لماذا أغضب الفيلم الفلسطيني “لا أرض أخرى” السياسيين ووسائل الإعلام الألمانية؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 5 دقيقة للقراءة

جاء ختام مهرجان برلين السينمائي، قبل أيام، بمفاجأة لم تكن في حسبان التيار السياسي والإعلامي الألماني، فالحدث الذي يعد أحد أهم وأكبر مهرجانات السينما في العالم، أظهر تضامن عدد كبير من الحضور مع وقف الحرب على غزة ورفض القتل الذي لا يتوقف لعشرات الآلاف منهم.

فيلم “لا أرض أخرى”

جاءت أبرز لحظات الدعم للشعب الفلسطيني في فعاليات الدورة الـ74 من المهرجان البرليني من خلال عرض فيلم “لا أرض أخرى” (No other land) الذي تدور أحداثه عن التهجير والتصفية الممنهجة التي يتعرض لها أهالي الضفة الغربية لصالح الاستيلاء على أراض فلسطينية جديدة وإقامة مستوطنات إسرائيلية عليها.

الوثائقي الذي تم عرضه في قسم “بانوراما”، أحد أهم أقسام مهرجان برلين السينمائي الدولي لعام 2024، حاز على إعجاب جماهيري كبير لدرجة فوزه بجائزة القسم التي يتم منحها وفقا لتصويت الجمهور.

وشهد العرض الأول للفيلم تصريح صناع العمل الأربعة بأن موقفهم الواضح هو ضرورة وقف إطلاق النار في غزة، كما شهد هتافات بعض الجماهير الحاضرة “الحرية لفلسطين” (Free Palestine)، وهو هتاف على الرغم من بساطته، لكنه يتسبب بعض الأحيان في إلقاء القبض على أصحابه في شوارع برلين نتيجة اعتبار السلطات الألمانية له عملا معاديا للسامية.

سنوات من التوثيق

يبدو الفيلم الوثائقي في هذه اللحظات معبرا عما يحدث في فلسطين بشكل آني، لكنه في الحقيقة توثيق طويل الأمد لما يعيشه أهل الضفة الغربية، مما يمنحه قوة توثيقية تتخطى المجادلات السياسية.

وفي الفيلم نتتبع توثيق “باسل عدرا” عبر كاميرا هاتفه المحمول ما يتعرض له أهل قرى “مسافر يطا” الفلسطينية منذ عام 2019 من تدمير لأراضيهم وبيوتهم وتهجيرهم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.

كما يوثق الفيلم الاختلاف الواضح في الحقوق بين أهل الضفة وصانع الفيلم نفسه “باسل عدرا” وبين الناشطَين والصحفيَين الإسرائيليين اللذين ينضمان لفريق الفيلم “يوفال أبراهام” و”راشيل سزور”. وفيما يستمر هدم منازل الفلسطينيين نهارا، يحاول أهل الضفة بناء منازلهم مرة أخرى ليلا.

ويرصد الفيلم لحظة مواجهة أحد الأهالي لقوات الاحتلال التي تطلق عليه النار بشكل مباشر أمام الكاميرا. المحاولات لإعادة بناء القرى يستمر حتى مع استمرار هدمها من قبل سلطات الاحتلال.

تستمر أحداث الفيلم حتى عام 2023 مع زيادة ملحوظة لعنف قوات الاحتلال، وينتهي الفيلم بتوثيق لحظات حزينة لكنها تبقى خالدة سينمائيا. ويعد الفيلم وثيقة مهمة لا يمكن لأحد نكرانها، وهي مناسبة للعرض أمام المشاهد الغربي المتشكك في مدى المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني.

تكريم مستحق ونقد لاذع

استمر الإنجاز الفلسطيني في حفل الختام من خلال فوز الفيلم بالجائزة الرسمية لأفضل فيلم وثائقي في فعاليات المهرجان، وفي كلمة الشكر بعد إعلان الفوز، تحدث “باسل عدرا” عن أنه من الصعوبة الاحتفال بينما يتم قتل الآلاف من أبناء بلده على يد الجيش الإسرائيلي، وهدم قريته من قبل آليات الجيش الإسرائيلي.

وأضاف أن طلبه الوحيد من ألمانيا بينما يقف في برلين هو أن تتوقف الحكومة الألمانية عن توريد الأسلحة لإسرائيل وأن تحترم نداءات الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار.

وبينما اعتقد الحضور أن كلمة “باسل عدرا” القوية هي أعلى درجات الجرأة في حفل الختام، جاءت كلمة “يوفال أبراهام” أكثر حدة، حيث تحدث المخرج الشاب عن وقوفه بجانب صديقه الفلسطيني الآن كشخصين متساويين.

لكنهما حينما يعودان سيتحول الموقف تماما، باسل عدرا -ككل الفلسطينيين في الضفة- يعيش تحت حكم عسكري من الاحتلال الإسرائيلي بينما يعيش يوفال تحت حكم مدني.

ومن حق المخرج الإسرائيلي التصويت في الانتخابات بينما لا يحق ذلك للمخرج الفلسطيني. ووصف “يوفال أبراهام” الوضع في النهاية بأنه “فصل عنصري – أبارتهايد” وأنه يجب أن يتم إنهاؤه.

ردود فعل ألمانية غاضبة

عقب نهاية الحفل انتشرت ردود الفعل الألمانية الرسمية الغاضبة، فغرد عمدة برلين “كاي فيغنر” من الحزب المسيحي الديمقراطي على موقع إكس قائلا: “إن ما حدث في مهرجان برلين كان مقاربة غير مقبولة، لا مكان لمعاداة السامية في برلين، وهذا ينطبق على الفن أيضا”.

في سياق متصل، وصف وزير الثقافة في حكومة برلين “جوي كيالو”، وهو أيضا من الحزب المسيحي الديمقراطي، حفل ختام برلين بأنه امتلأ بـ”البروباغندا المعادية لإسرائيل”.

كلوديا روث من حزب الخضر والمفوضة الفدرالية عن الثقافة والإعلام، والتي تحضر بشكل دائم كممثل حكومي للإشراف على المهرجان، صرحت أيضا أنها ستبدأ تحقيقا في ما شهدته من انتقادات لإسرائيل خلال حفل الختام.

هذا الغضب الحكومي صاحبه غضب إعلامي ألماني في مختلف الصحف والمواقع الألمانية التي اتهمت الفنانين بمعاداة السامية ولم تناقش ما وجهوه من نقد موضوعي لقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين وطلباتهم بوقف إطلاق النار التي يشاركهم فيها غالبية دول العالم.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *