“مخلوقات بائسة”.. إبداع بصري وتألق إيما ستون في دور الطفلة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 5 دقيقة للقراءة

أثار فيلم “مخلوقات بائسة” (Poor Things) ردودا مختلفة بين الجمهور؛ إذ اعتبره البعض تحفة فنية، في حين وجده آخرون غريبًا بل مبتذلاً. لكن في المقابل، اتفق الجميع على أن العمل يتميّز بالرمزية العميقة ويستحق الاهتمام الدقيق بتفاصيله.

ومما يجعل هذا الفيلم ممتعًا أيضا هو عدم القدرة على التنبؤ بمستقبل الشخصية الرئيسية بيلا (إيما ستون). ورغم أن العمل قد يقدم توقعات متنوعة بناءً على تطورات القصة والأحداث، فإن بيلا تختار مسارها الخاص دون أن تخضع لمحاولات السيطرة عليها، مما يجعلها تكسر توقعات المشاهدين في الغالب.

يتميز “مخلوقات بائسة” بلمحات فنية كوميدية خفيفة، وتأتي الأزياء المستوحاة من العصر الفيكتوري كلمسة إضافية لجعل تجربة المشاهدة أكثر إثارة وتميزا. ويعتبر العمل تحفة تجمع بين الجرأة والإبداع، مع قصة تتجاوز التوقعات المألوفة وتترك الجمهور في حالة من التأمل والدهشة.

تم ترشيح الفيلم في 11 فئة في حفل توزيع جوائز الأوسكار، وعاد “مخلوقات بائسة” محملاً بأربع جوائز، وهي أفضل مكياج وتصفيف شعر، وأفضل أزياء، وأفضل تصميم إنتاج، في حين حصلت بطلة الفيلم إيما ستون على جائزة أفضل ممثلة.

رحلة استثنائية

وفيما يتعلق بأحداث “مخلوقات بائسة”، فيمكن وصفه بأنه رحلة فنية استثنائية تتبع شخصية بيلا من الطفولة إلى النضج الفكري والعاطفي، حيث يبدأ مع بيلا التي تعيش كطفلة في جسد امرأة مع الطبيب المجنون، وتعتبر أن وجوده يمثل عالمها، إذ أعادها إلى الحياة عبر زراعة مخ طفلها المستقبلي مكان مخها.

وينقسم الفيلم إلى خمس مراحل تعبر عن نضوج بيلا، مع كل مرحلة تحمل معاني وتحولات تؤثر في رؤيتها للعالم.

وتسلط القصة الضوء أيضًا على علاقة بيلا بالشخصيات المحيطة بها، خاصة ماكس ماكاندلز (رامي يوسف) ودنكان ويديربيرن (مارك روفالو)؛ إذ يمثل ماكس الرجل الداعم والهادئ، في حين يُظهر دانكان الجانب المتلاعب والمحب للحياة.

كما يقدم الفيلم رسالة قوية حول منح الحياة فرصة ثانية، حيث تخوض بيلا تجارب جديدة وصعبة، وفي النهاية تحصل على فرصة ثانية بعدما كانت على حافة اليأس.

و”مخلوقات بائسة” مقتبس من رواية تحمل الاسم نفسه للكاتب ألسدير غراي، نشرت عام 1992. وتركز الرواية أكثر على مذكرات طبيب غلاسكو أرشيبالد ماكاندليس في أواخر القرن التاسع عشر، وتتبع الحياة الغريبة لبيلا باكستر.

ولا تختلف القصة عن الفيلم كثيرا، لكن الاختلاف يكمن في الشخصية التي تروى الأحداث من خلالها، ففي الرواية نرى القصة من خلال شخصية الطبيب غلاكسو أرشيبالد، على عكس الفيلم الذي يرويها من خلال بيلا.

التصوير والإضاءة والألوان

بعد الافتتاحية، يمر الفصل الأول من الفيلم بالأبيض والأسود طوال فترة وجود بيلا في منزل الطبيب، قبل أن يتحول إلى الألوان عندما تخرج بيلا لاستكشاف الحياة. تميز الفيلم فيما بعد بالمشاهد الملونة المفعمة بالحيوية، مما جعل المشاهد الملونة غير واقعية، ذلك لأننا بدأنا نرى العالم من خلال وجهة نظر بيلا، ولأن بيلا امرأة بعقل طفل فهي ترى العالم من عيون طفل بريء منبهر بكل شيء.

اختير لـ”مخلوقات بائسة” عدسات خاصة للحصول على تأثير معين للمشاهد، مع التركيز على عدسات التكبير، وعدسات عين السمكة (fisheye) التي تستخدم عادةً للتركيز على المشاعر، لذلك تمت الاستعانة بها في أغلب المشاهد العاطفية.

كما استخدمت الكثير من العدسات الواسعة ليبدو كل شيء كبيرا وضخما، في حين لم تتم الاستعانة بأي إضاءة احترافية في الكثير من المشاهد، واعتمد المخرج على الإضاءة العادية ليحصل على التأثير الكلاسيكي للمشاهد.

الموسيقى والأزياء

صنع الملحن غيرسكين فندريكس موسيقى مرحة ودراماتيتكة للفيلم، كما أنها طفولية وكلاسيكية، وصاخبة وهادئة في الوقت ذاته، تماما كطفل يلعب ويستكشف الحياة، وكأنها النسخة الأكثر براءة من موسيقى برامج الأطفال في التسعينيات.

مارك رافالو في مشهد من الفيلم (’ي ام دي بي) https://www.imdb.com/title/tt14230458/mediaviewer/rm656098817/

ومثل جميع عناصر الفيلم، جمعت الأزياء بين الكلاسيكية والعصرية، فكانت أغلب أزياء بيلا بأكمام منفوخة مثل أزياء العصر الفيكتوري مع التنورات القصيرة، فخرج مزيج شديد الجمال والتميز، تضمن لمحات من أزياء الستينيات والسبعينيات والعصر الفيكتوري وملابس الأطفال.

ما رسالة “مخلوقات بائسة”؟

بين كل التحليلات التي كتبت منذ إطلاق “مخلوقات بائسة”، كان رد فريق العمل في إحدى المقابلات بمهرجان نيويورك السينمائي أن الفيلم لا يحمل رسالة معينة؛ إذ قال المخرج يورغوس لانثيموس “لا توجد رسالة مباشرة، إنه عبارة عن وضع الشخصيات في أحداث تكشف الصراع في السلوك البشري، والمجتمع حول الإنسان، والإنسان نفسه. الفيلم لا يعظنا أو يتحدث إلينا بشكل مباشر، إنما يشير إلى بساطة وسخافة عالم بيلا الموازي الساخر، ربما ليجعلنا ندرك مدى سخافة العالم الحقيقي الفعلي”.

وفيلم “مخلوقات بائسة” من إخراج يورغوس لانثيموس، الذي سبق أن أخرج “جراد البحر” (The Lobster)، وسيناريو توني ماكنمارا، وتصوير روبي ريان، بطولة إيما ستون، وويليم دافو، ومارك روفالو.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *