المفكر محمد سليم العوا: طوفان الأقصى محرك للشعوب والمجتمعات تغيرت نظرتها للقيم الغربية

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 11 دقيقة للقراءة

يرى المفكر الإسلامي الكبير محمد سليم العوا أن نوافذ العالم العربي، لا سيما شبابه، قد انفتحت على حقل المقاومة الذي تتجه ثماره كلها نحو استعادة الحق الفلسطيني السليب، بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ويعدّ العوا في حواره مع الجزيرة نت أن كثيرا من القوى الفاعلة في المجتمعات العربية قد تغيرت نظرتها إلى القيم الغربية تطبيقا، “وتأكدت أنها مجرد شعارات للتصدير، أو على الأكثر للاستهلاك المحلي في بلادهم، لكن إعمالها في أي شأن يخص العرب أو المسلمين أو الأفارقة أو الأسيويين بصرف النظر عن ديانتهم، أمر دونه خرط القتاد”.

والعوا مفكر إسلامي وفقيه قانوني مصري، وُلد في 1942. وهو الأمين العام السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورئيس جمعية مصر للثقافة والحوار، وعضو مؤسس بالفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي، وحصل على دكتوراه الفلسفة في القانون المقارن من جامعة لندن في 1972، وكتب العديد من المقالات في المجلات العلمية والدينية والثقافية والصحف، وشارك في العديد من المؤتمرات والندوات العلمية القانونية والإسلامية والتربوية في مختلف أنحاء العالم.

شغل العوا منصب وكيل النائب العام المصري وعُيّن محاميا بهيئة قضايا الدولة بمصر، وعمل أستاذا للقانون والفقه الإسلامي في عدد من الجامعات العربية، وهو عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي بمنظمة المؤتمر الإسلامي، فإلى الحوار:

  • ما دلالات طوفان الأقصى في حياة وواقع البلدان العربية عامة وفلسطين المحتلة خاصة؟

إن طوفان الأقصى محرك جديد فعال للشعوب العربية والإسلامية، وبوجه خاص للشعب الفلسطيني العريق بعد فترة ركود طويلة، وكأنه يقول إننا قادرون على مواجهة العدو الصهيوني، وإلحاق أكبر الخسائر به حتى يرحل مكرها عن أرضنا المحتلة ليعود الحق لأصحابه.

وهذه الدلالة وحدها كافية للاحتفاء بطوفان الأقصى، وإكبار المجاهدين الأبطال الذين خططوا له ونفذوه باقتدار، ولدفع الآباء والمهات في الأمة كلها إلى نظرة جديدة في تربية الأبناء والبنات على مبادئ الحق والعدل والقوة وتقديس الحرية.

  • لماذا أعرب مفكرون ومثقفون وعلماء دين عرب عن استعدادهم للمشاركة في طوفان الأقصى وقتال الاحتلال الإسرائيلي؟ هل تفضيلهم خيار المقاومة العسكرية يعني فقدان الأمل في المشروعات الفكرية والسياسية في العالم العربي؟

أعتقد أن المفكرين والمثقفين وعلماء الدين في العالم العربي كله فاقدون منذ زمن بعيد، ربما عقب اتفاقيات كامب ديفيد مباشرة، لأي أمل في مشروع فكري أو سياسي لحل القضية الفلسطينية.

فكان طوفان الأقصى نافذة ضوء جديدة، جعلت عددا مقدرا منهم يعلن استعداده للمشاركة في طوفان الأقصى، وقتال المحتل الصهيوني.

جاء طوفان الأقصى ليضع حدا للأوهام المتعلقة بعملية السلام، وبالعلاقات الطبيعية بين الصهيوني المحتل وبين العرب جميعا، مسلميهم ومسيحييهم.

وفي تقديري أن الأمة العربية ما كان لها منذ البدء أن تتخلى عن خيار المقاومة المسلحة في مواجهتها العدو الصهيوني، الذي لا يفهم إلا لغة القوة، ولا يفي بعهد، ولا يحترم اتفاقا، وقد جاء طوفان الأقصى ليضع حدا للأوهام المتعلقة بعملية السلام، وبالعلاقات الطبيعية بين الصهيوني المحتل وبين العرب جميعا، مسلميهم ومسيحييهم.

  • يرى بعض المفكرين أن طوفان الأقصى كشف تضارب المصالح بين “محور المقاومة” والمقاومة الفلسطينية خاصة.. هل يمكن أن يواجه العالم العربي الوحدة السياسية والعسكرية لبلدان الغرب دون أحد مكونات المنطقة العربية؟

إنني أرى عكس ذلك، فإن طوفان الأقصى قد صنع تقاربا هائلا بين محور المقاومة في المنطقة كلها وبين المقاومة الفلسطينية بوجه خاص. ولا شك عندي في أن القائمين على أمر المقاومة يدركون تمام الإدراك أهمية الوحدة السياسية والعسكرية، وقبلهما الوحدة الفكرية، للشعوب العربية وأقطارها؛ لأننا بغير هذه الوحدة نعجز، لا عن مقاومة الغرب وحده، بل حتى عن مقاومة العدو الصهيوني على تفرُّقه وذعره من فكرة المقاومة نفسها.

طوفان الأقصى صنع تقاربا هائلا بين محور المقاومة في المنطقة كلها وبين المقاومة الفلسطينية بوجه خاص. ولا شك عندي في أن القائمين على أمر المقاومة يدركون تمام الإدراك أهمية الوحدة السياسية والعسكرية، وقبلهما الوحدة الفكرية، للشعوب العربية.

  • هل فتحت “طوفان الأقصى” مرحلة ثقافية ووجودية وسياسية جديدة؟ ما ملامح تلك المرحلة؟ وما أهم ركائزها ومجالاتها؟

طوفان الأقصى فتح نوافذ العالم العربي، لا سيما شبابه، على الحقل الخصيب، أعني حقل المقاومة الذي ثماره كلها تتجه نحو استعادة الحق الفلسطيني السليب واستعادة الكرامة العربية التي أهدرت منذ قيام الدولة الصهيونية -بل قبل قيامها- واستمرت مهدرة إلى يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث رأى العرب -كما رأى العاالم- أن قهر العدو ممكن وأن مواجهته بغير جيوش نظامية تكبده خسائر فادحة لا قِبل له باحتمالها، ومجرد وجود هذه الحقائق في أذهان الشباب العربي، يفتح الأبواب لمرحلة ثقافية وسياسية، بل ووجودية جديدة، أهم ملامحها الشعور بالقدرة على المواجهة، وبالقوة في مواجهة الطغيان، وبجدوى المقاومة الفكرية والثقافية والسياسية، فضلا عن المقاومة العسكرية في الحصول على الحقوق المسلوبة، بما فيها الحق في استعادة الأوطان المحتلة.

رأى العرب -كما رأى العاالم- أن قهر العدو ممكن وأن مواجهته بغير جيوش نظامية تكبده خسائر فادحة لا قِبل له باحتمالها، ومجرد وجود هذه الحقائق في أذهان الشباب العربي، يفتح الأبواب لمرحلة ثقافية وسياسية، بل ووجودية جديدة.

  • قبل طوفان الأقصى، كان العالم العربي محاصرا بالنموذج السياسي الغربي وما فيه من قيم غربية، هل اتضحت الرؤية للعرب، حكاما وشعوبا وأحزابا ومنظمات مدنية؟

أظن أن الرؤية لم تتضح بعد، لا سيما للحكام والمنظمات الرسمية، أما الشعوب والأحزاب والمنظمات المدنية فليست على قلب رجل واحد، بل منها من أفاده درس الطوفان فأدرك أن الغرب كله يناصر العدوان الصهيوني تحت أي ظرف كان، بل ويزوّده بالأسلحة والذخائر والقوات المسلحة (السفن والطائرات) مجانا وبلا أي مقابل، أملا في أن يتمكن من إلحاق هزيمة ساحقة بالمقاومة الفلسطينية الباسلة، تُبقي الأمة العربية كلها تحت سيطرة الغرب قرنا أو قرنين آخرين من الزمان.

كثيرا من القوى الفاعلة في المجتمعات العربية قد تغيرت نظرتها إلى القيم الغربية تطبيقا، وتأكدت أنها مجرد شعارات للتصدير، أو على الأكثر للاستهلاك المحلي في بلادهم.

والذي أراه أن كثيرا من القوى الفاعلة في المجتمعات العربية قد تغيرت نظرتها إلى القيم الغربية تطبيقا، وتأكدت أنها مجرد شعارات للتصدير، أو على الأكثر للاستهلاك المحلي في بلادهم، لكن إعمالها في أي شأن يخص العرب أو المسلمين أو الأفارقة أو الأسيويين بصرف النظر عن ديانتهم، أمر دونه خرط القتاد.

  • رغم الإبادة التي يتعرض لها شعب فلسطين المحاصر منذ عقود، فإنه لا يزال يرى في خيار المقاومة نهجا للتحرر وفق آخر استطلاع رأي. إلى أين تتجه قضية فلسطين بعد معركة طوفان الأقصى؟

قضية فلسطين بعد طوفان اللأقصى غير قضية فلسطين قبله.

طوفان الأقصى هو المرة الأولى منذ بدء الاستيطان الصهيوني في أرض فلسطين في الربع الأول من القرن الماضي، التي يبدأ فيها المغلوبون على أمرهم، السليبة أراضيهم، في مواجهة الغاصب المحتل بقوة السلاح.

