نعمان لحلو: أغنيتي عن غزة صرخة في ظل العجز العربي

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 12 دقيقة للقراءة

لم تكن أغنية “غزة وشهود الزور” الأولى لنعمان لحلو بشأن قضية فلسطين، فقد سبق له أن غنى أغنية “قم يا عربي” في العام 1999، لكنه يؤكد “لا أملك إلا أن أغني أغنية (عن غزة) لعلها تحيي بعض الضمائر.. نعلم أن الأغنية لا تغير من الواقع شيئا، ولكن في ظل هذا العجز العربي ربما تكون صرخة في واد علّها تُسمع”.

وفي حواره مع الجزيرة نت، يرى لحلو أن الأغنية العربية ليست في تراجع، بل هي تعكس الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري، و”لا يمكن أن تكون الأغنية العربية اليوم إلا كما هي عليه اليوم وإلا سوف تخون الأمانة ولم تلعب دورها الأمين في انعكاس هذا الواقع سواء كان إيجابيا أو سلبيا”.

“أعتبر نفسي واحدا ممن لا يشتغلون حسب أذواق الجمهور، ولن نقع فيما يسمى بالبقالة وعرض وشراء، لا لن أفعل ذلك.. اهتمامنا هو الفن ذاته بعيدا عن عوالم الشهرة”، هكذا يصر الموسيقي المغربي نعمان لحلو على أن يرسم بصمته الخاصة في مجال الفن والغناء والموسيقى.

ويؤكد لحلو “عندما تُغيّر اللهجة فأنت تغير الفكر، هناك أناس يحاولون أن ينسلخوا من هويتهم بغنائهم بلهجات أجنبية، أنا لست ضد ذلك، ولكن أنا ضد أن أغني فقط باللهجة الأجنبية، فقد سبق لي أن غنيت باللهجة المصرية”، ويضيف أنه يغني باللغة العربية وباللهجة المغربية “فيفهمني المغاربة، وهذا يكفيني”.

لنعمان لحلو أكثر من 130 أغنية تتناول مواضيع مختلفة وبعضها غريبة لا يغني عنها أحد مثل الماء والتوحّد وأطفال السرطان والتطرف الديني وهجرة العقول والهجرة واللاجئين السوريين.

كما عنى عن الحب والوطن، تسع أغنيات منها حول المدن المغربية أو حول ما يسميه موضوع الأنثروبولوجيا، ويشدد لحلو على أن “الناس يحبون أن يضعوك في خانة معينة، وهذا أمر لا يزعجني”.

وغنى أيضا لفلسطين “من زاوية مختلفة” أغنية “غزة وشهود الزور”، حيث تحدث عن عزة وأصحاب الأرض وعن الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، وعن “تمثال الحرية وأقصد به أميركا، واليوم بان وظهر أن أميركا تلعب دورا ربما أكبر من إسرائيل في قضية فلسطين”.

ونعمان لحلو فنان مغربي، فهو مطرب وملحن ومؤلف وباحث موسيقي ومحاضر، بالنسبة له هذه الأدوار والأوصاف “هي منظومة واحدة” لكن “عندما يسألونني ما هي مهنتك؟ أقول موسيقي”.
فإلى نص الحوار:

 

  • كيف تقيم أغنية “غزة وشهود الزور”؟ هل عبرت عما تعيشه قضية فلسطين خاصة منذ الحرب على غزة وأُمنية تحويلها إلى أرض عقارات أميركية؟

أغنية “غزة وشهود الزور” ليست الأغنية الأولى لي حول قضية وموضوع فلسطين، ففي العام 1999 غنيت أغنية اسمها “قم يا عربي” من شعر الدكتور عبد العزيز محيي الدين خوجة وكان آنذاك سفير المملكة العربية السعودية بالرباط، وصورناها وأرسلنها إلى القنوات التلفزيونية لكنها لا تبث كثيرا، لا أعلم لماذا؟

في الأغنية الثانية تناولت قضية فلسطين من زاوية مختلفة وهي “غزة وشهود الزور”، تكلمت فيها عن غزة وأصحاب الأرض وتكلمت عن الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، وتكلمت عن الدول الكبيرة في العالم التي تتواطأ، وتكلمت عن تمثال الحرية وأقصد به أميركا.

 

 

واليوم بان وظهر أن أميركا تلعب دورا ربما أكبر من إسرائيل في قضية فلسطين، بالنسبة لي كيف أنام في ظل العجز لدينا نحن العرب والأمازيغيين حيال الموضوع الفلسطيني، لا أملك إلا أن أغني أغنية لعلها تحيي بعض الضمائر، وقد سبقني الكثير من المغنين والأغاني التي حاول أصحابها أن يوصلوا إحساسهم تجاه القضية الفلسطينية، ونحن نعلم أن الأغنية لا تغير من الواقع شيئا، ولكن في ظل هذا العجز العربي ربما تكون صرخة في واد علها تسمع.

اليوم ظهر أن أميركا تلعب دورا ربما أكبر من إسرائيل في قضية فلسطين

  • هل لديكم مشروع غنائي آخر يعزز القيم والتقاليد العربية؟

مؤخرا أنتجت أغنية اسمها “حياتنا كيف ولت” موجودة على يوتيوب، أتكلم فيها مع روح أمي التي توفيت منذ سنين طويلة، وأقول لها: لقد ذهبتِ في وقتك، تعالي لكي أشرح لك كيف أصبح زماننا وكيف أصبحت صلة الرحم تتم فقط عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي وعبر الإيموجيات، وتحدثت عن غيرها من التحولات في القيم، أصبحت المقارنة غريبة بين الأمس واليوم عبر مناجاتي لروح أمي التي توفيت. وهنالك الكثير أيضا من الأعمال التي هي في الطريق إن شاء الله.

  • ⁠لماذا تراجع مستوى الأغنية العربية كلماتٍ وألحانا؟

لا أعتقد أن الأغنية العربية في تراجع، بل هي تعكس الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري لمجتمع ما في زمن ما، وبالتالي لا يمكن أن تكون الأغنية العربية اليوم إلا كما هي عليه اليوم وإلا سوف تخون الأمانة ولم تلعب دورها الأمين في انعكاس هذا الواقع سواء كان هذا الواقع إيجابيا أو سلبيا، لكنها تعكسه بطريقة أمينة كما قلت.

بالطبع هناك أناس يمشون عكس التيار، وأنا اعتبر نفسي واحدا منهم لأننا لا نشتغل وفق أذواق الجمهور، وبالتالي نقع فيما يسمى بالبقالة وعرض وشراء، لا لن أفعل ذلك.. اهتمامنا هو الفن ذاته بعيدا عن عوالم الشهرة.

سوف يظهر لنا مئات وآلاف الفنانين الذين يقدمون أشياء جميلة باستعمال الذكاء الاصطناعي، والطريقة الوحيدة لاكتشاف ماهية الفنان هي أن يصعد إلى المسرح وأن يغني مباشرة (لايف)

  • ⁠نجد إقبالا من الشباب خاصة على الأغنية والإيقاع الغربي، كيف ترى مستقبل الأغنية العربية في ظل الذكاء الاصطناعي؟

أعتقد أنه خلال السنوات القادمة سوف يظهر لنا مئات وآلاف الفنانين الذين يقدمون أشياء جميلة باستعمال الذكاء الاصطناعي، وبالتالي الطريقة الوحيدة لاكتشاف ماهية الفنان هي أن يصعد إلى المسرح وأن يغني مباشرة أو “لايف”، وهذه هي الطريقة الوحيدة لاكتشاف الفنان، ولن يعرف الجمهور العادي الكبير مستوى هذا الفنان ما دام يغني بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي..

الأمور سوف تتطور إلى ألحان عديدة يصنعها الذكاء الاصطناعي وأشياء من هذا القبيل. وبالطبع أنا ضد هذا الموضوع، ولكن هنالك أناس تغريهم الشهرة والنجاح وسيستعملون أي وسيلة لكي يشتهروا.

  • لماذا لم يشتهر من المنطقة المغاربية مغنون في العالم العربي؟ ولماذا لا تغنون بلهجات عربية؟

المنطقة المغاربية هي منطقة غنية جدا بجغرافيتها وتاريخها ومطبخها وعمرانها، وهويتها مختلفة تماما عن باقي الهويات العربية، فهي هوية أمازيغية أفريقية عربية أندلسية، فبالتالي هي مختلفة تماما عن الهوية المشرقية في الغناء، هم دائما يقولون إننا لا نفهم لهجتكم، لكن نحن أيضا كان عندنا الإشكال نفسه، وباهتماماتنا تعلمنا الحديث باللهجة الشرقية، سواء لهجة مصر أو لبنان أو الخليج، واستطعنا أن نفهمها ونتكلم. في المغرب مثلا تجد طفلاً عنده سبع سنوات لكنه يتكلم أربع أو خمس لهجات، ربما هي الجغرافيا، ربما هو ذكاء أو أمر ما.

 

عندما تُغير اللهجة فأنت تغير الفكر، وبالتالي هناك أناس يحاولون أن ينسلخوا من هويتهم بغنائهم بلهجات أجنبية، أنا لست ضد ذلك، ولكن أنا ضد أن أغني فقط باللهجة الأجنبية، فقد سبقت لي أن غنيت باللهجة المصرية وغيرها، بالنسبة لي أنا أغني باللغة العربية وباللهجة المغربية الدارجة فيفهمني المغاربة، وهذا يكفيني.

المهم في الفن ليس أنه جميل أو سيئ، فهذه أشياء نسبية، لكن الأهم هو أن يقدم الفنان عنصرا جديدا وبصمة مختلفة

  • أين يجد نعمان لحلو ذاته؟ هل في الغناء أم في التدريس أم في الورشات التي تقدمها في الجامعات حول العالم؟

بالنسبة لي هي منظومة واحدة، عندما يسألونني ما هي مهنتك؟ أقول موسيقي، وبالتالي فأنا أعيش في العوالم الموسيقية سواء كتابة أو لحنا أو غناء أو عندما أقدم ورشات علمية أو أدرس في الجامعات حول العالم. صحيح أنني أكون سعيدا جدا عندما أكون في جامعات عالمية حيث يقدم الطلاب إبداعا فنيا مع فرقة موسيقية عن موسيقى المغرب ويكون الجمهور الحاضر متخصصا أستطيع أن أشرح له حتى الحيثيات الصغيرة عن الأغنية المغربية من حيث المقامات والإيقاعات ونقاط الاختلاف والالتقاء بيننا وبينهم. هذا الجانب الأكاديمي يستهويني، ولكن يستهويني أيضا الجانب الجماهيري.

  • مررتم بتجارب فنية في أميركا ودول غربية، أين تلتقي أغنية لحلو مع الموسيقى الغربية وأين تفترق؟

بالنسبة لنقاط الالتقاء والاختلاف في الموسيقى الخاصة بي مع الموسيقى العربية والغربية، لقد مررت بعدة تجارب يمكنني القول إنها أربع مراحل كبرى خلال حياتي، المرحلة الأولى محلية عندما كان عمري 12 سنة كنت عضوا في فرقة غناء مغربية أندلسية وكنا آنذاك أمثل بلدي المغرب داخله وخارجه ونحن صغار.

ثم انتقلت إلى أميركا لكي أمثل المغرب في “وولت ديزني” وعشت هناك مدة طويلة واشتهرت بين الجاليات العربية في أميركا وحتى أميركا اللاتينية، بل قدمت أعمالا وورشات في الجامعات الأميركية وغيرها حول الموسيقى المغربية، وهناك تأثرت بموسيقى الجاز في نيو أوليانز، كما تأثرت بالموسيقى الكلاسيكية والكونتري، ولمّا ذهبت إلى مصر تم اعتمادي في التلفزيون والإذاعة والأوبرا، حيث تأثرت أيضا باللون المشرقي.

وقد استفدت من كل هذا الخليط، لكن المهم في الفن ليس أنه جميل أو سيئ، فهذه أشياء نسبية، ولكن الأهم وهو أن تقدم شيئا أو عنصرا جديدا وبصمة مختلفة، فهذا يعني أنك في الطريق الصحيح. هناك عوامل مختلطة في الموسيقى الخاصة بي والتي تعبر عني فقط.

الشهرة المحلية والعالمية عبارة عن وهْم عشت عليه أكثر من 10 أعوام في بدايتي

  • يتميز نعمان لحلو بغنائه حول المدن المغربية، لماذا اخترتم هذا النوع من الغناء؟ ألا تخشون الإغراق في المحلية والذاتية المغلقة؟

أولاً أنا لا أغني عن المدن المغربية، أنا أغني عن الأنثروبولوجية، وهي توثيق لشعب في زمن معين وأجوائه.. لمّا أغني عن مدينة فأنا أغني عن ناسها وتقاليدها وتراثها وجبالها وواحاتها، وهي عملية توثيقية ليس إلا، وأنا متأكد من أن هذه الأغاني لن تنسى أبدا ما دامت هذه المدن موجودة، وبالتالي هذا هو موضوع الأنثروبولوجيا.

لكن لدي الآن ما يفوق 130 أغنية حول جميع المواضيع وخاصة الاجتماعية منها، وفي موضوع الأنثروبولوجيا لا توجد لي إلا تسع أغان، كما غنيت عن مواضيع غريبة لا يغني عنها أحد مثل الماء والتوحّد وأطفال السرطان والتطرف الديني وهجرة العقول والهجرة واللاجئين السوريين، وغنيت أيضا عن الوطن والغرام والحب، ولكن الناس يحبون أن يضعوك في خانة معينة، وهذا أمر لا يزعجني، لكن أعمالي تدرّس في كل المدارس والبعثات الأجنبية حيث يضعون أعمالي ضمن المقررات الدراسية.

أما بالنسبة للشهرة المحلية والعالمية، فأرى أنها عبارة عن وهم عشت عليه أكثر من عشرة أعوام في بدايتي، الأهم بالنسبة لي هي الموسيقى، ولا يهمني هذا المجد الشخصي على نطاق أكبر من بلدي، وهذه القضية قضية اختيارات ليس إلا، وأنا اخترت وأنا مقتنع باختياراتي.

  • هل لديكم مشاريع فنية للغناء حول دول أو مدن عربية؟

صحيح أنني أتمنى الخروج من نطاق بلدي والغناء عن أنثروبولوجيا مدن أخرى غير مغربية تكون قريبة إلى وجداني مثلما فعلت سابقا بأنْ غنيت أغنية موجودة في يوتيوب حول إشبيلية وكيف أنهم يحاولون طمس هويتها العربية في مبانيها لكنها لا تستطيع أن تتنكّر لهويتها، أتمنى أن أغني عن مدن أخرى عربية ذات دلالة حضارية عربية، وأعتقد أنها مشاريع مؤجلة متى وجدت لها وقتا سأنفذها.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *