طهران- للمشاركة في الملتقى الدولي الذي تعقده تركمانستان بمناسبة مرور 3 قرون على رحيل الشاعر التركماني الشهير مختوم قولي فراغي المنحدر من منطقة “كنبد كافوس” شمالي بلاد فارس، بدأ الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الخميس، زيارة رسمية إلى العاصمة عشق آباد على رأس وفد سياسي وثقافي رفيع.
وتأتي زيارة الرئيس بزشكيان إلى الجارة الشمالية تلبية لدعوة رسمية تلقاها من رئيس مصالح الشعب في البرلمان التركمانستاني والرئيس السابق، قربانقلي بردي محمدوف، للمشاركة في الملتقى الدولي تحت عنوان “العلاقة بين الأزمنة والحضارات – أساس السلام والتنمية”، الذي تستضيفه العاصمة عشق آباد بمناسبة الذكرى الـ300 لرحيل الشاعر والعارف التركماني مختوم قولي فراغي.
وقبيل مغادرته العاصمة طهران، اعتبر بزشكيان، مساء الخميس، أن “الشاعر الإيراني التركماني مختوم قولي فراغي يضطلع بدور بارز جدا في بناء وتطوير الثقافة التركمانية، وأن ولادته في محافظة كلستان الإيرانية (شمال) تظهر وجود تواصل ثقافي عريق جدا بين البلدين”.
كما أكد، في تصريح للصحفيين بمطار مهرآباد الدولي غربي طهران قبيل التوجه إلى تركمانستان، أن “تطوير العلاقات مع دول الجوار تشكّل أولوية للسياسة الخارجية” في حكومته، وأن “تعزيز العلاقات بين طهران وعشق آباد مؤثر لتنمية ممر الشمال الجنوب”.
مختوم قولي فراغي
وُلد مختوم قولي فراغي عام 1733 في قرية “حاجي قوشان” من ضواحي مدينة كنبد كافوس بمحافظة كلستان الواقعه شمالي إيران قرب الحدود التركمانية، وقد نشأ وترعرع في كنف والده الشاعر دولت محمد آزادي الذي كان شاعرا شهيرا على منهج أهل السنة والجماعة.
وظهرت عليه منذ نعومة أظفاره رغبة شديدة بتعلم العلوم العقلية والنقلية، وذلك بعد أن تعلم الكتابة والقراءة على يد أبيه، ثم التحق بمدرسة القرية التابعة لـ”نياز صالح” أحد أبرز العرفاء في عصره، فتعلم فيها اللغتين الفارسية والعربية.
تعرض في حياته إلى انتكاسات عدة، لعل أبرزها فشله من الزواج من منقلي بنت خاله، والتي أحبها وبقي يستذكرها في أشعاره، إلى جانب مقتل أخيه الأكبر عبد الله في أفغانستان، وكذلك وفاة والده وطفليه بابك وإبراهيم، حيث انعكس شوقه إليهم في نتاجه الأدبي.
وبعد حياة استمرت 57 عاما طاف خلالها في العديد من الأقطار المجاورة، بدءا من بخارى في أوزبكستان فكازاخستان ثم طاجيكستان وأذربيجان وأفغانستان وصولا إلى شمالي الهند، تُوفي مختوم قولي عام 1807 قرب نبع “عبا ساري” في سفوح جبال “كوه سونغي” على الحدود المشتركة بين إيران وتركمانستان، ودُفن بجوار ضريح والده في مدينة “قراوة تبه” شمالي إيران.
وسجّلت إيران عام 2007 ضريح هذا الشاعر، وفي عام 2014 سجلت ديوانه الشعري الذي يحتوي على أكثر من 10 آلاف بيت باللغة التركمانية في قائمة آثارها الوطنية.