لقد كانت جميع المعارك السابقة بين أصحاب الحق والمغتصبين الصهاينة تبدأ بعدوان من جانب الأخيرين، يحاول الأولون إيقافه دون أن يبلغ كامل أهدافه، ولا يستثنى من ذلك إلا حرب رمضان 1393هـ ، أكتوبر/تشرين الأول 1973م، وإن كانت هي الأخرى ردا لفعل الاحتلال الذي استولى على أرض سيناء كاملة قبل 6 سنوات من معركة رمضان.

“طوفان الأقصى” الخطوة الأولى في حرب تحرير ستنتهي إن شاء الله بإعادة الحق إلى أهله والأرض إلى أصحابها الأصليين.

أما معركة طوفان الأقصى فهي معركتنا، نحن بدأناها، ونحن مستمرون فيها، وهي الخطوة الأولى في حرب تحرير ستنتهي إن شاء الله بإعادة الحق إلى أهله والأرض إلى أصحابها الأصليين، أما التضحيات التي يقدمها أهلنا في فلسطين فهذه هي ضريبة التحرر، ونحن وهم مؤمنون بصدق قول الله تبارك وتعالى: ((قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ))، [التوبة14]، وكذلك بصدق قول النبي ﷺ “….لا سَواءَ:  قَتلانا في الجنَّةِ وقتلاكُم في النَّارِ”.

والشعب الفلسطيني، نساؤه يزغردن عند ارتقاء أحد أبنائهم شهيدًا، نعم.. يسود الحزن لفراق الشهداء لكنه شعب لا يستسلم، ولا يتوقف عن ضخ دماء جديدة كل ساعة في شرايين المقاومة المستمرة، إن شاء الله تعالى، إلى أن ينتصر الحق وأهله وينهزم الباطل.

  • هل دخل الاحتلال الإسرائيلي فعلا وداعمه من الدول الغربية لعنة “العقد الثامن”؟

لعنة “العقد الثامن” مفهوم تاريخي أحياه الشيخ المجاهد مؤسس المقاومة الفلسطينية الشيخ أحمد ياسين، ونحن نؤمن بما آمن به الشيخ أحمد ياسين، ونتوقع حدوثه، لكنه لن يحدث وحده، وإنما لا بد من أسباب تقود إليه وأول هذه الأسباب استمرار المقاومة المسلحة، وتطوير أساليبها، وتوسيع نطاقها حتى تشتعل الأرض تحت أقدام الصهاينة نارا، ثم لا يجدوا لهم من دون الله أنصارا.

رأى المطبّعون نتائج علاقاتهم مع العدو الصهيوني وأنها لم تجلب لأحد خيرا قط، بل جلبت لهم نقمة الناس وكراهيتهم، وهي لم تحقق لهم أي مصلحة سياسية أو اقتصادية، بل جعلتهم في النهاية أجزاء من رحى قطبها العدو الصهيوني، وهو المتحكم فيها، الذي لا يهتم إلا بمصالحه الذاتية، ويتخذ من الشعوب التي طبّعت حكوماتها معه مجالات للتوسع الاقتصادي والثقافي والفكري، أملا في محو الفكرة الإسلامية، والشخصية العربية.

  • ما المسار السياسي الذي دخل إليه العالم العربي؟ هل يتوقف قطار التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي نهائيا أو سيتمر في طريقه نحو دول عربية أخرى؟

لا فرق عندي بين توقف قطار التطبيع أو استمراره. ولا أزال أومن تماما بصدق مقولة صديقنا الجليل العلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين: “للحكومات ضروراتها، وللشعوب خياراتها”.

وقد رأى المطبّعون نتائج علاقاتهم مع العدو الصهيوني وأنها لم تجلب لأحد خيرا قط، بل جلبت لهم نقمة الناس وكراهيتهم، وهي لم تحقق لهم أي مصلحة سياسية أو اقتصادية، بل جعلتهم في النهاية أجزاء من رحى قطبها العدو الصهيوني، وهو المتحكم فيها، الذي لا يهتم إلا بمصالحه الذاتية، ويتخذ من الشعوب التي طبّعت حكوماتها معه مجالات للتوسع الاقتصادي والثقافي والفكري، أملا في محو الفكرة الإسلامية، والشخصية العربية، والقضاء على كل احتمال مستقبلي لنشوء مقاومة مسلحة تقضي عليه، أو حتى تصيبه بأضرار فادحة، بل ولو اقتصرت على أن تقضّ مضاجعه.

لكننا نؤمن أن الله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. ونوقن أن النصر آتٍ في الموعد الذي قدّره رب العالمين. ((وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا))، [الإسراء: 51].

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *