأعود وأروي لأبنائي مشاعر الحزن، والتعلق بهذه الأرض، والأمل في المستقبل، التي انتابتني، وأنا أزور قرى ومدن فلسطين. إنها كما قال الصديق الراحل، شاعر فلسطين العظيم، محمود درويش: “سيدة الأرض، كانت تدعى فلسطين، صارت تدعى فلسطين”. لا شيء يمكن أن يغير ذلك، فالقوي لن يبقى قويًّا إلى الأبد، الإمبراطوريات تشيخ وتضعف، شأنها شأن البشر، وأميركا وأوروبا، ومن يدعمون إسرائيل، ترتعش أيديهم الآن، كذئب هرم، وربيبتهم إسرائيل، كذلك.

لقد تمَّ تقييد حسابي على فيسبوك، فلم يعد معظم أصدقائي يرون ما أكتب. ومن الواضح أن هذه المنصات تقوم بدورها في هذه الحرب الغاشمة المجرمة التي تشن على غزة وأهلها والفلسطينيين وقضيتهم. هذه حرب غير مسبوقة تسعى إلى محو القضية الفلسطينية، وتطهير الفلسطينيين عرقيًّا وإبادتهم جماعيا. ولهذا تقوم هذه المنصات بخنق أصواتنا، ومحاولة إسكات مناصري الشعب الفلسطيني في العالم. ومع أن ذلك لن ينجح لأن ضمير الناس استيقظ بعد أيام من حقن الفضاء الإعلامي والرقمي بالأكاذيب الصهيونية التي رددها، مثل إمعات، رؤساء دول ومسؤولون حكوميون في الغرب الانتهازي المنافق، فإن ما حدث من محاولة تكميم أفواهنا ومنعنا من الكلام ينبغي أن يحفز الشرفاء في العالم إلى إيجاد منصات بديلة. علينا أن نتخلص من هذه الهيمنة الرقمية الغربية الصهيونية على البشر.

لي أصدقاء ومعارف في غزة تواصلت معهم، وما زلت، لأطمئن عليهم. هذا شعور طبيعي أن يخاف المرء على أهله وأصدقائه. لكنتي أشعر بالألم والعجز يشقني نصفين، وأنا أرى هذه المجازر التي ترتكب بحق شعبي وأهلي، في الوقت الذي تصمت فيه الأنظمة العربية، ويكتفي بعضها بالتضامن الخجول، ويمضون في التطبيع مع كيان مجرم، ويدين بعضهم ما فعلته كتائب القسام في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ويرددون سردية العدو الكاذبة. هذا هوانٌ ما بعده هوان. لا أريد أن أثير فيهم نخوة العروبة والأخوة، بل أخاطب إنسانيتهم. فكم ألفا من أطفال غزة ونسائها وشيوخها يكفي ليصحو العرب من خدرهم، وتستحي بعض الأنظمة العربية من صمتها، بل تواطؤها.

أنا أومن بالناس، بمشاعرهم الحقيقية الأصيلة، وإحساسهم بالتضامن الوجداني، والعاطفي، والفكري، مع إخوتهم الفلسطينيين. ما حدث خلال الأسابيع الماضية يدل على أن قضية فلسطين ما زالت قضية العرب المركزية. والمظاهرات الضخمة التي تملأ الشوارع من عمان إلى الرباط، دليل على أن محاولة الأنظمة إقناع شعوبها بأن التعايش مع إسرائيل وتطبيع العلاقات معها ممكن لم ينجح، ولن ينجح.

هذه دولة مزروعة في قلب العالم العربي (فلسطين) لكي تحمي مصالح الاستعمار الغربي، الذي توهم بعضنا أنه خرج من بلادنا، لكنه مقيم بيننا في الحقيقة من خلال قواعده العسكرية، وبعض النخب الحاكمة التي يسيِّرها ويتحكم في مواقفها. وإسرائيل هي القاعدة المتقدمة لهذا الاستعمار. إنها أكبر بارجة حربية للغرب في العالم. ثمَّة صدعٌ عميق يفصل الأنظمة عن الشعوب في عالمنا العربي، وإن لم تدرك النخب هزال مواقفها من هذه المذبحة التي تقوم بها الدولة الصهيونية المجرمة بحق الشعب الفلسطيني، فسوف يزداد هذا الصدع اتساعًا، وسيحكم التاريخ على هذه النخب، التي تمسكت بمصالحها الضيقة الفئوية الفردية، في حين الشعب الفلسطيني يذبح ويباد.

لا شك أن مواقف معظم المثقفين العرب متفاعلة، ومتعاطفة مع فلسطين والفلسطينيين، رغم قلة من الأصوات الناعقة التي تردد بصورة خجولة السردية الهزيلة التي تلوم الضحايا، وتتعاطف مع القتلة. هناك مثقفون عرب متماهون مع مواقف حكوماتهم، وهناك مثقفون عرب يعيشون في الغرب ويرددون السردية الصهيونية (الطاهر بن جلون، بوعلام صنصال، كمال داود، ياسمينة خضرا، وغيرهم)، طمعا في جائزة هنا، أو ظهور على الشاشات، لاهثين خلف الفتات الذي يقدمه لهم الإعلام الغربي المنحاز إلى السردية الصهيونية. هؤلاء يشبهون الغرب الرسمي، الداعم لـ”إسرائيل”، الذي يتسم بالنفاق، والمعايير المزدوجة، وتأجيج الكراهية، وإثارة نزعات كراهية المسلمين والعرب والفلسطينيين. أما غالبية المثقفين العرب فهم مع فلسطين، وقضيتها، وأهلها.

عبد الله الزيود (كاتب وأخصائي تربوي، الصين، تشنغدو): المقاومة طريق وحيد إلى التحرير

***داخليه*** 2- عبد الله الزيود (كاتب وأخصائي تربوي فلسطيني، الصين تشنغدو) المقاومة طريق وحيد إلى التحرير (الجزيرة) .jpeg

الفلسطينيون اليوم على ما وجدوا عليه آباءهم، في الشتات يحملون جوازات البلاد التي تغربوا إليها أو وثائق سفر كالتي نحملها في مصر ولبنان، المقدسيون يحملون هوية زرقاء، ويحملون جوازا “إسرائيليا” في الداخل المحتل، وهوية فلسطينية وجوازا فلسطينيا لأهل غزة والضفة الغربية، ومثلي، يحملون هوية فلسطينية وبطاقة جسور صفراء تتيح لي زيارة الضفة الغربية ولكنها لا تمكنني من زيارة القدس أو الداخل الفلسطيني المحتل.

أسوق المقدمة أعلاه لأقول إن الرواية الفلسطينية تنوعت بتنوع ظروف اللجوء والنزوح والبقاء. ولأقول إنني من القلة المحظوظين برؤية جزء من البلاد رأي العين. غير أنني أتذكر زيارتي الوحيدة للقدس وظروفها بشيء من السحر والخيال.

اتصل بي أحد الأصدقاء من القدس وأنا أشد الرحال في أريحا إلى جنين في الضفة الغربية.

-عبد الله أنت بأريحا؟ سألني وأجبته بالإيجاب ثم طلب مني الانتظار ليصل بعد نصف ساعة ويأخذني بسيارته في طريق غير التي اعتدتها.

قال: سنذهب إلى الأقصى، فبلعتُ ريقي.

-المسجد الأقصى؟ سألته مستنكرا. فهز رأسه.. يداه على المقود، وعينه على الطريق، وقلبي يضطرب في قفصي الصدري مثل عصفور تنبه للتوّ على حقيقة أنه سيطير.

كانت الظروف مواتيةً على الحاجز العسكري. عبرنا ثم تنهّد صديقي تنهد المرتاح ثم قال: لقد عبرنا.

لدي كلام كثير عن هذه الرحلة، ولكنني لا أتذكرها إلا كحلم، ولولا أنني أحتفظ ببعض الصور لما صدقتُ أنني ذهبتُ إلى هناك.

وبشأن ما حدث ويحدث من تعسف ومحاربة للمحتوى المناصر للقضية الفلسطينية، فمنذ اللحظات الأولى للحرب الراهنة التي تقوم بها إسرائيل على قطاع غزة، يمكنني القول إنهم لم ينجحوا، ولن ينجحوا، رغم أنهم حذفوا عددا من منشوراتي فإن كثافة النشر في العالم كله حالت بينهم وبين إسكات الحق.

وكفرد لديه صداقات حول العالم أقول: حتى الذين لم يسبق لهم أن نشروا عن فلسطين من أصدقائي، كنديين وأميركيين، صينيين وأستراليين وإنجليز وغيرهم من دائرة علاقاتي نشروا آراءهم وأعادوا تغريدات مؤيدة للحق الفلسطيني، بل منهم من زاد وصنع محتوى توعويا عن القضية.

تواصلتُ مع أصدقاء في غزة، وعرضتُ عليهم مساعدة مالية لكنهم -رغم الظروف ورغم المستقبل الذي لا يستطيع أحد أن يتنبأ بمآلاته- رفضوا المساعدة بأدب جم.

أما تقديري لأثر الحرب على غزة وفلسطين والمنطقة عموما، فلا أعرف، صدقني ليس في صدري غير عزيمة جبارة وإيمان كنتُ أظن أنني أحمله في صدري حتى إذا زاغت الأبصار وبلغت القلوب الخناجر وجدته يحملني. وإنني على يقين باستعادة حقنا المسلوب، مؤمن بالمقاومة كحل أوحد ووحيد للتحرير.

أحترم كل من أبدى وقوفا واضحًا من المثقفين والكتاب العرب في صف الحق الواضح دون تلون ولا مقدمات ولا استثناءات، أما من هم دون ذلك فالاحترام لا يشملهم.

إبراهيم جابر إبراهيم (كاتب وصحفي أردني): المطلوب خطاب تعبوي تحريضي للشارع العربي

***داخليه*** 3- إبراهيم جابر إبراهيم، كاتب وصحفي فلسطيني (الأردن)- .jpeg

فلسطين ليست مجرد وصية آباء وأجداد، فلسطين هوية، هويتنا التي نختارها طوعا كل يوم. ورغم أنها هوية مُكلفة، دما وأرواحا، لكننا سعداء بها، ونختارها كل يوم بملء رغبتنا وشغفنا، لأننا نليق بها وتليق بنا.

ورغم أننا لم نمكث في البلاد ما يكفي لنصنع ذاكرة، لكننا الشعب الوحيد الذي يحتفظ بأغنى ذاكرة ومرويات شفهية عن بلاده.

في ظل التحالف العالمي مع الاحتلال تصبح محاربة المحتوى الفلسطيني بديهية، وتحصيل حاصل، لكننا نستطيع دائما التغلب على ذلك، والذي بوسعه محاربة هكذا احتلال بوسعه محاربة تبعاته.

هذا الشعب العظيم الذي خبر كل أنواع النفي والاضطهاد والإبعاد، ورغم أنه موزع على كل قارات العالم، لكنه يتداعى لبعضه بمجرد أن يسمع صرخة معتقل أو وصية شهيد أو بكاء أم. نحن عائلة الفلسطينيين الممتدة، التي تتحدث لغات عدة، واندمجت في ثقافات متعددة، لكننا دائما ما يجمعنا إحساس غامر بأننا واحد، لذلك لا أحتاج أن تكون لي عائلة أو أهل في غزة لأتجرع كل هذا الألم الذي أتجرعه الآن.

كل من تراهم على التلفزيون أخوتي. كل الأمهات اللاتي قُتِلن أمي. وكل هذه الأكفان الصغيرة كانت جاهزة لأولادي.

أثر الحرب على المنطقة حدث وانتهى الأمر. لن نحتاج أن ننتظر نهاية المعركة لنلمسه. فالانتصار والهزيمة مفهوم نسبي، لكن الأثر واضح وضوح العين وهو أن فكرة الدولة القلعة قد انهارت أمام بضعة شباب أبطال من شعبنا. الجيش الأسطورة تحول لمهزلة تستنجد بأميركا لصدّ قذائف فصيل صغير من حيث العدد والعدة. أما الأثر الثاني فهو عودة فلسطين لتتصدر قضايا العالم وأولويات الشعوب الحرة وهاجسا لكل الناس، بعد أن كدنا نُنسى.

التفاعل من قبل إخوتنا الكتاب العرب ليس بالمستوى الكافي، وأحيانا نتفهم ذلك، فالمعركة فاجأت الجميع وأربكت الخطاب، بما في ذلك حتى العربي.

والمطلوب الآن من المثقفين العرب ليس أدبا ولا قصائد، ليس هذا وقت الشعر، بل المطلوب خطاب تعبوي تحريضي للشارع العربي ليقوم بدوره، وخطاب موجه للعالم يشرح هذه القضية مجددا ويستفيد من وسائل التواصل الحديثة والمنصات المتاحة لشرح القضية لأجيال جديدة في الغرب لا تعرف شيئا عن قضيتنا وملحمتنا الفلسطينية العتيدة.

خليل ناصيف (كاتب وروائي، رام الله): حرب غزة ستحدث هزات للضمائر والعروش

***داخليه*** 4- خليل ناصيف- (كاتب وروائي فلسطيني، رام الله)- حرب غزة ستحدث هزات للضمائر والعروش (الجزيرة) .jpeg

أنا ابن عائلة فلسطينية لجأت إلى رام الله من مدينة اللد عام النكبة، أي أننا لم نلجأ إلى خارج وطننا ولكننا لاجئون في مدينة فلسطينية يمكننا منها رؤية مدينتنا الأصلية ولا يمكننا الوصول إليها، لقد زرت مدينتي اللد عدة مرات كلما سمحت لي تصاريح الاحتلال، بالنسبة لي هي المدينة التي لا أشعر خلال مشيي في شوارعها بأنني لاجئ.

لقد فشلوا في محاربة المحتوى الداعم لفلسطين في المنصات. سلوك المنصات أثار رد فعل قوي بحيث أرى أن الأمور انقلبت عليهم. لم ألجأ للمنصات من أجل دعم القضية الفلسطينية لأنني لا أومن كثيرا بجدواها. عالمنا لا تحكمه الأخلاق والقيم بل يحكمه مبدأ القوة ومهمتنا كعرب أن نكون أقوياء ليعترف بنا العالم ويسمعنا. إنها منصات غربية فماذا نتوقع منها؟ ولماذا نحن كعرب لم نؤسس منصاتنا الخاصة، من يمنعنا من تحقيق ذلك؟ هذا هو السؤال الأهم.

لي تجربة مع أحباء في غزة، والموضوع مؤلم. نحن شعب صغير من ناحية العدد ومترابط اجتماعيا بشكل كبير، لدينا صداقات وأقارب في غزة وشخصيا وصلت إلى مرحلة أنني أفتح صفحاتهم فقط للتأكد من أنهم ما زالوا على قيد الحياة. فخورون بصمودهم ولكننا إنسانيا نشعر بحزن بالغ ربما يمكن الكتابة عنه لاحقا بعد انجلاء الحرب الإجرامية على غزة.

لقد كشفت هذه الحرب أكثر من سابقاتها الوجه البشع لدولة الاحتلال وفضحت ضعفها وكأنها تقول للعرب انظروا كم هو كيان هش، تقدموا فقط وسوف يسقط بسهولة. لقد فضحت هذه الحرب الأنظمة العربية أيضا وبينت للشعوب أن ما يحول بينهم وبين تحرير فلسطين هو الأنظمة الحاكمة فقط وليس قوة الاحتلال.

أكرر أن العالم يحترم القوي فقط، البلاد العربية غنية وشعوبها لا ينقصها شيء للنهوض والانتصار سوى وجود أنظمة ولائها الوحيد للكرسي. كلما رأيت طفلا يواجه دبابة أتساءل لماذا هذا الطفل في هذا المكان؟ ولماذا هذه الدبابة لا يواجهها جندي عربي بسلاح قوي؟ والإجابة تعرفونها جيدا. أتوقع من حرب غزة أن تتسبب في هزات للضمائر والعروش.

الكتاب العرب لا يمكن النظر إليهم ككتلة واحدة. توجد أسماء كبيرة ومعروفة موقفها لم يخرج عن الموقف الرسمي لحكوماتها كونها منتفعة وجبانة. أما بشكل عام فقد كان لمعظمهم مواقف تضامنية من نوع (نشجب، نستنكر وندعو ونتوسل)، وبرأيي لا يمكنهم عمل الكثير في وقت الحرب. التغيير يجب العمل عليه بمرحلة مبكرة لنحصد ثماره في مناسبة كالحرب الحالية، ولكن الكاتب العربي برأيي لم يعمل على التغيير سابقا، أتمنى أن يعتبروا هذه الحرب الإجرامية فرصة لبدء التفكير والعمل من أجل مساحات حرية أوسع في المستقبل.

الحرية لا تُجزّأ. من السخافة ككاتب أن تتحدث عن حرية فلسطين وأنت شخصيا محكوم بنظام دكتاتوري في بلدك.

عصام السعدي (شاعر أردني): سنعود إلى فردوسنا المفقود مهما طال الزمن

الشاعر عصام السعدي:

ولدت في فلسطين في مدينة جنين ونزحت عنها بفعل حرب 1967، وما زلت أختزن كل تفاصيلها وتفاصيل طفولتي فيها حتى أنني عندما عدت إليها زائرا بعد 50 عاما استطعت الذهاب إلى بيتنا في جنين دون أن يدلني أحد مشيت على طريق الطفولة فدلتني على بيتي.

عشت في الشتات في أسرة منغمسة يوميا بقضية فلسطين حيث كان أبي عضوا في منظمة التحرير الفلسطينية فنشأنا في كنف المقاومة، فسمعنا وقرأنا وشاهدنا ما حل بفلسطين وشعبها، فتشكل وعينا من مصادر الأسرة والمخيم وبيئة المقاومة التي انخرطنا فيها. حتى أننا نحتفظ اليوم بأسماء قراها ومدنها وأسماء عائلاتها. فلسطين مختزنة في قلوبنا ونفوسنا ونعرفها كما يعرف أحدنا خطوط كفه. كأننا لم نغادرها. فلسطين فردوسنا المفقود الذي سنعود إليه مهما طال الزمن. تلك وصية آبائنا وأجدادنا وتلك وصيتنا لأبنائنا وأحفادنا. وغزة اليوم تؤكد أن أجيالنا ما زالت تحفظ الوصية.

هنالك حرب على فلسطين في العالم الافتراضي موازية للحرب في الواقع. تصلني تحذيرات كثيرة وتم تقييد حسابي على فيسبوك عدة مرات. نحن نتحايل ما أمكننا على هذه المحددات المفروضة علينا من المتحكمين بهذا الفضاء المنحازين لعدونا. ورغم كل ما يفعلونه فقد استطاعت قضيتنا العادلة خاصة مع الحرب على غزة أن تصل لشعوب العالم فبدؤوا بكسر هذه المحددات وتجاوزها. صوت فلسطين اليوم هو الأعلى رغم كل هذه الحرب على المحتوى الفلسطيني في وسائل التواصل الاجتماعي.

لا أخفي الشعور بالعجز الذي ينتابني إزاء ما يجري من محرقة لشعبنا وأهلنا وأصدقائنا في غزة. ومهما فعلنا فنحن مقصرون. نحاول الاتصال بالصامدين هناك، نحاول رفع الصوت في المظاهرات والاعتصامات والكتابة، نساهم في جمع المساعدات، ونشتبك مع الكذب والزيف وازدواجية المعايير والعنصرية التي يحاول الاحتلال من خلالها تزييف الوعي وطمس الحقائق، هذه المهمة تقع اليوم على عاتق المثقفين ولا بد من القيام بها.

تأثير هذه الحرب كبير ومختلف عن غيرها من الحروب. هذه الحرب وضعتنا كعرب وفلسطينيبن وككيان محتل أمام الحقيقة الساطعة أن هناك شعبا مظلوما رازحا تحت الاحتلال وقد قرر أن يقول كلمته بعد أن صمت العالم على مأساته. يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول وضع كل شيء على الطاولة دفعة واحدة، فكشف المأساة كاملة، ومؤسف أن قضية فلسطين ليست كباقي القضايا. فلسطين هي عقدة هذا العالم وهي تكثيف لكل صراعاته. وأظن أننا اليوم بتنا حاضرين ولن يستطيع أحد تجاوزنا. نحن في مفصل تاريخي لنا ولأعدائنا. وأعتقد أننا الآن في وضع أفضل رغم كل ما يقوم به الاحتلال وأعوانه من جريمة صارخة تحت سمع وبصر العالم.

الكتاب والأدباء العرب متفاوتون في تفاعلهم مع هذه الحرب. هناك من وقفوا مع غزة والمقاومة من أول يوم، وهناك من صمت وغاب عن المشهد، وهناك بكل أسف من اقتنع برواية العدو الصهيوني وردد أكاذيبه، لكن هؤلاء قلة وقد كشفتهم هذه الحرب وسيعانون من احتقار الشعوب لهم ولن يرحمهم التاريخ. التفاعل مع هذه الحرب شهد وضوحا في المواقف أفضل من ذي قبل، ربما لأن الجريمة أكبر وأقسى مما يمكن احتماله. لكننا ما زلنا بحاجة لفعل ما هو أكثر من ذلك. نحن بحاجة لأن نعبر عن آمال وآلام شعوبنا وعن قضايا أمتنا وأشواقها. علينا أن نحرس وجدان شعوبنا وأن نخوض معركة الوعي بجدارة.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *