هوليود تفضح تمييزها ضد النساء في فيلم “المادة”

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

أفلام الرعب الجيدة هي تلك الأفلام التي لا تقف عند حد إخافة المتفرج بل تجعله يُعمل عقله في خطابات وأفكار يتم طرحها في إطار فني مدهش، وفيلم “المادة” (The Substance) -المعروض خلال فعاليات مهرجان الجونة السينمائي بعد عرضه السابق بمهرجان كان السينمائي- أحد هذه الأفلام.

“المادة” فيلم رعب ساخر من إخراج الفرنسية كوارلي فارجيت، وبطولة ديمي مور وماغريت كوالي، وحصل على جائزة أفضل سيناريو من مهرجان كان السينمائي، ويعرض في مهرجان الجونة وعلى منصة “موبي” (Mubi) مع موسم الهالوين الأميركي، وهو موسم أفلام الرعب الأشهر كل عام.

رعب قلبا وقالبا

يبدأ فيلم “المادة” في ممشى نجوم هوليود الشهير، عندما تحصل الممثلة الخيالية إليزابيث سباركل على نجمتها الخاصة، التي تبدو في البداية مشرقة ثم مع مرور الأعوام تعلوها طبقات من الأتربة والأوساخ ويغيب عنها الجمهور الذي اعتاد في الماضي التقاط الصور بجوارها، ويتساءل المارة الآن من هي هذه الإليزابيث سباركل.

في هذه اللقطات الأولى تلخص المخرجة حياة كل نجمة سينمائية، تغمرها الأضواء ومحبة الجمهور في شبابها، ثم تسقط من الذاكرة ما إن يأفل هذا الشباب، وفي المشاهد التالية نتعرف أكثر على إليزابيث في عيد ميلادها الخمسين، وهي تفقد عملها بعدما أخذ المدير التنفيذي بالأستوديو قرار استبدالها بممثلة أكثر شبابا.

تشعر البطلة بالصدمة، وقد فقدت مكانها في العالم، والمهنة التي كرست لها سنوات عمرها، ثم يأتيها الحل السحري عن طريق عقار يباع في السوق السوداء يصنع من الشخص نسخة أخرى منه أكثر شبابا، غير أن على مستخدمه الالتزام بشرط ضروري للغاية، وهو أن هذه النسخة الحديثة تحيا أسبوعا، ثم تعود إلى النسخة القديمة أسبوعا آخر وهكذا دواليك.

ومثل الكثير من الأفلام والروايات التي تناولت اتفاقيات مشابهة حدثت العديد من التعقيدات التي أدت إلى نتائج كارثية لإليزابيث ونسختها الشابة سو.

وإن قسمنا الفيلم إلى غلاف خارجي وهو نوعه السينمائي أي الرعب، وأصل داخلي هو خطابه أو الأفكار التي يتناولها، نجده يقدم رعبا جسديا صادما، بداية من مشاهد خروج “سو” من جسد إليزابيث، وحتى اللقطات الأخيرة التي تصور الانهيار النهائي لجسديهما، والرعب الجسدي هنا اختيار مناسب لأفكار الفيلم التي تتمحور حول الرابط بين مهنة الممثلة وشبابها وجمالها الجسدي، فنشاهد على الشاشة كيف يتحول هذا الهوس إلى كابوس.

لهوليود عاصمة صناعة السينما الأميركية سمعة سيئة بهذا الصدد، فقد دأبت منذ تدشين نظام النجوم -أي اعتبار الممثل عامل الجذب الأساسي في العمل الفني- على النظر لممثليها وممثلاتها على الأخص كما لو أنهم سلع يجب الاستحواذ عليها واستغلالها لأقصى حد ثم طرحها جانبا ما إن ينتهي الغرض منها.

فاشتهرت على سبيل المثال بتقديم الدروس للممثلات في الرقص والإلقاء، وتغيير مظهرهن بما يتلاءم مع متطلبات السوق، حتى يصلن إلى السن التي يفقدن خلالها ألق الشباب الباهر، فيبحث الأستوديو عن غيرهن، وفي الماضي تم هذا التحكم من خلال عقود احتكارية تمتد لسنوات، والآن عبر حرمان الممثلات الأكبر عمرا من أدوار ملائمة، وأحد ضحايا هذا النظام الممثلة ديمي مور بطلة فيلم “المادة” نفسها.

بين المباشرة والمجاز

يفصح فيلم “المادة” في مشاهده الأولى عن وجهة نظر صناعه في الظلم الذي يحيق بالممثلات ما إن يصلن إلى منتصف العمر، وذلك عبر الحوار، فنجد مدير الأستوديو يهين إليزابيث وهو يظن أنه بعيد عن أسماعها، ويطلب تغييرها، ثم تعبر الصورة السينمائية عن ذات المعنى، عندما تركز الكاميرا على عملية إزالة وجه الممثلة من اللوحات الإعلانية، وبعد ذلك استبدالها بلوحات جديدة تحمل صورة سو النسخة الأكثر شبابا من إليزابيث.

حشد هذا الوضوح الشديد كل أفكار الفيلم بنصف الساعة الأولى منه، ليستمر العمل لساعة تقريبا من دون أي أحداث تذكر سوى استمتاع سو بحياتها كشابة مرغوبة من الجميع، تحقق النجاح بلا أي مجهود سوى جمالها البهي، بينما تنكمش إليزابيث على نفسها أكثر، وتجتر أحزانها وتتبدل من امرأة جميلة للغاية في الخمسين، إلى عجوز لا تبالي بمظهرها، تنتقم من سنوات العناية بنفسها من أجل الأستوديو بالجلوس لساعات أمام التلفاز، وتتناول الأطعمة التي حُرّمت عليها من قبل.

the substance 2024

اشتبك الفيلم بصراحة ومباشرة مع فكرة تسليع المرأة بشكل عام وفي صناعة السينما بشكل خاص، لكن على الجانب الآخر أتاح الفرصة لتناول أفكار أخرى بصورة أقل وضوحا، منها هوس الأجيال الصغيرة وعلى رأسها الجيل “زد” -أبناء الألفية الجديدة- بالجمال بما يفوق الأجيال السابقة، الأمر الذي يعود جزء كبير منه إلى تركيز مواقع التواصل الاجتماعي المستمر على مُثُل الجمال بشكل مختلف عن الماضي.

فمن قبل تمثلت النساء اللواتي يحملن لواء الأجمل في الممثلات السينمائيات، وهن نجمات يبدون للجمهور كما لو أنهن يعشن في عالم موازٍ، فقلت مساحات المقارنة، بينما الآن لم يعد هناك هذا الحاجز، ولا يقتصر الأمر على الممثلات، بل ظهرت ثقافة المؤثرات، وهن نساء عاديات ارتقين بفضل حضورهن على منصات التواصل، ومع سهولة وتوفر الإجراءات التجميلية من ناحية، واستخدام المرشحات على صور وفيديوهات هذه المنصات من ناحية أخرى، أصبح هناك ضغط هائل على المراهقات والشابات للوصول لمُثُل جمال غير طبيعية.

فيلم “المادة” تجربة سينمائية صادمة على أكثر من مستوى، أولها وأكثرها وضوحا مستوى الرعب، وثانيها اشتباكه المباشر مع قيم هوليود التي لا تضع في عين الاعتبار موهبة وخبرة النجمات والنجوم قدر تركيزها على الجمال والشباب.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *