الكاتب الساخر كامل النصيرات: مجتمعاتنا لم تخلق مثقفا حرا تنتظره الجماهير

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 11 دقيقة للقراءة

عمّان- اشتهر الكاتب الأردني كامل النصيرات الذي يلقب بـ”شيخ الساخرين” بكتابته لمسلسلات منها “يوميات أبو الرائد”، و”كل يوم حكاية”، ومسرحيتان هما “لا شرقية ولا غربية”و “انتحار رئيس الوزراء..لوين رايحين”، وأعماله الساخرة مثل “نكشة راس ع الأصلي”.

ويتمثل الأدب الساخر الأردني، في الروايات والمسرحيات ومواقع التواصل الإجتماعي، ففي أزمة “كورونا” قال أحد الوزراء باللهجة المحكية “بنشف لحاله وبموت” فعلقت في أذهان الأردنيين وما زالوا يرددونها بسخرية على أي حدث أو موقف.

وفي حواره للجزيرة نت، قال كامل النصيرات إن الكتابة الساخرة دون وقاحة ليست سخرية ولا تجوز السخرية المؤدبة في مواجهة الأخطاء وإنصاف المهمشين.

وتابع “على الأدب الساخر أن يكون معارضا يقتحم المسكوت عنه”، ويرى أن الكتابة الساخرة فعل ثوري حقيقي يقود للتغيير ويجب أن يكون كاتبها محاربا فقيرا لدية تجارب صعبة في الكبت والحرمان.

ومن وجهة نظره أن “مجتمعاتنا لم تخلق المثقف الحر الذي تنتظره الجماهير، فهناك غياب حقيقي للمثقف العربي الذي يمتلك رؤية خاصة بينما يتكاثر من يتمسكون بقشور الثقافة وأدعيائها، فإلى الحوار:

  • يوصف الأدب الساخر في الأردن بأنه من أنجح التجارب في وطننا العربي.. بماذا يمتاز برأيك؟

إنها تجربة حديثة لأن عمر الأردن جديد وبالتالي فإن تشكيلة الأدب الساخر تتناسب مع الصراع السياسي والجيوسياسي والآن يوجد الكثير من القوانين تحتاج لمراجعة.. هناك قوانين مكتفة للألسن وكثرة من يتحسسون رؤوسهم وكلما زاد الأدب الساخر إقتربنا من بدايات التغيير.

  • للأدب الساخر رسالة أخلاقية وجمالية والموقف المغاير غالبا ما يكون معارضا للسائد والمهيمن ما تقوقون في ذلك؟

لا أتصور أدبا ساخرا لا يكون معارضا.. السخرية تعني النقد، أنت تسخر من شيء أي تنتقده، فالأدب الساخر يؤشر للخطأ ويكشفه، يتعامل مع المفارقات، يقتحم كل شيء مسكوت عنه ويقدم الأشياء التي يفهمها الناس وتهمهم، يحتال على القوانين ورؤساء التحرير والحكام والمجتمع، بالتالي فمن مهمة الأدب الساخر أن يكون معارضا وإذا وقفوا في وجه الأدب الساخر سيزداد سخرية.

لذلك نتحدث عن قانون الجرائم الإلكترونية الأخير بمزيد من السخرية، وأي أزمة تحدث تخرج النكات التي تحوي أفكارا سياسية، وأنا كاتب سياسي ساخرعندما أصحو يوما وأكتب عن حاوية قمامة فإذا لم تتضمن إشارات سياسية أشك في نفسي، كل ما أكتبه سياسة حتى لو عن رغيف الخبز.

  • البعض يرى حالة انفلات في الأدب الساخر ما دامت الكتابة الساخرة توصف بأنها جنس أدبي ما رأيكم؟

أنا مع الانفلات والقانون في الوقت ذاته، مع الشتيمة لكن أن تتحمل نتيجتها، لا أتصور أن تكون هناك حرية دون أن تكون هناك عثرات في الطريق، يجب أن يشتم الناس ويرتكبوا الخطايا والمعاصي بوجود قانون، من أراد أن يرتكب جريمة فالقانون بالمرصاد وبالتالي يجب أن يكون متوازيا مع حجم الخطأ. وإذا كانت العقوبة أكبر من الجرم فلن تكون هناك حرية ولن نصل إليها إلا إذا وقع الناس في الخطأ.

فكيف نستطيع الحصول على الحرية دون تجربة تكون مليئة بالأخطاء وكيف نستطيع أن نضع الكثير من القوانين دون أن نرتكب المعاصي!.. على الناس أن يشتموا بحرية ويعاقبوا بحرية أيضا.. أضع الحرية في كل شيء وأضع العقاب في المقابل.

لا أريد ولوج ما يسمى الحرية المسؤولة، فهم ليسوا واعظين ولا نعيش في جوقة خطب، الناس لا تستمع للمواعظ، بل يتطورون مع التجربة، دع الناس تشتم، دع الناس تخطئ وضع قوانين مدنية حقيقية تسمح للناس أن يكيفوا أنفسهم للوصول إلى مجتمع مدني حقيقي.

  • أنت من داخل المطبخ الساخر.. هل تلمس تقليدا لتجارب عربية في هذا المجال؟

أنا لا أقلد أحدا ولي أسلوبي الخاص المعروف للقراء حتى ولو لم يكن ممهورا باسمي وأحيانا أستشهد ببعض الجمل المصرية لكن تجربتي الخاصة أعتقد أنها فريدة، فلا أراجع مقالتي عندما أفرغ منها “أخاف من مراجعتها” لأنني لو فعلت لحدث تغيير لبعض العبارات وفقدت الكثير من قيمتها.

  • توصف الكتابة الساخرة بأنها شعبية.. فما حجم التفاعل الجماهيري وسط ثقافة استهلاكية وحالة عوز؟

هذه حقيقة أن الكتابة الساخرة شعبية لأنها تعبرعن كبت سياسي، فدائما أقول إن من مواصفات الكاتب الساخر أن يكون محاربا فقيرا عركته تجارب كبيرة من الكبت والحرمان، لا أتوقع من كاتب ساخر يملك سيارة فارهة ورصيدا في البنك ولا يعاني من أي مشكلة أن يكتب عن الفقراء بطريقة ساخرة، أو يستطيع أن يستحضر نكتة.

ففي مؤتمر عن السخرية كنت وزملائي طرح الجمهور سؤالا “لماذا تكون كتابتكم الساخرة أقرب إلى الناس؟” فكان جوابي أن السؤال خطأ، أنا لست أقرب إلى الناس لأن هذا يعني وجود مسافة معهم، أنا الناس فلا يوجد مسافة، أكتب عني بما يتقاطع مع الآخرين، وهم يتقاطعون معي، أنا أكتب عني.

  • البعض يرى أن الكتابة الساخرة مجرد دعابة سوداء أو تنكيت أو ما يطلق عليه رحمة الضحك ما رأيكم؟

أرى أن الكتابة الساخرة لا تقتصر على واحدة ممّا ذكرت، فلا يمكن أن تكون الكتابة الساخرة تهريجا أو ضحكة وسط الألم أو مجرد تنفيس، رغم أنني أحمل مشروعا متلفزا بهذا العنوان الذي يصنع انفجارا في لحظة مفارقة ثورية، فعندما حدثت الثورات العربية في الربيع العربي استحضرت كل المقامات الساخرة، حضر الشيخ إمام وأحمد رجب وأحمد فؤاد نجم ومحمود السعدني ودريد لحام في مسرحياته، واستخدمت طروحاتهم في الميادين.

فالسخرية فعل ثوري حقيقي لأنها تشير إلى الخطأ كي يتغير لكن ليس بطريقة الوعظ التي أثبتت فشلها ولا تستطيع أن تغير مجتمعا بخطاب ديني لا شأن لي به بل يهم الباحثين عن الجنة والابتعاد عن النار.

الكتابة الساخرة فعل ثوري حقيقي في المجتمعات العربية عامة وليس في الأردن فقط ولهذا سيكون هناك ربيع عربي ثان قاس جدا وستكون السخرية مدماك البناء في الربيع القادم.

  • هل تقصد أن للكتابة الساخرة دورا إصلاحيا في المرحلة المقبلة؟

لا أملك ككاتب سلطة تنفيذية، ولست جهة إصلاحية فدوري يقتصر على اكتشاف الخطأ أو الإشارة له ولفت النظر إليه، علينا أن نتكافل في رحلة البحث عن الصواب وليس مطلوبا أن أجد البديل.

  • في واحدة من مشاركاتك الثقافية تقول “السخرية دون نقد ليست سخرية” فهل لديك مواصفات معينة للكتابة الساخرة الناجحة المؤثرة؟

السخرية دون الوقاحة ليست سخرية، يجب أن يكون الساخر وقحا، أما السخرية المؤدبة فلا تجوز، لهذا أقول إنها فعل ثوري وخاصة عندما يكون الكاتب مسؤولا عمّا يكتب وهناك من ينتظر رأيه فلا مناص من السخرية الوقحة في مواجهة الأخطاء حتى يكون مؤثرا في تغيير الآراء أو تثبيتها.

من أجل هذا لا أدعى للمناسبات الرسمية أو المؤتمرات أو مناسبات الوطن، ولا يتم دعوة من يتبنون قضايا الناس وهمومهم وتطلعاتهم، الأداء الرسمي ما يزال دون المستوى المطلوب وغالبية ما تقوم به الحكومة يقابل بالتشكيك رغم أن موقف الأردن تجاه المقاومة في غزة متقدم على الكثير من الدول العربية، فلماذا؟ لأن من يروج لها لا ينظر للناس المحرومين.

  • *لديك اعتزار غير طبيعي بالقرية “الكرامة” رغم أنك مولود في مخيم البقعة، حيث ترعرعت وترفض أن تكون (مدينيا)، ماذا أعطتك القرية وحرمتك منه المدينة؟

عشت في الكرامة “غور الأردن” ودرست هناك وما زلت أعيش فالقرية تمتاز بكل الأشياء الجميلة التي تصنع الوجدان الحقيقي أما المدينة “عمّان” فكانت أمنيتي أن أتحدث مع واحد من الجيران فلا أحد يرمي عليّ السلام، سكان عمارة واحدة لا يعرفون بعضهم.

فالعاصمة عمّان ليست 7 جبال بل 8، الثامن هو جبل “الفلوس أو المصاري” واذا لم يكن لديك مال وفير لا تستطيع أن تعيش غير ذليل في عمّان لأن الذليل أينما تواجد يعاني غربتين “غربة الحاجة وغربة الوجوه” لذلك لا أستطيع التماهي مع مجتمع عمّان “أنا في العاصمة ذليل وسأبقى في القرية ولها”.

  • بعد أن غزا الوقار الوجه والرأس عدت للدراسة وأصبحت “سنفورا” في السنة الأولى الجامعية.. ماذا وراء هذا القرار؟

قبل الخوض في الإجابة أود توضيح أن كلمة ” سنفور” تطلق على طلبة السنة الجامعية الأولى لذلك أقول إنني سجنت لأسباب سياسية قبل امتحان الثانوية العامة بـ3 أيام ولم يسمح المدعي العام بتأجيل تنفيذ الحكم ريثما أنتهي من الامتحانات بل كان رده “ادع ربك أن يخلصك.. سيبك من القراية”.

وبعد 30 سنة ونيف قررت بإلحاح من زوجتي القاصة هديل الرحامنة وتشجيعها خوض ماراثون الثانوية العامة بالاستعانة بكتب وملخصات ابنتي بغداد، دون معرفتها، مدعيا أن الكتب لصديق، والغريب أنني حصلت على معدل أعلى منها وقبلت بكلية العلوم السياسية في الجامعة الأردنية بالتنافس وزملائي ينادونني “بعمو” وبعضهم يعتقدون أنني مدرس التخصص.

بغداد تقدم للثانوية في عمّان وأنا أقدم في الكرامة بغور الأردن، قريتي، وفي جو من الكتمان نجحنا معا والتحقنا بالجامعة.

والملاحظ أن عددا كبيرا من الأصدقاء من كبار السن ممّن فاتهم قطار التعليم يفكرون بالعودة للمدرسة بعد ما علموا بقراري والآن أكتب مذكراتي بعنوان “يوميات بابا سنفور”.

  • الثقافة في مرحلة الحرب مقاومة، من وجهة نظرك ما دور المثقفين تجاه غزة؟

أريد القول وليتحملني من يقرأ هذا الكلام، أتكلم عن المثقف الحقيقي وليس المقلد أو الذي يتابع المانشيتات أوالعناوين من وسائل التواصل الاجتماعي ونشرات الأخبار ويرددها ويدافع عنها..

المثقف العضوي هو الذي يمتلك وجهة نظر حتى ولو كانت قاسية، هناك غياب حقيقي للمثقف العربي وسط هذه الأجواء، الثقافة في خطر، والمثفف يطرح نفسه الآن إما مع المقاومة أو ضدها أو متخوف من طرح رؤيته وهذا خطير جدا.

المثقف يجب أن يمتلك وجهة نظر غير متأثرة بالآخرين كي يستطيع تغيير مفاهيم المجتمع، هناك مثقفو السلطان ومن يتمسكون بقشور الثقافة و”الكلمنجية كثار”.

نحن نفتقد للمثقف المفكرالذي يقود الناس خلفه ويرددون كلامه ويتبنون طروحاته تجاه القضايا المختلفة، مجتمعاتنا لم تخلق المثقف الحر الذي تنتظره الجماهير.

  • “طوفان الأقصى” أحدث يقظة أو صحوة. بصفتك كاتبا تنويريا، ما الذي تراه؟

أستطيع القول إن “طوفان الأقصى” أعاد قضية التحرير لفلسطين وأحياها في الوجدان العربي والعالمي، فطلبة المدارس لم يجدوا قضية فلسطين التاريخية أو فلسطين المقاومة في المناهج فجاء السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وأهدى لأولادنا الأمل وصارت فلسطين قضية الجيل الجديد وكل جرائم الإحتلال التي نبكي عليها يوميا والأشلاء التي نراها تصنع شيئا في الجيل الجديد الذي يقود حرب التحرير.

أتمنى على الأنظمة العربية إعادة فلسطين بكل تألقها وتاريخها إلى المناهج في المدارس والجامعات بطريقة صحيحة وسليمة كخطوة لاجتماع عربي حقيقي يعيد فلسطين لأصحابها. فلسطين تجمع ولا تفرق.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *