عمّان – بمئذنته الشاهقة وشكل بنائه الهندسي الثماني واسمه اللافت، يتربع “مسجد المسيح عيسى بن مريم” في محافظة مأدبا -التي تبعد 33 كيلومترا جنوب غرب العاصمة الأردنية عمان- على مقربة من كنيسة الروح القدس الكاثوليكية اللاتينية، في واحدة من رسائل التعايش والتسامح والتقارب الديني الإسلامي المسيحي في المدينة الضاربة في جذور التاريخ.
تكمن رمزية مسجد المسيح عيسى بن مريم في اختيار اسمه، فهو أول مسجد في العالم الإسلامي يحمل اسم نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام، وتعود فكرة بنائه إلى الحاج غالب العتيبي، أحد سكان مدينة مأدبا، الذي بحث كثيرا عن اسم لم يرد من قبل لجميع مساجد العالم، وكذلك للدلالة على روح التآخي والتسامح التي تجمع سكان المدينة الواحدة من مسلمين ومسيحيين، لا سيما وأن الأرض التي بني عليها المسجد تعود في الأصل لأحد أبناء المدينة من المسيحيين، فكان أن وقع الاختيار على اسم النبي عيسى عليه السلام، في سابقة دينية أجازها مفتي المملكة في ذلك الوقت.
تحفة معمارية
“الجزيرة نت” زارت المسجد، واطلعت على الطريقة المتميزة في بنائه، فهو تحفة معمارية تجمع ما بين الأصالة والمعاصرة، إذ تحتوي جدرانه الداخلية على لوحات فنية من خشب البلوط، صنعت خصيصا في حلب، مكتوب عليها آيات قرآنية، تركز على قصة النبي عيسى وأمه مريم عليهما السلام، حيث نقرأ مثلا “إنّما المسيحُ عيسى ابنُ مريمَ رسولُ اللَّهِ وكلمتهُ أَلقاها إلى مريم وروحٌ منهُ” (النساء/الآية 171)، وكذلك “إنّ مَثلَ عيسى عندَ اللّه كمثَلِ آدمَ خلَقهُ من تراب ثمّ قال له كُن فَيكونُ” (آل عمران/ الآية 59).
ومن خلال تجوّلنا داخل المسجد، نجد الزخارف الشرقية الإسلامية، والأعمدة والجدران، والقباب المختلفة، لتنثر جوا من الراحة النفسية والروحانية العميقة، وقد بنيّ المسجد على مساحة ألف متر مربع، وهو مؤلف من ثلاثة طوابق ورواق وقبة طولها نحو 51 مترا.
فضلاً عن ذلك، بني المسجد على شكل هندسي ثماني من الحجر الأبيض الجميل، وهو قريب في بنائه من مسجد قبة الصخرة المشرفة بالقدس المحتلة، بمئذنة طولها 60 مترا هي الأطول على الإطلاق في المدينة، ليؤكد القائمون على المسجد ورواده من المصلين أن تسميته تأتي استكمالا لحالة التنوع الاجتماعي والديني والثقافي التي تعيشها مأدبا.
تنوع ديني
إمام المسجد الشيخ حمزة الرواجيح قال للجزيرة نت إن “مدينة مأدبا يختلط فيها التنوع الديني، وجاء بناء مسجد عيسى بن مريم قبل سنوات في حي لم يكن يعج بالسكان”، لكن اللافت في الأمر أن عدد السكان المسيحيين المحيطين بالمسجد اليوم يساوي عدد المسلمين، مما يعني أن عددا كبيرا من المسيحيين سكنوا بالقرب من المسجد الذي يحمل اسم نبي الله عيسى بن مريم عليه السلام.
الرواجيح أشار إلى أن “المسجد أصبح مزارا للعديد من المواطنين خارج محافظة مأدبا، وكذلك بات معلما سياحيا يزوره الناس من خارج الأردن مسلمين ومسيحيين”، لافتا إلى أن المسيحيين والمسلمين على حدٍ سواء دائما ما يؤكدون أن المسجد يحمل رسائل التآخي والتسامح التي يعيشها مواطنو هذه المدينة، و”وجود المسجد بالقرب من الكنيسة يؤكد هذا المعنى”.
ومما يروى عن مدينة مأدبا أن إمام أحد مساجد المدينة مرض مرضا شديدا في شهر رمضان، مما منعه من إعلام المسلمين الصائمين بدخول وقت الإفطار، فلاحظ هذا الأمرَ القائمُ على الكنيسة المجاورة للمسجد، فعلم الرجل المسيحي بأن شيئا ما قد حدث لجاره المسلم، فما كان منه إلا أن بدأ بقرع أجراس الكنيسة ليعلم المسلمين بأن موعد الإفطار قد حان.
وتقع محافظة مأدبا بموازاة ما يسمى “طريق الملوك” التاريخي الذي يزيد عمره على 5 آلاف عام، ويقدر عدد سكانها بنحو 150 ألف نسمة، وتعرف بأنها مدينة الفسيفساء والكنائس القديمة نظرا لاكتشافات عديدة تحت أرضها لآثار تاريخية مصنوعة من الفسيفساء المحفورة والمرسومة، والتي ترجع إلى العصرين البيزنطي والأموي، مما جعلها مقصدا مفضلا للسياحة الدينية.