“الشمس شمسي والعراق عراقي”.. مسيرة ونعي استثنائيان للشاعر كريم العراقي

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 13 دقيقة للقراءة

أثارت وفاة الشاعر كريم العراقي ، فجر الجمعة، حزنا ونعيا عربيا وعراقيا، وأشار الناعون إلى ما خلفه في قلوب العراقيين ومحبيه في العالم العربي، واستدعوا أبياتا من قصائده، بينها قوله:

بيتٌ من الشعر أذهلني بروعتِهَ … توسّدَ القلب مذ أن خطَّه القلمُ
أضحى شِعاري وحفّزني لأُكرِمَهُ … عشرينَ بيتاً لها من مِثلِهِ حِكَمُ
لا تشكُ للناس جرحاً أنت صاحبُهُ … لا يؤلم الجرح إلا من به ألمُ
شَكْوَاكَ لِلنَّاسِ يا ابنَ النَّاسِ مَنْقَصَةٌ … وَمَنْ مِنَ النَّاسِ صَاحٍ مَا بِهِ سَقَمُ

وُلد العراقي في منطقة كرادة مريم بالعاصمة بغداد عام 1955، وبعد أن حصل على شهادة الدبلوم في علم النفس وموسيقى الأطفال تنقل في عدد من الوظائف الحكومية في وزارات التعليم والثقافة ثم الإعلام.

مسيرته الشعرية

يقول الناقد الفني محمد سمير إن العراقي احترف الشعر منذ نعومة أظفاره، وتحديدا في المرحلة الدراسية الابتدائية، بيد أن إبداعه بدا واضحا منذ عام 1973، حين بدأ بكتابة الأشعار الغنائية التي أخذت صيتا كبيرا، إذ غنى له مطربون عراقيون، مثل صلاح عبد الغفور وسعدون جابر ورياض احمد ورضا الخياط وفؤاد سالم وحسين نعمة، ثم جعفر الخفاف في أغنيته الشهيرة “الشمس شمسي والعراق عراقي” التي انتشرت بصورة كبيرة في الأوساط الفنية والشعبية.

ويؤكد سمير -في حديثه للجزيرة نت- أن العراقي قدم قصائد شعرية مغناة لرفيق دربه كاظم الساهر الذي غنى له أكثر من 50 أغنية، بعضها اشتهر في العراق والوطن العربي، فضلا عن عشرات القصائد الغنائية الأخرى لفنانين عراقيين وعرب، مثل أصالة نصري وفضل شاكر وصابر الرباعي وآخرين.

مسيرة مميزة

أما عن سبب انتشار وشهرة القصائد الشعرية لكريم العراقي، فيقول سمير إن البساطة ووضوح اللغة وصدق التعبير والإحساس كان كفيلا بأن تكون جميع قصائد كريم قريبة من القلب، لا سيما أن العراقي لم يكن كاتبا للشعر فقط، بل كان ملقيا له أيضا، ومن ثم، فإن طريقة إلقائه وإيصاله لمعاني القصيدة عبر طبقاته الصوتية أسهما بشكل كبير في الشغف الكبير بقصائده، فضلا عن أن كتابته الشعر كانت بلغة سهلة عميقة المعاني وسهلة الفهم في آن معا، الأمر الذي أسهم في تذوق شعره حتى من البسطاء، وفق قوله.

في السياق، يصف المخرج التلفزيوني والناقد محمد إسماعيل الشاعر الراحل بأنه استحق بجدارة لقب “النهر الثالث” في العراق رفقة نهري دجلة والفرات، وأنه كان على مستوى عال من الإحساس والمشاعر التي يفتقر إليها كثير من الشعراء.

و يضيف إسماعيل -في حديثه للجزيرة نت- أن الراحل أسهم بشكل كبير في إبراز عديد من الفنانين والمطربين بسبب قصائده التي تحولت إلى أغانٍ، معلقا بالقول “كان كريم العراقي يمثل هوية ولسان حال العراق في جميع معاناته، سواء في فترة الحصار الدولي أو ما بعدها، استحق الراحل أن يكون النهر الثالث لبلاد الرافدين، كل حرف كان يكتبه يعبر عن حالة معينة”.

من جهته، يقول الشاعر العراقي خالد اليساري إن كريم العراقي ترك إرثا كبيرا من القصائد الشعبية والفصيحة، إذ إن مسيرته الشعرية بدأت منذ سبعينيات القرن الماضي وصولا إلى قصيدته الشهيرة “أمي يا أم الوفا” التي غناها سعدون جابر والتي امتد تأثيرها لسنوات طويلة، مشيرا إلى أن تعامله مع الفنان العراقي كاظم الساهر أسهم في وصول قصائده لعشرات الملايين.

فراغ برحيله

ويتابع اليساري، في حديثه للجزيرة نت، أن رحيل العراقي سيترك فراغا كبيرا في الساحة الشعرية الغنائية العراقية والعربية، مبينا أنه استطاع نشر اللهجة العراقية على نطاق كبير في البلاد العربية، وأنه كان سفيرا بحق للهجة العراقية، بعد أن كانت محدودة التأثير سماعيا، وفق تعبيره.

أما عن مميزاته، فيقول اليساري إن القصائد الفصيحة للعراقي أثارت جدلا كبيرا بسبب الكسور العروضية ولحنه في اللغة، بيد أن ذلك لم يمنع من أن تكون هذه القصائد “رائعة” في إيقاعها الشعري والغنائي، مبينا أن قصائد الراحل تناولت مختلف الجوانب مثل الحرب وسنوات الحصار الدولي على العراق، إضافة إلى قصائده في الرياضة والغزل والعتاب، وفقا لليساري.

وعن سبب عدم عودته للعراق، يرى محمد إسماعيل أن العراقي كانت له بصمات في العراق، وأن سبب عدم عودته لبلاده كانت بسبب خشيته من تعرضه لمضايقات وتهديدات من جهات عديدة تعرض لها عديد من أقرانه بعيد الاحتلال، فضلا عن الإهمال الحكومي للفنانين والأدباء، موضحا أن من أجمل قصائده التي غناها كانت قصيدة “الشمس شمسي” التي يقول فيها:

الشمس شمسي الشمس شمسي والعراق عراقي
ما غير الدخلاء من أخلاقي
داس الزمان على جميع مشاعري فتفجر الإبداع من أعماقي
أجريت في الصخر العقيم جداول وحملت نور الله في أحداقي
أنا منذ فجر الأرض ألبس خوذتي ووصية الفقراء فوق نطاقي

ويؤكد إسماعيل أن العراقي كان يعاني مرض السرطان في منطقة البطن خلال السنوات العشر الأخيرة، وأنه خضع لعديد من العمليات الجراحية التي أرهقته طيلة السنوات الماضية حتى وفاته أمس في أبو ظبي.

من ناحيته، يقول المخرج السينمائي حسان كلاوي -في حديثه للجزيرة نت- “برحيل الشاعر كريم العراقي، فإن العراقيين خسروا نموذجا كالجواهري والسياب”، مبينا أن تأثيره الكبير كان انطلاقا من نقله لمختلف الأحداث التي مرت بها البلاد في مختلف المراحل والعصور، وأنه استطاع أن يبرز الشعر العراقي من خلال القوافي التي كان يستخدمها في مختلف قصائده.

تفاعل واسع

وتفاعل العراقيون رسميا وشعبيا مع وفاة الشاعر كريم العراقي، إذ نعاه رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، في منشور على موقع التواصل الاجتماعي “إكس” (تويتر سابقا)، فضلا عن نعيه من قبل رئيس البرلمان محمد الحلبوسي ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي أمر بنقل جثمانه ليوارى الثرى في العراق.

أما الصحفي العراقي مروان الجبوري، فقد نشر في حسابه على فيسبوك نعيا للراحل، مبينا فيه أن كريم العراقي أثرى الأغنية العراقية والعربية بقصائد لا تنسى، وأنه يحسب للفقيد أنه لم يتملق سياسيا، أو ينجرف مع تيار الارتزاق والتلوّن، الذي هيمن على فضاء الأدب العراقي بعد 2003.

وقال عارف الساعدي، مستشار رئيس الوزراء للشؤون الثقافية -في منشور عبر صفحته بموقع فيسبوك صباح اليوم- “أنعى لكم الشاعر كريم العراقي الذي رحل فجر هذا اليوم في أحد مستشفيات أبو ظبي”، وذلك عقب رحلة علاجه من مرض السرطان.

وأعرب المعلقون عن حزنهم لوفاة الشاعر – الحائز على جائزة الأمير عبد الله الفيصل العالمية عام 2019- عن عمر ناهز الـ 68 عاما، ورثوه واستذكروا كلماته عبر وسم #كريم_العراقي، التي كان لها بصمة لا تمحى في ذاكرتهم.

غادر كريم العراق إلى تونس مطلع التسعينيات، وتنقل بين عدة بلدان عربية، وعمل محررا فنيا لمجلة فنون العراقية، وكان عضوا بجمعية المؤلفين وناشري الموسيقى العالمية.

وتداول نشطاء أبرز ما علق في ذاكرتهم من أبيات له ومنها “لا تشك للناس جرحا أنت صاحبه”، و”الشمس شمسي والعراق عراقي”، مشيدين بإبداعه ولغته السهلة الممتنعة، وأنه كان شاعرا للوطن والحب.

وأشار معلقون إلى مسيرته المهنية مع الفنان كاظم الساهر ورفقته له، إذ استمرت الرحلة منذ العام 1987 وحتى  وفاته، وكانت الانطلاقة الحقيقية لكريم العراقي مع الساهر في مصر، بحسب ما أوردت وسائل إعلام عراقية.

وفي نعيه له، قال الفنان كاظم الساهر بمنشورات عبر حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي: “الصديق ورفيق الدرب الأستاذ كريم العراقي في ذمة الله رحم الله الفقيد وألهمنا وذويه الصبر والسلوان إنا لله وإنا إليه راجعون”.

في حين قال الفنان حاتم العراقي، في منشور عبر فيسبوك: “إنا لله وإنا اليه راجعون.. الأخ والصديق الشاعر الكبير كريم العراقي في ذمة الله.. الرحمة والمغفرة لروحك الطيبة النقية الطاهرة.. وداعا أبا ضفاف”.

ونعته صفحة متحف الإعلام العراقي بقولها: “ينعى متحف الإعلام العراقي الفنان كريم العراقي الذي أسعدنا بفنه لسنوات عديدة”.

ووصفه الصحفي جاسم الشمري خلال نعيه له بأنه “شاعر النقاء والصفاء”.

من جهته، اعتبر رئيس مؤسسة بغداد للدفاع عن ضحايا الرأي في العراق، عزيز الربيعي، أنه بفراق كريم العراقي “صار العراق خارج العراق”، مردفا “لروحك السلام والرحمة”.

وغردت الإعلامية ريما نعيسة بقولها: “رحل من حمل العراق في شعره واسمه.. وداعاً نخلة الفردوس.. وداعاً #كريم_العراقي..”.

وفي سياق متصل، قال الصحفي إياد الدليمي في تغريدة عبر حسابه بتويتر “يعجبني في شعر كريم العراقي لغته السهلة الممتنعة، تشعر في بعض الأحيان أن بمقدورك أن تكتب مثله، وعندما تجرب تجد أن ذلك لا يجيده سوى كريم وأمثاله ممن تشربوا اللغة والمعنى ومزجوا بينهما بطريقة جميلة فكان شاعراً للوطن والحب، وهو الذي قال: الشمس شمسي والعراق عراقي. وداعاً كريم العراقي”.

جدير بالذكر أن كريم العراقي أصيب بمرض السرطان منذ أكثر من عام، وخضع إلى أكثر من عملية جراحية، كما أنه كان يتلقى بين الحين والآخر جرعات من العلاج الكيميائي، وفق ما بينت مواقع إعلام عراقية.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *