في ألبوم “مع الحب”.. كاظم الساهر يصعد إلى قمة “السلم الموسيقي”

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

قدم الفنان العراقي كاظم الساهر 13 قصيدة لجمهوره في عيد الحب، جميعها من ألحانه، وذلك من خلال ألبوم “بعد الحب” الذي جسد فيه العديد من المعاني الغائبة، وأحيا قيما موسيقية وغنائية وعاطفية، غاب أغلبها عن وجدان المواطن والمستمع العربي في رحلته بين الأشكال الغنائية المستوردة، أو تلك التي يقدمها مطربو المهرجانات في مصر.

وفي ألبومه “مع الحب”، يقوم الساهر ببناء جسر اتصال عبر السلم الموسيقي بين التراث الموسيقي العربي وبين المستمع المعاصر، كما يصر على التواصل مع اللغة العربية الفصحى، ويعلن التحدي بألبوم كامل لا توجد فيه أغنية عامية واحدة، في مرحلة يصعب العثور خلالها على مطرب يستطيع تقديم قصيدة غنائية عربية، والقصائد-الأغاني- هي “يا وفية، يا قلب، بيانو، معك، تاريخ ميلادي، رقصة عمر، لا تظلميه، تراني أحبك، أعود، الليل، مررت بصدري، لا تسألي، لا ترحلوا”

واختار الفنان العراقي كاظم الساهر أن يقدم قمة إبداعه الموسيقي والغنائي بين معنيين متناقضين، فقدم في الماضي “أنا وليلى” للشاعر حسن المرواني، وحقق بها نجاحا هائلا، ويعاتب، ويطلق مشاعر الحنين ولجيل عربي كامل ترك جروحه خلفه، ثم أطلق القيصر في عيد الحب قمته الثانية في ألبومه، ليبدأ بمعنى الوفاء وهي أغنية “يا وفية” لصديقه الشاعر كريم العراقي الذي رحل مؤخرا، وجسد بها معنى مناقضا تماما، ويعقد صلحا بين مشاعر المغدورين ممن هاجروا طمعا في حياة أسهل وأموال أكثر، وبين من قبضوا على جمر الحب وفاء، واختار كاظم أيضا أن يصور فيديو كليب للأغنية.

وتبدأ “يا وفية” بحالة الندم، والاعتذار عن التفريط في هذا الحب، وكأن كاظم يعتذر بكتابة الأغنية الجديدة عن اتهامها للحبيبة بالخيانة والتخلي في “أنا وليلى”.

 الله يعلم يا وفيَّة كم ضاقت الدنيا عليَّ

لما أضَعْتُكِ من يديَّ ‏الله يعلم يا وفيَّة

وهو اعتراف لا يمكن ربطه بالمطرب أو الشاعر فقط، لكنه حالة مراجعة للذات تخص من أضاعوا حب حياتهم في لحظات الضياع، وبتواضع المحب الطيب، يعلن في ندمه على ضياعها من يده، ولكن بعد فوات الأوان.

يا قلب

وفي حالة إنشادية، بدأ كاظم أغنيته “يا قلب”، وتتضمن اعترافا بإدمان الهوى، ولأن قلب الشاعر منفصل في الشعر العربي عن صاحبه، فقد وجدها كاظم والشاعر معا فرصة للدفع به في مقدمة المشهد معتذرا عن ذلك القلب ومؤكدا أنه أرهقه من كثرة الحوادث والسوابق في الحب.

يا قلب إني مرهق، في كأس ماء أغرق

وأنت مدمن الهوى في كل يوم تعشق

في العشق تاريخ لنا حوادث سوابق

في العشق أنسى من أنا لا حكمة لا منطق

يصنع لحن الأغنية حالة من الدراما التي يظهر فيها واضحا ذلك العتاب الموجه من العاشق لقلبه الذي يورطه، ويدفعه من شدة الإرهاق للغرق في “كأس ماء”، ولو قدم كاظم فيديو كليب مع هذه الأغنية لصور رجل يشبه “سي السيد” في ثلاثية نجيب محفوظ الروائية، وهو يوبخ ابنه على فعل يأتيه هو نفسه كل ليلة مع بنات الهوى.

بيانو

تنضح أغنية “بيانو” بالشجن، ورغم الاسم فإن الكمنجة هي البطل الذي يصحب المستمع في رحلة موسيقية، تنعطف خلالها النغمات دون حذر، فتصيب كمخلب قط صغير أوتار القلب العاشق، ويمتد شعر الحبيبة بلادا، لتصبح وطنا، ويبدو صوت الشاعر الراحل نزار قباني واضحا وملامح شعره الصريح.

‫تعودت قفطانك ‎‫ينقط وردا وماء ‎‫وردا وماء عليّْ

‎‫وفي حالة العشق ‎‫يُصبحُ ثوبُ الحبيبة بيتا ‎‫ويصبح أما

‎‫ويغدو لنا وطنا

وفي أغنية “معك”، يخرج علينا العاشق الذي لا يقبل إلا ما داعب خياله، وزاره في حلمه، ذلك العاشق العربي، الذي يحمل سيفا في يد، وفي الأخرى وردة، ومرة أخرى يكرر نزار قباني معناه الأحب، حين قال في قصيدة أخرى: قولي يا امرأة واختاري لا تقفي مثل المسمار.. اختاري الحب أو اللاحب. لا توجد منطقة وسطى بين الجنة والنار.

معك لا توجد أنصاف حلول ولا أنصاف مواقف

ولا أنصاف أحاسيس

كل شيء معك يكون احتلالا أو لا يكون

 وكل يوم معك يكون انقلابا أو لا

ولأنه منطق مقاتل لا عاشق، فإنه يتساءل كيف له أن يربح معركة، وهو رجل واحد، بينما محبوبته قبيلة من النساء، ورغم عواصف القصيدة وعنف المشاعر والكلمات، تتهادى الموسيقى كأنها تقول للمستمع أنها مبالغات عاشق، وأن خياله هو الذي يصنع الرياح والعواصف والأمطار، وأن الموسيقى هي صوت العاشق لا كلمات الشاعر.

تاريخ ميلادي

يعيد المطرب في أغنية “عيد ميلادي” التأريخ لحياته من جديد، ويتراجع عن ما ردده نزار قباني على لسانه سابقا، حين قال: قولي أحبك كي تزيد وسامتي، ذلك أن الأمر تجاوز الحسن والوسامة، وصرنا في قلب المأساة التي أريد لها أن تنتهي، فيغني:

وفي أغنية “رقصة عمر” للشاعرة دارين شبير، يعود كاظم إلى اللوم والعتاب، ويقص بالتفصيل تضحياته كعاشق، مقابل خيانة المعشوقة.

آه على جرح برعتِ بِوَشمِهِ آه على وجعٍ تركتِ ندوبَه في كلِّ زاويةٍ عشِقتك فيها

آه على جرح برعتِ بِوَشمِهِ آه على وجعٍ تركتِ ندوبَه في كلِّ زاويةٍ عشِقتك فيها

يا رقصةَ العمر التي أهفو لها يا قصة العشق التي أفنيت عمري كله أرويها

يا رقصةَ العمر التي أهفو لها يا قصة العشق التي أفنيت عمري جاهداً أرويها

ويمنح اللحن المميز للأغنية مساحات الآهات التي يجيد كاظم تنغيمها، كما لو كانت سلما موسيقيا خاصا لصوته.

وفي أغنية “لا تظلميه” للشاعر كريم العراقي، يجد المستمع افتتاحية إيقاعية واستمرار الطبلة في الخلفية، فكأنه افتتح بما يشبه “الزار” المصري الذي كان يقام قديما لطرد الأرواح الشريرة، ومن ثم يبدأ إنشادا يستدعي ذكريات الحب وجنونه لعلها تتوقف عن ظلمه.

مقهى المحبين مقهانا ويعرفنا وشارع الحب أزهاراً ملأناه

في كل شبر لنا ذكرى وأغنية لا شعر للحب إلا قد حفِظناهُ

كم ارتجفتِ وأخفاكِ بمعطفه ولملمتكِ بدفء الأم كفاهُ

تراني أحبك؟

في أغنية “تراني أحبك”، التي كتبها الشاعر نزار قباني، يطرح كاظم السؤال بشكل مفاجئ بعد مجموعة أغاني مفعمة بالغرام والهجر والغدر والوفاء، لكنه لا يصمد كثيرا، إذ يبدو السؤال ساخرا، خاصة أنه حين يسأل قلبه، فإنه يضحك منه ساخرا.

سؤال يدوخ المغرم به إلى أن يضيق فؤادي

ألح وأرجو أستفهم فيهمس لي.. أنت تعشقها

وفي أغنية “لا ترحلوا” يرفض العاشق رحيل الأحباء، ويصور بالموسيقى المغرقة في الميلودراما وبالكلمات كيف تصبح الروح خاوية، والبيت أيضا.

أحتاجُكم دوما معي كضحكتي كَضحكتي كأدمعي

لا ترحلوا.. لا ترحلوا

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *