أبرزها “خوالد” و “علماء العربية”.. مبادرات سعودية لتعزيز مكانة لغة الضاد

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

تعدّ اللغة العربية إحدى أهم الركائز الثقافية والحضارية للشعوب العربية، وتحظى بدور حيوي في تعزيز الهوية والتواصل بين الناس. وتعزيزا لمكانة لغة الضاد خاصة لدى فئة الشباب، أطلقت السعودية مؤخرا سلسلة من المبادرات الرائدة التي تهدف إلى حماية وتعزيز اللغة العربية وصون الهوية العربية والنهوض بها في مختلف المجالات وعلى كافة المستويات.

وتأتي هذه المبادرات في إطار ترسيخ الهوية العربية والثقافية، وتعزيز دور اللغة العربية بوصفها ثقافة حضارية عريقة.

ومن هذه المبادرات مبادرة “خوالد” الشعرية، وهي منصة صوتية تستهدف تسجيل ألف قصيدة مختارة من عصر ما قبل الإسلام، وكذلك مبادرة “علماء العربية” للاحتفاء بمن رفعوا لواء اللغة العربية وتكريمهم، ومبادرة جائزة “مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية” وهي جائزة دولية يتجاوز إجمالي قيمتها 1.6 مليون ريال (426 مليون دولار).

وساهم في تلك المبادرات “مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية” الذي تم تدشينه عام 2019.

ومبادرة “خوالد” الشعرية تهدف إلى الحفاظ على التراث الشعري العربي ونشره بين الجمهور، حيث يتم تسجيل القصائد بأصوات شعراء متميزين، ويتم توفير الترجمة والتفسير للقصائد لزيادة الوعي والفهم لدى القراء. تعد هذه المبادرة خطوة هامة نحو تعزيز قيمة الشعر والأدب العربي.

إسهامات بارزة

أما مبادرة “علماء العربية” فتسعى إلى التكريم والاحتفاء بالعلماء والمفكرين الذين ساهموا في رفع لواء اللغة العربية وتطويرها، إذ تشمل المبادرة إعداد سلسلة من المؤتمرات والندوات التي تسلط الضوء على أبحاث وأعمال العلماء الذين ساهموا في تطوير العربية وتعميق فهمها. ويتم منح العلماء المشاركين شهادات تقدير وجوائز تكريمية للإشادة بإسهاماتهم.

كما تعدّ جائزة “مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية” مبادرة مهمة لتشجيع البحث والإبداع في مجال اللغة العربية. تقدم الجائزة للأفراد والمؤسسات الذين قدموا إسهامات بارزة في تعزيز اللغة العربية على المستوى الدولي.

وتوجد فئات مختلفة في جوائز المجمع، بما في ذلك البحوث العلمية والدراسات الأكاديمية والأعمال الأدبية والمشاريع الثقافية والترجمة. ويتم تقييم المشاركات من قبل لجان تحكيم متخصصة، وتُمنح الجوائز النقدية للفائزين بالمراكز الأولى في كل فئة. وتهدف الجائزة إلى تعزيز البحث والإبداع في مجال اللغة العربية، ودعم جهود الأفراد والمؤسسات في الحفاظ على اللغة وتطويرها.

وفي إطار التزام المملكة بحماية وتعزيز اللغة العربية، تم اعتبار عام 2023 عاما للغة العربية، حيث تم تنظيم العديد من الفعاليات والأنشطة التي تركز على تعزيز استخدام اللغة العربية وتطويرها في مختلف المجالات، بما في ذلك التعليم والإعلام والثقافة.

تهدف هذه الفعاليات إلى زيادة الوعي بأهمية العربية، وتشجيع الناس على استخدامها في حياتهم اليومية. وتأسس مركز الملك سلمان العالمي للغة العربية عام 2019، ويعد منصة حيوية لدعم وتعزيز اللغة العربية.

ينظم المركز العديد من الفعاليات والمبادرات والدورات التدريبية التي تهدف إلى تعزيز الوعي بأهمية اللغة العربية وتطويرها. ويعمل المركز مع شركاء محليين ودوليين على تعزيز البحث العلمي والتبادل الثقافي في مجال اللغة العربية.

وتعكس هذه المبادرات وجهود مركز الملك سلمان العالمي للغة العربية التزام المملكة العربية السعودية بحماية وصون العربية وتعزيز التراث العربي وتطوير لغة الضاد بوصفها ثقافة حضارية حية.

إستراتيجيات شاملة

وتعليقا على جهود الرياض من أجل حماية وصون العربية، يقول الباحث السعودي والمهتم باللغة العربية نواف البيضاني “إننا في السعودية نعيش عصرا ذهبيا للاهتمام بلغتنا العربية، حيث سخرت لها كل الوسائل والأدوات، وتوجت هذه الجهود بإنشاء مجمع الملك سلمان العالمي لخدمة اللغة العربية، وهو مجمع فتي لكن منجزاته في أقل من 3 سنوات مبهرة وتبعث على التفاؤل والافتخار”.

ويؤكد البيضاني، في حديث للجزيرة نت، أن المملكة رائدة في تعزيز الهوية العربية وحمايتها، حيث تعتبر العربية جزءا أساسيًا من هذه الهوية، كما أنها تتبنى إستراتيجيات شاملة لتعزيز استخدام اللغة العربية في جميع المجالات وتشجع على تطوير الإبداع والتعبير الثقافي بالعربية.

