القاهرة – كان الشاب المصري خالد كمال (32 سنة) محظوظا بين أقران جيله، فقد كان والده يعدّ يوم الجمعة من كل أسبوع يوما للحديث بالعربية الفصحي، مما أكسبه طلاقة في استخدام لغة الضاد، وفق حديثه للجزيرة نت، في وقت تواجه اللغة العربية تحديات كثيرة بمصر، خاصة بين الأجيال الصاعدة والشباب.
ووسط تأخر تشريعي لإقرار قانون لحماية اللغة العربية، يتجمع كبار حماة لغة الضاد بمصر في احتفالين كبيرين باليوم العالمي للغة العربية؛ أولاهما: اليوم الاثنين 25 ديسمبر/كانون الأول الجاري، بمجمع اللغة العربية المعروف باسم “مجمع الخالدين”، يعقبه الأربعاء 27 ديسمبر/كانون الأول الحالي، احتفال اتحاد المجامع اللغوية العربية باليوم الدولي ذاته، وسط آمال بتعزيز اللغة الوطنية، التي يبدو أنه تحدّ صعب، حسب مراقبين تحدثوا للجزيرة نت.
ويتزامن الاحتفال هذا العام مع الذكرى السنوية الـ50 لإعلان اللغة العربية لغة رسمية في منظمة الأمم المتحدة في 18 ديسمبر/كانون الأول 1973، التي دعت للاحتفاء الدولي به في اليوم نفسه من كل عام.
امتحانات المدارس والجامعات
يقول الشاب خالد كمال للجزيرة نت “ما صنعه أبي في بيتنا من تعليمنا اللغة العربية خاصة الفصحى، لا أستطيع أن أفعله اليوم مع طفلي؛ بسبب منافسة الهواتف المحمولة لأي برنامج قد أُعدّه حتى لو لساعتين، وليس يوما كما كان يفعل أبي”.
وأضاف أن العامّيّة هي السائدة بمصر، ينافسها الإنجليزية بين الشباب، التي باتت تعدّ -والحديث له- علامة على التحضر الشبابي بإدخال بعض الكلمات الإنجليزية بجانب العربية منها.
ويشير خالد إلى أن حفلات الغناء الشعبى “المهرجانات” التي تستخدم لغة عامية سوقية، ضربت اللغة العربية كذلك، لكنه يرى أن وجود الأزهر وشبابه يشكلان صيانة للعربية، بجانب الشباب المهتم بالتاريخ وحفظ القرآن الكريم.
وفي السياق نفسه يرى الطالب الجامعي محمد حسن في حديث للجزيرة نت، أن اللغة العربية الفصحى لا تزال مصانة بامتحانات المدارس والجامعات، لكن العامية الدارجة هي الأكثر انتشارا بين الشباب، بينما يشير إلى أن بعض الشباب يكتب على مواقع وتطبيقات الحوار “الشات” باستخدام “الفرانكو أراب” (كتابة كلمات اللغة العربية بالنطق نفسه، ولكن بحروف لاتينية).
ترقب في المجمع لحماية اللغة
ويرى الخبير بمجمع الخالدين وأستاذ الدراسات اللغوية بكلية الآداب بجامعة المنوفية، د.خالد فهمي، أنه لا يليق بمصر ألا يكون لديها قانون لحماية اللغة العربية، في حين أن الدساتير المصرية منذ 1882 حتى دستور 2014، تحمي اللغة العربية لأنها “اللغة الرسمية أو الوطنية أو القومية”، وتضعها موضعا مرموقا بوصفها واحدة من أسس مقومات الدولة المصرية، ولكن التشريع لم يقنّن ذلك في قانون بعدُ.
ويدعو د. خالد -في حديثه للجزيرة نت- مجلس النواب إلى إصدار التشريع الخاص بالنهوض باللغة العربية في أقرب الآجال، مشيرا إلى أنه منذ 2020 انتهت مناقشات القانون المجتمعية التي شارك فيها، ثم أعقبها المناقشات البرلمانية بمشاركة قيادات المجمع، مع وعدهم بتمرير القانون تشريعيا منذ 2021، ولم يحدث رغم الحاجة الملحّة لذلك.
ويشير الخبير بمجمع الخالدين إلى أن اللغة العربية تلقى تراجعا بمصر في المستويات التنفيذية الرسمية والمخاطبات الداخلية، وأسماء الشوارع والمحال، باستثناء بعض الإدارات العريقة؛ مثل: مجلس النواب، وكذلك مصلحة سَكّ العملة، التي طلبت من مجمع اللغة العربية خبراء لاعتماد قراراتها اللغوية، بالتزامن مع عدم وجود تقدير شعبي حاليا للغة العربية، الذي يُرجعه لأسباب عدة غير مسئول عنها الشعب المصري، في ظل أن فرص العمل المهمة -على سبيل المثال- باتت تتطلب اهتماما فائقا باللغات الأجنبية.
تأخر برلماني
وتقدم 60 نائبا بمجلس النواب المصري بمشروع قانون حماية اللغة العربية في 2021 بعد تنسيق مع مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وذلك بعد محاولات فردية لم تمرّر من نواب في 2018، بينما لم يقر البرلمان الموافقة النهائية منذ أكثر من عامين، منذ وافق عليه مبدئيا فقط.
وتنص المادة الثانية من الدستور المصري على أن اللغة العربية لغة البلاد الرسمية، بينما يلزم القانون المقترح المكون من 18 مادة، جميع الهيئات باستخدام اللغة العربية فى نشاطها الرسمي، ويقرر غرامات على المخالفين.
وفي حديث للجزيرة نت أعربت عضو مجلس النواب وأحد مقدمي القانون سولاف درويش عن تطلعها لتمرير القانون في الفترة المقبلة لأهميته، وفي ظل الحاجة الشديدة له، مؤكدة أنها سوف تسعى لتحريك مشروع القانون من جديد، من أجل وضعه على قائمة (الأجندة) التشريعية الحالية على مجلس النواب.
وفي السياق نفسه، أوضح مصدر مطّلع بمجمع اللغة العربية –تحفّظ على ذكر اسمه- أن مشروع قانون النهوض باللغة العربية المقدم من المجمع، محلّ إجماع في مجلس النواب ومؤسسات الدولة، ولكن لا أحد يعرف موعد تمريره، في “ظل ضغوط تشريعية أخرى مرتبطة بسياسات الدولة”، وفق قوله.
وضع اللغة العربية متردّ
بدوره يشعر الأكاديمي والناقد الأدبي البارز حلمي القاعود بخيبة أمل تجاه وضع اللغة العربية في مصر، خاصة بين الأجيال الجديدة والنخب الأدبية بصفة عامة، الذي وصفه في حديث للجزيرة نت بأنه “غير جيد ومتردي”.
ويُرجع حلمي القاعود ذلك إلى ارتباط اللغة بالوضع العام الذي تحكمه “معايير فاسدة في المدارس والجامعات والصحافة والدعاية والمنابر الثقافية والمؤسسات الفكرية، بالإضافة إلى ما فرضته الشبكة الضوئية من قصور لغوي، وترويج مصطلحات وتعبيرات أجنبية، وتغوّل التعليم في المدارس الأجنبية، وتراجع الاهتمام بالكتاتيب”، حسب رأيه.
ويحمّل الأكاديمي -والناقد الأدبي البارز- التيار الواقعي في الأدب بمصر ما “جرى من استسهال للأداء اللغوي، والترويج لمزاعم أن العامية أقرب للقارئ العادي، يفهم بها أكثر من الفصحى، رغم أن بعضهم الآخر يفتقد العلم باللغة، ويرى أن مناخ الواقعية يشرعن له الأخطاء والقصور اللغوي”، وفق قوله.