مع دخول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة حقبة جديدة وتزايد الرفض الدولي لها، تخشى الجامعات الإسرائيلية أن تكون ضحية لعزلة دولية دخلتها إسرائيل برفضها موقف معظم بلدان العالم المطالبة بوقف إطلاق النار بشكل فوري وإنهاء القتال.
ويقول تقرير لصحيفة “ذا ماركر” الاقتصادية الإسرائيلية أن العقلية المناهضة لإسرائيل في الجامعات الأميركية تمنع دعوة الباحثين الإسرائيليين إلى المؤتمرات الأكاديمية والحصول على التمويل لأبحاثهم. كما أنها قد تضر بالنشاط الأكاديمي في إسرائيل، التي تعتمد على التعاون الدولي.
ونقل التقرير عن باحثين إسرائيليين أنهم شعروا بما أسموه “عداء عام تجاه إسرائيل” في أقسام الجامعات الأميركية، وحتى في أقسام مثل كليات الطب والعلوم الطبيعية، رغم أن مقاطعة إسرائيل كانت مقتصرة فقط سابقا على أقسام وكليات العلوم الإنسانية والاجتماعية.
ويخشى الباحثون الإسرائيليون أن تؤدي مواقف الأوساط الأكاديمية إلى الإضرار بعملهم في الخارج، ومنعهم من التقدم المهني، بل الإضرار في وقت لاحق بالبحث الأكاديمي في إسرائيل ككل، ويدرك كبار المسؤولين في عالم الأبحاث في إسرائيل بالفعل بدايات هذه الظاهرة التي أدت لنبذ الباحثين الإسرائيليين في العالم الأكاديمي.
مقاطعة سرية
يقول باحث إسرائيلي له علاقات أكاديمية في الخارج، لم تورد الصحيفة الإسرائيلية اسمه، “لقد ثار العالم الأكاديمي والعلمي ضدنا”، وأردف قائلا إن هناك بالفعل حالات لباحثين إسرائيليين أبلغوا من قبل زملائهم في الخارج بإنهاء التعاون معهم، وإن آخرين رفضت نشر مقالاتهم دون تفسير، وهو ما يهدد بـ”تخلف الأبحاث في إسرائيل عن الركب”، بحسب الباحث الإسرائيلي.
وفي السياق، أورد التقرير عن البروفيسورة ريفكا كرمي، رئيسة منظمة “العلم في الخارج” التي تساعد العلماء الإسرائيليين في أنحاء العالم، أن هناك “مقاطعة سرية تشمل رفض قبول منشورات الباحثين الإسرائيليين وتحكيمها، أو رفض عروض حضور مؤتمرات في إسرائيل أو وقف دعوة الباحثين الإسرائيليين”.
وبحسب الصحيفة، فإن نظام التعليم العالي في العالم برمته مبني على التعاون بين الزملاء من مختلف البلدان، وإذا كان هناك مجموعة كبيرة من الباحثين ذوي الأجندة المناهضة لإسرائيل، ومجموعة أخرى منهم يخشون التعبير عن الدعم لإسرائيل، فإن هذا قد يؤثر في الحياة الأكاديمية الإسرائيلية بمجملها، وقالت كرمي إن هذه المقاطعة السرية تعد مصدر قلق كبير لآلاف الباحثين الإسرائيليين في الخارج.
ويواجه الباحثون في إسرائيل أيضا ضررا مهنيا، بحسب الصحيفة، منها العثور على مؤسسة بحثية في الخارج تقبلهم للتدريب الداخلي ونشر مقالات مشتركة مع باحثين في الخارج والكتابة لمجلات رائدة وتقديم طلبات المنح للجامعات الكبرى وحتى تقييم الزملاء من الخارج للترقية في المراتب الأكاديمية.
وتقول البروفيسورة راشيل ألترمان، المحاضرة في مجال تخطيط المدن والقانون في مدينة التخنيون وعضو الأكاديمية الوطنية الإسرائيلية للعلوم، أن فرص قبول الباحثين الإسرائيليين للحصول على درجة الدكتوراه في الخارج انخفضت بنسبة 10%.
وتردف ألترمان أن هذا الوضع لا يضر الشباب فحسب، بل يضر كبار الباحثين الذين يعتقدون أن العلاقات التي اكتسبوها في الماضي ستساعدهم. كما يشعر الباحثون الإسرائيليون أو كبار اليهود الذين يدعمون إسرائيل، ويعملون في الخارج بالتهديد، ويخافون من التحدث والتعبير عن الدعم لإسرائيل.
وتتابع “فجأة لا يتم التعامل مع الباحثين على أساس إنجازاتهم، بل على أساس كونهم إسرائيليين أو يهود. لا أرى كيف يمكن لمجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية أن تتغلب على الوضع الحالي، ولا نستطيع الانتظار حتى تمر هذه الموجة” بحسب تعبيرها.
وأضافت ألترمان “أواجه ظاهرة حركة المقاطعة منذ سنوات، وحتى قبل الحرب كانت هناك حالات رفض نشر مقالات لإسرائيليين في المجلات، لكن هذه الموجة الآن أكثر سوادا من السواد”
وفي إشارة لحركة مقاطعة إسرائيل على المستوى الأكاديمي قالت إنه “على مدى سنوات، تغلغلت حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات “بي دي إس” (BDS) دون عوائق وألحقت الضرر بالباحثين الإسرائيليين، ولكن كان من الصعب إثبات ذلك. واليوم، أصبح الضرر واضحا، رفضت جميع الجمعيات العلمية في مجالات بحثية نشر بيان دعم لإسرائيل، أو نشر بيانا محايدا” بحسب قولها.
وتستمر حرب إسرائيل على غزة لليوم الـ73 حيث خلف قرابة 19 ألف شهيد فلسطيني إلى جانب أكثر من 51 ألف جريح، معظمهم من النساء والأطفال، إلى جانب دمار هائل بالمباني السكنية والمرافق الحيوية والمستشفيات.
ورصد تقرير سابق نشرته الجزيرة نت بعنوان “أمل مفقود وأفق مسدود.. مثقفون إسرائيليون يروون رحلة الهجرة بلا عودة” اختيار العديد من المثقفين والأكاديميين والنشطاء مغادرة إسرائيل، وقرروا الهجرة منها ليختاروا حياة المنفى، بعد أن تعرضوا للمضايقات والإسكات، ولم يعد لديهم من خيار سوى المغادرة وإلى غير رجعة.
“عزلة متزايدة”
من جانبه قال البروفيسور إيتاي هاليفي، من قسم علوم الأرض والكواكب في معهد وايزمان والرئيس الحالي لأكاديمية الشباب الإسرائيلية إن “هناك شعور بالعزلة المتزايدة، إلى جانب الانتقادات وانعدام التعاطف تجاه إسرائيل” بحسب تعبيره.
أما البروفيسور أودي سومر الأكاديمي بكلية العلوم السياسية في جامعة تل أبيب وجامعة مدينة نيويورك، والرئيس السابق لأكاديمية الشباب الإسرائيلية، التي تمثل الباحثين الشباب في إسرائيل وهي جزء من أكاديمية الشباب العالمية التي تعد منظمة دولية أعضاؤها باحثون شباب من جميع أنحاء العالم إن المنظمة تمر الآن بأزمة، في أعقاب ما أسماه “الخطاب المناهض لإسرائيل” الذي بدأ في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وروى سومر أنه “في يوم السبت الأسود/السابع من أكتوبر بدأت محادثة صادمة في مجموعة الواتساب الخاصة بالمنظمة استمرت لعدة أيام، وتضمنت اتهامات خطيرة ضد إسرائيل، دون أي إدانة للعدوان والإرهاب. ولم يستطع عضو إسرائيلي آخر كان في المجموعة أن يتحمل ذلك، وغادر، وأردف “بقيت الإسرائيلي الوحيد في المجموعة، ودخلت في جدالات لعدة أيام مع زملائي من الخارج. ورغم أنني تلقيت رسائل خاصة من باحثين من الخارج يؤيدون موقفي، فإن أحدا منهم لم يجرؤ على التعبير عن رأيه في المنتدى العام” بحسب وصفه.
وتابع سومر “في ذلك الوقت كنت في جامعة مدينة نيويورك، وكانت هناك مظاهرة مناهضة لإسرائيل، مررت بتجربة صعبة. وفي وقت لاحق، حاولت المنظمة صياغة بيان حول ضرورة الحفاظ على الحياد، لكن لم يتم نشره”.
وأردف “هذه منظمة تمثل كبار العلماء الشباب في مجالهم، ولكن تبين أن لديهم نقصا كبيرا في الفهم، وأنهم يتخذون موقفا طفوليا وغير أخلاقي مدفوعا بالجهل وعدم القدرة على التمييز بين الخير والشر” بحسب تعبيره، وأضاف سومر “أساس كل هذا هو وحش معاداة السامية البالغ من العمر 1000 عام، والذي يطل برأسه مرة أخرى بكل قوته”.
وتابع البروفيسور “لقد التقيت بالفعل بباحثين من الخارج قطعوا العلاقات مع إسرائيل ومع الباحثين الإسرائيليين. على المستوى العاطفي الأمر مخيب للآمال، وعلى المستوى المهني الأمر مقلق. وهذا يشكل ضررا خطيرا للباحثين الإسرائيليين. وعلى إسرائيل أن تبني استراتيجية للتعامل مع هذه الأزمة والتنبؤ بالأزمة القادمة”.
ونقلت الصحيفة عن البروفيسور دانييل هيمويتز، رئيس جامعة بن غوريون الإسرائيلية، قوله إن هناك واقعا جديدا يتشكل بالنسبة للإسرائيليين “الذين لم يعتادوا شيئا من هذا القبيل” مشيرا لاستعدادهم لقبول باحثين إسرائيليين يريدون العودة من أميركا وبلدان غربية للجامعات الإسرائيلية بسبب تلك الأوضاع.
ويستدرك “لكن المؤسسات في إسرائيل ليس لديها إمكانية لقبول عدد كبير من الباحثين”.