البيضاني يؤكد أن السعودية وفرت كل الوسائل لصون اللغة العربية (مواقع التواصل) (داخلية)

وفي هذا الصدد، يشير الباحث السعودي إلى مبادرة “خوالد” الشعرية التي اعتبرها خطوة مهمة في سبيل الحفاظ على التراث العربي، وإبراز قيمة الشعر العربي، وتعزيز حضور اللغة العربية في العالم، لافتا إلى أنها مبادرة نوعية من حيث إنها تمثل توثيقا صوتيا لهذه القصائد التي اختارتها بعناية مجموعة من المتخصصين من ذوي الدراية والباع الطويل في مجال الشعر العربي.

ويرى البيضاني أن هذه المبادرة ستكون موردا عذبا لدارسي الشعر العربي، وعلم الأصوات العربية، وسيكون لها أثر جميل في ساحة البحث اللغوي العربي، وستكون عونا لمتعلمي العربية للناطقين بغيرها.

أما مبادرة “علماء العربية”، فاعتبرها الباحث السعودي بابا من أبواب رد الجميل لهؤلاء العظماء، وستكون مصدر إلهام للأجيال العربية التي غيّب عنها سير مثل هؤلاء العظماء. وستسهم هذه المبادرة في نشر المعرفة المجتمعية حول علماء العربية وأهم أعمالهم وإنجازاتهم، وهذا سيؤدي إلى مزيد اهتمام بالتراث العربي واللغة العربية.

كما أكد أن هذه المبادرة ستشجع الشباب على دراسة اللغة العربية والثقافة العربية، مما سيساهم في الحفاظ على هذا التراث وتعزيز حضوره في العالم.

وتابع “لو كان كل ما سنخرج به من هذه المبادرة تعريف العالم بجهود علماء العربية فهو كاف لنشر وعي عالمي عن لغتنا الخالدة، وبث مزيد احترام وتقدير لها. والحق أن المجمع يخرج علينا دوما بأفكار إبداعية ومبادرات مبهجة، وهذا دليل توجه صادق، وتفان بيّن، وجهود متصلة لخدمة العربية”.

واعتبر البيضاني أن مبادرة جائزة “مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية” هي درة تاج جهود المجمع في خدمة لغنتنا وثقافتنا العربية، مؤكدا أنها تُسهم في تكريم المتميزين في خدمة اللغة العربية، سواء كانوا أفرادا أو مؤسسات، وذلك تقديرًا لجهودهم ومساهماتهم في تطوير العربية وتعزيز حضورها، كما أنها ستكون محفزا كبيرا على البحث العلمي في مجال اللغة العربية من خلال تحفيزها الباحثين على تقديم دراسات وأبحاث مميزة في هذا المجال.

كما رأى أنها ستُسهم في تعزيز التواصل بين أبناء العالم العربي، من حيث إنها ستحفزهم على المشاركة الفاعلة لنيل هذه الجائزة، مما سيؤدي إلى زيادة التبادل الثقافي بين الدول العربية.

مكانة عالمية للعربية

من جهتها، تؤكد أستاذ البلاغة والنقد في جامعة نجران السعودية سحر المعنا أن المبادرات التي تطلقها السعودية لحماية لغة الضاد تعكس حرص المملكة ووعيها العميق بأهمية اللغة العربية كمكون أساسي للهوية العربية والتراث الثقافي الغني الذي تحمله.

وتقول المعنا، في حديث للجزيرة نت، تعد المبادرات التي تقوم بها السعودية لتعزيز الهوية العربية إشارة واضحة إلى التزام المملكة بالحفاظ على التراث العربي والثقافة اللغوية، لافتة إلى أن هذه المبادرات تتضمن إطلاق برامج تعليمية وثقافية، وتنظيم فعاليات ومؤتمرات تعزز الوعي بأهمية اللغة العربية في العالم العربي وعلى المستوى العالمي.

ولا تقتصر على الجهود السعودية لحماية اللغة العربية عند إطلاق المبادرات والجوائز فحسب، رغم أهميتها، بل تتجلى أيضًا في تطوير مناهج التعليم وتكنولوجيا التعلم بما يعزز استخدام اللغة العربية بشكل فعال ومبتكر في البيئة التعليمية، وفق المعنا.

كما تشير إلى الجهود السعودية لتعزيز مكانة اللغة العربية على الصعيد العالمي، لافتة إلى أن المملكة سعت بقوة لإدخال العربية ضمن اللغات الرسمية المعتمدة في الجمعية العامة للأمم المتحدة وأعمالها. كما نشرت العربية كلغة تعليم وتعلُّم للأشخاص الناطقين بها وأولئك الذين يرغبون في اكتساب معرفة عنها بمساعدة الجامعات والمؤسسات الحكومية والأهلية في المملكة.

وعلى الصعيد المحلي، توضح المعنا أن العربية تعد اللغة الرسمية للدولة ورمزا للهوية القومية والدينية، حيث تم تعزيز دعم المملكة للغة العربية في جميع المجالات تعبيرا منها عن هذا الانتماء اللغوي والديني، حيث تم إنشاء كليات وأقسام للغة العربية ومعاهد لتعليمها، وتم تعزيز الأبحاث والمؤسسات التي تهتم بالعربية، وتم وضع قوانين لحمايتها.

وخلصت أستاذ البلاغة بجامعة نجران إلى أن جهود السعودية في حماية اللغة العربية وتعزيز الهوية العربية مهمة جدا، لما لها من دور في تحقيق الأهداف التالية:

  • الحفاظ على الهوية العربية وتعزيز الانتماء للوطن العربي.
  • النهوض باللغة العربية في مختلف المجالات، بما في ذلك التعليم والصحافة والأدب والأعمال.
  • مواجهة التحديات التي تواجه اللغة العربية، مثل انتشار اللهجات المحلية واستخدام اللغة الإنجليزية في العديد من المجالات.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *