تحضر في معظم التوقعات لمن سيفوز بجائزة نوبل للآداب هذا العام أسماء الأديبة الروسية المعارضة للكرملين ليودميلا أوليتسكايا برواياتها الملحمية على طريقة الأميركي صاحب “عناقيد الغضب” جون ستاينبك، وقد يكون ضمن المرشحين المحتملين الكاتب البريطاني سلمان رشدي.
لكن الأكاديمية السويدية قد تختار أيضا منح الجائزة لكاتب أقل جماهيرية، كالكاتبة الصينية كان شويه.
جدل التسييس
وترى رئيسة القسم الثقافي في صحيفة “سفينسكا داغبلاديت” السويدية ليزا إيرينيوس أن من شأن اختيار أوليتسكايا -لو حصل- أن يثبت أن “الأدب يبقى في منأى عن السياسة” من خلال تسليط الضوء على الأدب الروسي رغم الحرب في أوكرانيا.
أما بيورن فيمان من صحيفة “داغنس نيهيتر” السويدية فرأى بالمقابل أنها فرصة لمكافأة مؤلفة تعيش في ألمانيا وتقف في وجه السلطة الروسية، مما سيشكل “رسالة سياسية جدا” من الأكاديمية، بحسب قوله.
ومع أن فيمان لاحظ أن للسيرة الذاتية للأميركية الأنتيغوية (نسبة إلى أنتيغوا وباربودا أحد بلدان الكاريبي) جامايكا كينكايد فرصا في نيل الجائزة فقد قال إنه سيكون سعيدا في حال حصول سلمان رشدي عليها، رغم أن ذلك الفوز يتوقع أن يغضب كثيرا من منتقدي رشدي المتهم بإساءته للإسلام وإهانة مقدسات المسلمين.
ولم تشجب الأكاديمية السويدية إلا عام 2016 الفتوى الإيرانية التي أهدرت دم رشدي -مؤلف رواية “آيات شيطانية”- من منطلق حرصها على الحياد، مما أثار استياء عدد من أعضائها.
ويرفض نقاد مثل دانيال أوجورمان أستاذ الأدب الإنجليزي في جامعة أكسفورد تأطير حادثة رشدي ضمن ثنائية حرية التعبير والأصولية، محذرا مما سماها “أصولية حرية التعبير” التي تؤدي لزيادة التمييز ضد المسلمين.
وتحاول الأكاديمية السويدية إعادة تلميع صورتها منذ فضيحة جنسية هزتها عام 2018، والجدل الذي أعقبها بشأن منح الجائزة للكاتب النمساوي من أصل صربي بيتر هاندكه، بسبب دفاعه عن الصرب خلال حروب التسعينيات في البلقان وإنكاره مجازر الحرب.
والعام الماضي، فازت بالجائزة الروائية الفرنسية آني إرنو عن أعمال تروي تحرر امرأة ذات أصول متواضعة أصبحت رغما عنها أيقونة نسوية.
ومُنحت الجائزة في 2021 للروائي البريطاني من أصل تنزاني عبد الرزاق غورنا الذي تركز أعماله على محنة اللاجئين وعلى الاستعمار والعنصرية.
ولاحظت كارين فرانتزن أستاذة الأدب في جامعة ستوكهولم أن “وعيا أكبر تكوّن في السنوات الأخيرة بشأن عدم جواز الاستمرار في التركيز على أوروبا، والحاجة إلى قدر أكبر من المساواة، وضرورة أن تعبر الجائزة عن عصرها”.
نقد مستمر
وينسجم ذلك مع التشكيلة الجديدة للأكاديمية التي جددت نحو نصف أعضائها منذ منح جائزة نوبل لهاندكه، على ما أكد رئيس تحرير القسم الثقافي في صحيفة “داغنس نيهيتر”، مشيرا إلى أنها “غيرت صورتها”.
ولا يتردد كثيرون من أعضاء الأكاديمية من مؤلفين وفلاسفة وأساتذة في مواجهة النقد، ويشاركون بشكل كبير في النقاش المجتمعي، وينظمون مؤتمرات عن حرية التعبير والمساواة، وينشرون مقالات في الصحافة السويدية.
وذكّر بيورن فيمان بأن “تصور ذلك لم يكن ممكنا قبل خمس سنوات”، فالعضوة الـ15 في الأكاديمية الشاعرة الإيرانية جيلا مساعد اتخذت مثلا موقفا ضد النظام الإيراني، مشيدة بالجودة الأدبية لأعمال الشاعر السوري أدونيس المطروح اسمه لجائزة نوبل منذ أكثر من عشر سنوات.
لكن الصحفية الأدبية في الإذاعة الوطنية السويدية لينا كالمتيغ أقرت بأن “من الصعوبة بمكان التكهن سلفا بكيفية تفكير أعضاء الأكاديمية”.
وفي توقعات النقاد أيضا كتّاب آخرون “عاديون” تطرح أسماؤهم باستمرار للفوز بجائزة نوبل، كالروماني ميرسيا كيرتاريسكو والمجريين بيتر ناداش ولاشلو كراشناهوركاي، والفرنسيين ميشال ويلبك وماريز كونديه.
لكن هذه الطريقة التقليدية في التنبؤ بجائزة نوبل للآداب لم تعد تصلح.
وقال رئيس تحرير القسم الثقافي في صحيفة “إكسبرسن” الشعبية فيكتور مالم “نظرا لوعد الأكاديمية بالانفتاح على مناطق جغرافية أخرى أخشى أننا لن نمتلك في نهاية المطاف المعرفة اللازمة للتخمين جيدا، حتى مع الحصول على درجة الدكتوراه في الأدب”، ويرجح مالم فوز أحد النرويجيين يون فوسيه أو داغ سولشتاد هذه السنة.
وللوفاء بوعدها تستشير الأكاديمية السويدية خبراء خارجيين بغية التمكن من تكوين فهم دقيق للمؤلفات الآتية من خلفيات أخرى.
وفي غضون ذلك، تحكي الأرقام قصة مختلفة، فمنذ إنشاء الجائزة نالت 17 امرأة فحسب اللقب الأدبي المرموق من أصل إجمالي الفائزين به البالغ 119، وأعطيت الجائزة لـ16 فرنسيا، ولواحد فقط يكتب بالعربية هو المصري نجيب محفوظ عام 1988.
أسماء متوقعة
ومنذ الهزة التي أحدثتها فضيحة الفرنسي جان-كلود أرنو زوج عضوة الأكاديمية الشاعرة كاتارينا فروستنسون، والاضطرار إلى تأجيل الإعلان عن جائزة 2018 لمدة سنة فازت بالجائزة امرأتان هما البولندية أولغا توكارتشوك ثم الأميركية لويز غلوك.
وتشكل هذه الغلبة النسائية الأعوام الأخيرة مدعاة تفاؤل للمؤلفات المتداولة أسماؤهن كمؤهلات للفوز، ومنهن الأميركية جويس كارول أوتس والفرنسية ماريز كوندي والكندية مارغريت أتوود.
ومن الأسماء المتداولة دائما لهذا العام الكيني نغوغي واثيونغو، والمجري لازلو كراسزناوركي، والأميركيون توماس بينشون ودون ديليلو وجويس كارول أوتس، والفرنسي المغربي طاهر بن جلون، والكرواتية دوبرافكا أوغريسيتش، والياباني هاروكي موراكامي، والفرنسي ميشيل ويلبيك.
ومن المرشحين الآخرين النرويجيان جون فوس وكارل أوف كناوسغارد اللذان قد يعيد فوز أي منهما -إذا حدث- نوبل إلى مهدها الإسكندنافي بعد أكثر من 10 سنوات على منح جائزة الأدب للسويدي توماس ترانسترومر.
ويرى الأكاديمي الأميركي بروتون فيلدمان في كتابه النقدي “جائزة نوبل.. تاريخ العبقرية والجدال والحظوة” أن “الجائزة تُرى على نطاق واسع بوصفها سياسية، أي جائزة نوبل للسلام متنكرة في قناع أدبي”.
وكان السكرتير الدائم للأكاديمية السويدية هوراس إنغدل أعلن عام 2009 أن “أوروبا لا تزال مركز العالم الأدبي”، وأن “الولايات المتحدة معزولة للغاية، ولا تترجم بشكل كاف ولا تشارك حقا في الحوار الكبير للأدب”.
وفي هذا السياق، شكك الروائي والأكاديمي البريطاني تيم باركس في أن يكون أعضاء اللجنة السويديون في الأغلب قادرين على تذوق الشعر الإندونيسي مثلا أو الأدب الأفريقي.
وانتقد باركس في مقال سابق أعضاء الأكاديمية، وقال إنه يشك في أنهم قادرون على تحديد أعظم الروائيين والشعراء على الساحة الدولية، مشيرا إلى انحيازهم للثقافة الإسكندنافية، حيث فاز 16 أديبا من أصول إسكندنافية بالجائزة العالمية من أصل 113 منذ إطلاقها وحتى عام 2016.
المصدر : الجزيرة + وكالات + الصحافة السويدية + الصحافة الفرنسية + مواقع إلكترونية