اختارت مجلة فوربس رسميًا الممثل الكوميدي آدم ساندلر، الممثل الأعلى أجرًا لعام 2023، وذلك بعد أن كسب العام الماضي ما يقرب من مئة مليون دولار، وهو ما يعتبر إنجازا استثنائيا في ظل ظاهرة “بارنهايمر” التي جعلت من الحديث عن أفلام أخرى باستثناء “أوبنهايمر” و”باربي” أمرا صعبا للغاية.
500 مليون ساعة
وبدا واضحا خلال الأشهر الـ6 الأولى من عام 2023 أن ساندلر في طريقه لتحقيق إنجاز غير مسبوق، وذلك حين أعلنت منصة “نتفليكس” أن مشتركي أعمال الكوميدي الذي قارب الـ60 من عمره قد شوهدت لأكثر من 500 مليون ساعة، وفي المقابل حصل على 97 مليون دولار.
شارك آدم في الوقت نفسه في فيلم بسيط ينتمي لنوع الخيال العلمي وهو رجل الفضاء” (Spaceman) بعدها، وقد أثار جدلا بين النقاد بسبب مستواه، الذي لم يرض الكثيرين، وأثار هؤلاء سؤالا كبيرا حول الدافع الذي يجعل ساندلر يقدم أفلاما منخفضة المستوى رغم أنه يستطيع أن يختار أدواره كما يشاء، نظرا لما يتمتع به من جماهيرية وقدرة على جلب إيرادات.
لجأ ساندلر إلى منطق اتبعه المخرج الهوليودي صاحب التاريخ المفعم بالنجاحات حين سئل عن تواضع بعض أفلامه، فقال “واحد لهم، وواحد لي”، ولخصها بتأكيده أنه يوافق على عمل فيلم يفضله المنتج في مقابل الحصول على الميزانية اللازمة لإنتاج الفيلم الذي يريد هو إنتاجه بعد ذلك.
ورغم أنها طريقة ذكية للتغلب على صعوبات التواجد في سوق السينما والإنتاج، فإن الأصعب هو صناعة التوازن بين النوعين، ما يرغب في إنتاجه المنتج، وما يطمح إليه المخرج، وقد نجح الممثل آدم ساندلر حتى الآن في معادلة سكورسيزي، ليتوج بجائزة قدرها مئة مليون دولار لعام 2023، ويحتفظ بقدرته على تقديم أفلام جيدة.
بداية كارثية
بدأ ساندلر مسيرته المهنية من خلال لعب دور البطولة في بعض الأفلام الكوميدية المتواضعة إلى حد ما مثل فيلم “الذهاب إلى البحر”(Going Overboard) للمخرجة فاليري بريمان، والذي لاقى انتقادات كبيرة في عام 1989. وفيه، يلعب دور ممثل كوميدي شاب مكافح، يتولى وظيفة متواضعة على متن سفينة سياحية على أمل الحصول على فرصته الكبيرة في العمل.
قوبل الفيلم بتجاهل شبه تام، ولم يصل إلى جمهور أوسع إلا متأخرًا في عام 1995، عندما تحول إلى عضو أساسي في فريق “ساتر داي نايت لايف” (SNL)، ذي الشعبية الكاسحة، لـ5 أعوام كاملة.
وفاجأ آدم ساندلر الجميع، نقادا وجماهير، في عام 1991 بمستوى مختلف تماما حين شارك في بطولة “شايكس ذا كلاون” (Shakes the Clown) بدور مهرج مدمن في كوميديا للمخرج روبرت جولدثويت، وحين تعرض للنقد على اختياراته الأولى، دافع سكورسزي بنفسه عن ساندلر قائلا إن قدراته الكوميدية في هذا النوع من الأدوار مثالية.
واستمر الممثل في تقديم الكوميديا الساخرة التي لا تخضع لمنطق في أفلامه، ومنها “كونهيدز” (Coneheads) و”إير هيدز” (Airheads) و”ميكسد ناتس” (Mixed Nuts)، وعلى التوازي، استمر الجديد كعضو مؤسس في فريق “ساتدرداي نايت لايف” (SNL) في جمع المال.
رضا نقدي نادر
وحقق فيلمه”مطرب حفل الزفاف” (The Wedding Singer) أكثر من 123 مليون دولار عام 1998، بينما لم تتجاوز تكلفة إنتاجه 13 مليون دولار فقط، ليتجه بعدها إلى الإنتاج بنفسه، بل ويكتب بعض أفلامه، ليضيف إلى رصيده أجر الكاتب وأرباح المنتج.
وغاب آدم ساندلر حتى عام 2002، ليقدم بعدها واحدا من أفضل أدواره في الكوميديا الرومنسية الساخرة “ضربة حب سكران” (Punch Drunk Love) للكاتب والمخرج بول توماس أندرسون، وقدم الممثل الكوميدي في هذا العمل دورا لا ينتمي إلى عالمه، وإن بدا وكأنه امتداد لما قدمه من قبل، فقد احتفظ بأسلوب أداء مميز له كممثل، ولكن قدم دورا غريبا عليه، وهو دور رجل أعمال مضطرب للغاية ويعاني من قلق اجتماعي ويقع في حب زميلة أخته في العمل. كان الدور عميقًا ودقيقًا وأكثر من نصيبه العادل من البحث عن الذات، ولكنه كان يحتوي أيضًا على عنصر الكوميديا العبثية المتوقعة من الممثل.
جلب الدور الجديد ثناء نقديا كبيرا، فتواصلت نجاحات ساندلر في شباك التذاكر في أعمال مثل “مستر ديدز” (Mr. Deeds) و”ذا هوت تشيك” (The Hot Chick)، و”آنغر مانجمنت” (Anger Management).
وفي عام 2017 قدم مع بن ستيلر وداستن هوفمان في فيلم” قصص مايرو ويتز” ( The Meyerowitz Stories) للمخرج نوح بومباخ، وهو فيلم كوميدي، تدور أحداثه في نيويورك يدور حول عائلة مفككة تجتمع معًا في نيويورك لحضور حفل خاص بالعمل الفني لوالدهم.
لحسن الحظ، لم يكن علينا سوى الانتظار لمدة عامين آخرين حتى يتولى ساندلر دورًا مثيرًا آخر عندما لعب دور البطولة في فيلم الجريمة “أنكت جيمز” (Uncut Gems)، الذي فاز بعدد من الجوائز، ودفع به إلى المزيد من النجاح على مستوى النقد.
حين يسأل آدم ساندلر عن تفسير لذلك التفاوت في المستوى الفني بين أعماله لا يستطيع أن يقدم إجابات وافية، لكنه يحكي قصة، يقول فيها: “في كل مرة أقوم فيها بدور في فيلم أو مسلسل، يقول المخرج: “مرحبًا ساندلر، سيقول النقاد عنك كلاما جيدا في هذا العمل، فأقول، لا، إنهم لن يفعلوا أبدا”، ولعل هذا اليأس فضلا عن الإيرادات الكبيرة هما ما يدفع آدم ساندلر للاستمرار في تقديم أفلام كوميدية لا تعجب النقاد، ولكنها تحظى بقبول جماهيري واسع.