عاد الممثل المصري مصطفي شعبان هذا الموسم، ليخوض السباق الدرامي عبر مسلسل “المعلم” بأدواته القديمة، وآخرها تلك التي استخدمها في مسلسل “بابا المجال” الموسم الماضي، باعتباره الشاب المظلوم الذي يقرر الانتصار للخير في مواجهة الأشرار.
ويتناول المسلسل قصة تاجر السمك “المعلم” (مصطفى شعبان) الذي يعيش وسط أسرته حياة هادئة بسيطة، حتى يسجن والده بسبب قضية مخدرات، فيجد نفسه وسط صراعات مريرة لتجار السوق الكبار، وأنه عليه التصدي لهم.
ويشارك في البطولة كل من الممثل الأردني منذر رياحنة، والمصريات هاجر أحمد وسلوى خطاب وسهر الصايغ وانتصار، إلى جانب المخضرم أحمد بدير، ويخرج هذا العمل مرقس عادل، وهو من تأليف محمد الشواف.
#مصطفى_شعبان#المعلم #مصطفى_شعبان #worldwide #ksa pic.twitter.com/a9mmUYMare
— Mostafa Shaban 🇪🇬 (@MostafaShaban) March 24, 2024
مدينة الخطيئة
في “المعلم” نجد ممارسات غير قانونية مثل تجارة المخدرات، والقتل، والسرقة، والبلطجة، والإدمان، يرتكبها العاملون في سوق السمك وأبناؤهم، لكن الممارسات غير الأخلاقية لا يمكن حصرها لأنها تبدأ من الخيانة والحقد ولا تنتهي، حتى أن تلك الشريحة المجتمعية يمكن تسميتها مجتمع مدينة الخطيئة، ببساطة.
وقد جمع المسلسل كل تلك الخطايا والآثام أملا في أعلى قدر من التشويق، ورسم خطوطا حادة وواضحة بين معسكر الشر، والخير الذي يتمثل في البطل المثالي القوي ومحيطه الأسري.
وقدم شعبان “الوصفة التقليدية” للنجاح عبر وقوع كل نساء هذا العمل في حب البطل، وقدرته على الانتصار للخير، وهي مساحة مريحة لجميع الأطراف، إذ يظل شعبان طبقا لها “دون جوان” الأبدي، ويشعر الجمهور، وخاصة الشباب الذين تسحقهم ظروف الحياة، براحة مزيفة، وسيطرة ولو من خلال الشاشة.
المعلم المظلوم
يستعرض “المعلم” سلوك الأسماك في البحار والبحيرات، وكيف يماثل سلوك تجار السمك في الواقع، إذ يأكل السمك الكبير الصغير بلا رحمة، ويقاوم “المعلم” سيطرة كبار التجار بالسوق، والذين تكمن قوتهم في الاتجار بالمخدرات والاستعانة بالبلطجية.
ويعمد السيناريو الذي كتبه الشواف لدعم التصور الذهني المراد بناؤه حول الشاب المستقيم الشجاع القوي، رغم فقره مقارنة بحيتان السوق، والذي تزوج صيدلانية رغم عدم استكماله لدراسته، وقرر السيناريست أن يضيف إلى الزوجة أخريات يحببنه منهن ابنة خصمه اللدود، وابنة صديق والده.
ووقع السيناريو في أفدح وأسوأ أخطاء بناء الشخصيات، وهو “التنميط” إذ التزم كل شخص في المسلسل بدور الشرير أو الخير دون أدنى تغيير، ولو من باب السهو، وهو أمر، فضلا عن كونه مخالفا للطبيعة الإنسانية، فهو ممل للغاية، وفاضح للمسلسل بتفاصيله.
ويمكن للمشاهد ببساطة أن يتوقع انتصار الخير وهزيمة الشر، وقد حاول صناع المسلسل المناورة بالاقتراب من تحولات حادة قد تؤدي إلى انقلاب الأحداث، لكنها مساحة ملغومة قد تؤدي بالضرورة إلى انهيار كامل لأسس العمل، كأن يتحول أحد الأشرار إلى فعل الخير قبل الاقتراب من نهاية العمل، وبالتالي يصبح احتمال استمرار الصراع أقل، وبالتالي تقل الإثارة المطلوبة. لذلك لم يحدث التحول، وإن خاض الحوار في مساحات محتملة له، بدا أنها لفتح المجال لمزيد من التوقعات لدى الجمهور فقط.
منذر وسلوى
لفت الممثل الأردني رياحنة الأنظار بأداء يتراوح بين العاطفي الذي يقف على الحافة بين نشأته في بيئة يغلب عليها الشر والأذى، وبين محب تلمع الدموع في عينيه عشقا وقهرا، كونه من طرف واحد، واستطاعت الممثلة خطاب أن تقدم نموذجا رائعا للمرأة التي تؤمن بالقوة والمال فقط، ولا تهتم لشيء آخر، وجسدت بصوتها وملامحها حالة الجشع، واللامبالاة في آن واحد.
ومنذر الذي لا تشي ملامحه بالرقة أو العاطفية استطاع أن يمنح الدور أبعادا إنسانية وألوانا مختلفة، على عكس خطاب التي أتقنت دور الشريرة التي تقبل كل شئ إلا أن يقل نصيبها من المال أو السيطرة.
وعلى النقيض في معسكر الخير، نجد ممثلتين جمعتهما الصداقة كشخصيتين داخل المسلسل، كما جمعتهما منافسة شرسة في مباراة أداء مؤلم، وهما زمزم (الصايغ) زوجة المعلم التي تكتشف إصابتها بسرطان الدم في مرحلة متأخرة، ودهب (هاجر) التي تحب “المعلم” في صمت كونه زوج صديقتها.
وقد أدى محمود الليثي، أو الفتوة المزيف “هيثم” دوره بشكل رائع، واستطاع تشكيل ملامح الأحجية التي قامت عليها تركيبته المعقدة، فهو جبان، يطمح إلى أن يصبح فتوة، لكنه لا يملك شجاعة المواجهة، ولا حكمة التخلي عن طموح لا يملك القدرات اللازمة له.
وقد جسد هذا الممثل دوره في البداية مفجرا الضحك على ذلك النموذج المتناقض، الذي يقول ولا يفعل ويتعرض لمواقف محرجة، ولكن الضحك يتحول إلى دموع حين اكتشف “هيثم” حقيقته ورأى بعينيه صورته ضعيفا هزمته الحياة قبل أن يبدأ صراعه معها.
الخروج من القاهرة
لم يقدم المخرج مشاهد المجموعات داخل سوق السمك بأفضل شكل، لذلك كان مضطرا دائما إلى المرور السريع على المجموعة، ثم الاستقرار على جزء صغير من المشهد، ومتابعة الأحداث، وهو ما استدعى نجاح المخرج الراحل إسماعيل عبد الحافظ بقدرته الفذة على تصوير المجموعات واقتناص المشهد بين عشرات الأشخاص مع عدم التنازل عن الإشباع سواء بصريا أو دراميا، وخاصة في الملحمة الشهيرة “ليالي الحلمية”.
ولعل أفضل ما في العمل هو الخروج من القاهرة إلى مساحات أكثر بكارة للتصوير فيها، وفي المشاهد القليلة التي اهتم بتفاصيلها المخرج، ظهرت خلفيات مشهدية فريدة من نوعها للدراما الفاقعة، لتخفف من عبء القيم السلبية التي تسيطر على سلوك أبطاله.
يعد “المعلم” بمثابة ضوء أحمر تحذيري لفريق العمل، وخاصة بطله الذي استخدم “وصفة الدون جوان” لسنوات طويلة، قدم خلالها شخصية الرجل المزواج المحبوب الغني والشاب المظلوم المحبوب أيضا، الذي ينتصر للخير ويمثل الضعفاء والضحايا في مجتمع الأقوياء والأشرار، لكن ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد أنها فقدت صلاحيتها.