نماذج شعرية
لم تأتِ أسفار مختوقلي اعتباطية، بل كان يطوف البلدان بحثا عن ضالته التي قال فيها:
إن الذي يبعد عن عشيرته / سيطوي الأرض بحثا عن دياره
وإن الذي يضل الطريق / سيبذل جهدا للعثور عليه
ورغم ذلك، فإن نظرته العرفانية للحياة تجعله في حيرة من أمر الناس الذين يفنون أعمارهم في جمع الأموال والثروة، فيقول فيهم:
الأجرام السماوية تدور / والناس يهيمون على الأرض
يا له من عالم هذا / كل من يفتح عينه فيه يسارع إلى جمع الأموال والثروة
ثم يعقد مقارنة بين أصناف البشر فلا يستوون:
أولئك يعتمرون تيجانا ذهبية / وأولئك يستجدون فتات خبز لسد جوعهم
وأولئك يفترشون الأرض / وأولئك يبحثون عن سجاد من حرير
فيحاول أن يذكّر الإنسان بحجمه الحقيقي ويحذره من مغبة الاغترار بالحياة الفانية:
أيها الإنسان! منذ أن وطأت قدماك دار الدنيا الفانية / ماذا حل بك منها سوى الذل والهوان؟
وطالما فتحت فمك وحركت لسانك / حتى لدغت العديد من الناس وجرحت مشاعرهم
دبلوماسية ثقافية
في غضون ذلك، يرى الصحفي المتخصص في الشؤون الثقافية رحمت رمضاني أن زيارة بزشكيان إلى عشق آباد للمشاركة في ذكرى رحيل الشاعر فراغي تأتي في إطار الدبلوماسية الثقافية التي تنتهجها حكومته، وأن الزيارة سياسية أكثر منها ثقافية، موضحا أن الشاعر مختوم قولي يحظى بمكانة رفيعة لدى الشعبين الإيراني والتركماني في مؤشر على التداخل الثقافي والأواصر المشتركة بينهما.
وفي حديث للجزيرة نت، يشير رمضاني إلى أن موعد الزيارة جاء في توقيت دقيق جدا، حيث بلغ التوتر في الشرق الأوسط مبلغه بتهديد الكيان الصهيوني بضرب أهداف حيوية في العمق الإيراني، مؤكدا أن مشاركة الرئيس الإيراني في فعالية ثقافية تشير إلى أن البلاد لم تخشَ تنفيذ التهديدات الخارجية، وأنها قد وضعت خططا للتعامل مع شتى السيناريوهات المحتملة.
واستدرك، أن مشاركة بزشكيان في الملتقى الثقافي في خضم التوتر السياسي والعسكري تدل على أن أهمية القواسم الأدبية والثقافية لا تقل أهمية عن مرتكزات القوة العسكرية في عقيدة الجمهورية الإسلامية، مؤكدا أن بلاده الشيعية تحتفي بالشاعر السني مختوم قولي فراغي كونه أحد عوامل التقريب بين المذاهب الإسلامية.
وعن تأثير شعر مختوم قولي على الثقافة الإيرانية يعتقد رمضاني أنه يقتصر على القومية التركمانية التي تقطن محافظة كلستان المحاذية للحدود المشتركة مع تركمانستان، موضحا أن الشاعر مختوقلي كان ينشد الشعر باللغة التركمانية، وأن ديوانه ورغم ترجمته إلى الفارسية بيد أن شريحة صغيرة من الإيرانيين على معرفة بأغراضه ومضامينه.
القوة الناعمة
من ناحيته، يتطرق الباحث في العلاقات الدولية فرزاد رمضاني بونش إلى علاقات بلاده الثقافية مع دول الجوار، في سياق دور القوة الناعمة في الأمن الوطني والتعاون الشامل بينهما، موضحا أنه كلما تعززت الأواصر الثقافية بين الشعوب المجاورة انعكست إيجابا على أمن الحدود المشتركة بينهما.
وفي حديثه للجزيرة نت، يشير الباحث إلى اصطحاب الرئيس بزشكيان كلا من وزير الخارجية عباس عراقجي ووزير التراث الثقافي والسياحة والصناعات اليدوية رضا صالحي أميري، في زيارته إلى عشق آباد، مضيفا أن الرئيس يحمل بجعبته أجندة سياسية واقتصادية سيطرحها على الطاولة الثقافية خلال مباحثاته مع المسؤولين التركمان.
وبرأي الباحث الإيراني، فإن الشعب الإيراني يتمتع بعلاقات تاريخية عريقة جدا مع نظيره التركماني، وأن الحدود المشتركة بين إيران وتركمانستان شهدت هدوءا مطردا منذ استقلال الأخيرة عام 1991 عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، مؤكدا أن الحدود المشتركة بينهما تعتبر الأكثر أمنا مقارنة مع دول الجوار الأخرى.
ورأى أن بزشكيان سيناقش موضوع إكمال الفرع الشرقي لممر الشمال الجنوب الذي سيربط روسيا بالصين والهند عبر الأراضي الإيرانية، وكذلك اتفاقية تبادل الغاز بين إيران وتركمانستان مع مسؤولي عشق آباد، انطلاقا من الروابط المجتمعية الحسنة بين البلدين.
وتابع المتحدث نفسه، أن بزشكيان سيثير مع الجارة الشمالية تنفيذ وتطبيق مذكرات التفاهم التي تم توقيعها خلال السنوات الثلاث الماضية، إلى جانب توقيعه عددا جديدا من الاتفاقيات خلال زيارته الجارية.