كيف جمع فيلم “مطاردة في البندقية” بين الرعب وأغاثا كريستي؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

منذ 6 سنوات بدأ الممثل والمخرج كينيث براناه فصلا جديدا في مسيرته الفنية، وذلك بتدشين سلسلة أفلام يقدم فيها شخصية المحقق البلجيكي “هيركول بوارو” الذي أبدعه خيال كاتبة روايات الإثارة الشهيرة أغاثا كريستي.

قدم براناه عام 2017 أول أفلام السلسلة بعنوان “جريمة قتل في قطار الشرق السريع” (Murder on the Orient Express)، ثم أتبعه عام 2022 بفيلم “وفاة على ضفاف النيل” (Death on the Nile)، وتعرض دور السينما حول العالم الآن الفيلم الثالث بعنوان “مطاردة في البندقية” (A Haunting in Venice)، والذي يختلف كثيرا عن سابقيه بمزجه الرعب بأدب أغاثا كريستي المشهور بالجريمة.

نسخة خاصة من روايات التحقيق

يعرف محبو أدب أغاثا كريستي الصامد عبر الأجيال السمات الشهيرة لرواياتها، والتي غالبا ما تبدأ بجريمة قتل وتنتهي بمعرفة المحقق بوارو أو ميس ماربل العجوز هوية القاتل، وخلال هذه الرحلة نتعرف على كثير من المشتبه فيهم، وكل منهم يمتلك دافعا للجريمة، وكلما كان المجرم عصيا على الاكتشاف، زاد غموض الرواية وإثارتها بالنسبة للقارئ.

اقتبست كل من السينما والتلفزيون والمسرح روايات كريستي مرات عديدة، بل حصلت بعض الروايات الشهيرة على عدة نسخ مرئية ولكن يبقى سحرها مستمرا، مما جذب المخرج الحاصل على جائزة أوسكار كينيث براناه إلى هذه الأعمال لتقديمها في ثوب جديد وبمساعدة أشهر الوجوه السينمائية.

في فيلمه الأول والثاني استخدم براناه روايتين تم تقديمها سينمائيا من قبل في أفلام شهيرة للغاية، وحاصلة على الجوائز، والتزم كذلك بالنص الأصلي إلى حد كبير، الأمر الذي يعني أن فيلمه ليس سوى نسخة محدثة من رواية وفيلم يعرفهما أغلب المشاهدين، ولكن في “مطاردة في البندقية” اختلف الوضع تماما.

“مطاردة في البندقية” مقتبس من رواية “حفلة الهالوين” المنشورة عام 1969، ولم تظهر على الشاشة الكبيرة من قبل، أو تبلغ من الشهرة ما وصلت إليه روايات “جريمة قتل في قطار الشرق السريع” أو “وفاة على ضفاف النيل”، كذلك لم يلتزم المخرج بشكل حرفي بالنص الأصلي.

في رواية “حفلة الهالوين” يحضر المحقق بوارو حفلة هالوين بصحبة صديقته وهي كاتبة روايات إثارة شهيرة، وخلال الليلة تخبره فتاة مراهقة أنها شهدت جريمة قتل حينما كانت أصغر سنا، وعندما يقابلها الجميع بعدم التصديق تخرج من الغرفة غاضبة، وبعد ساعات يتم إيجاد جثتها، وقد تم قتلها بالطريقة نفسها التي وصفت بها الجريمة قبل قليل، ويكون على المحقق بوارو التحقيق ليس في جريمة قتل واحدة، بل في جريمتين.

بينما يبدأ الفيلم ببوارو المقيم في فينسيا بعدما قرر اعتزال عمله محققا في الجرائم، تخترق عزلته صديقته الكاتبة أريادن أوليفر داعية إياه إلى حضور حفل الهالوين في منزل أحد معارفها، إذ ستقام جلسة لتحضير الأرواح، الأمر الذي لا يؤمن به نهائيا، وتتحداه لكشف سر نجاح جويس رينولدز الروحانية الشهيرة.

وفي القصر المقام فوق مياه فينسيا لا تحدث جريمة قتل واحدة بل 3 جرائم بالإضافة إلى أخرى قديمة، ويكون على بوارو نفض الغبار عن مهاراته والكشف عن القاتل أو القتلة ممن حوله.

الرعب على طريقة أغاثا كريستي

روايات أغاثا كريستي، وبالتبعية الأفلام المقتبسة منها تعتمد بشكل أساسي على إثارة البحث عن القاتل بين المشتبه فيهم، ولكن كينيث براناه أخذ العالم عدة خطوات إلى الأمام، فصنع فيلما يحمل كثيرا من سمات أفلام الرعب، يبدأ ذلك من اختياره مكان الأحداث، وهو قصر نائي، أغلب حجراته مهجورة، تخرج المياه من جدرانه وأسقفه، وله ماض مرعب، وقد حُبس فيه عدد من الأطفال في أحد الأقبية، وظلوا وحيدين فماتوا جوعا وعطشا، وتحكي الأسطورة أن أشباح هؤلاء الضحايا تطارد سكان القصر، خاصة الأطباء والممرضات الذين تركوهم بلا رعاية طبية.

لا تختبر الحبكة قدرات بوارو كمحقق فقط، ولكن إيمانه بالأشباح والماورائيات، الأمر الذي أبرزه أسلوب تصوير كثير من المشاهد، وقد عمد المخرج ومدير تصويره هاريس زامبرلوكوس إلى اختيار زوايا حادة، ووضعوا الكاميرا بالأعلى لترمق الممثلين كما لو أنها أشباح طائرة تشاهد عبث البشر، وقد تعاون كل من مدير التصوير والمخرج من قبل في عدة أعمال أهمها “بلفاست” (Belfast) والذي ترشح لـ6 جوائز تصوير.

ساهمت الموسيقى التصويرية أيضا في تعزيز جو الرعب، والهلاوس السمعية البصرية التي يعاني منها بطل الفيلم، وتجعله حائرا بين معتقداته الراسخة، وما يراه ويسمعه في هذا القصر الملعون، وقد ألفتها الأيسلندية هيلدور غونادوتير الفائزة من قبل بأوسكار أفضل موسيقى في فيلم “جوكر” (Joker)، وقد ركزت في “مطاردة في البندقية” على الآلات الوترية في معزوفات تخلط بين الشجن والترقب.

A Haunting in Venice

كثير من الإثارة

رعب فيلم “مطاردة في البندقية” لا يعتمد على قفزات التخويف أي المشاهد المفاجئة التي تدفع المتفرج إلى التجمد رعبا نتيجة لتغيير في الصورة، أو ظهور شخصية غير متوقعة، أو حتى مؤثرات بصرية مروعة -وإن احتوى على مشهد أو اثنين من هذا النوع- ولكن بشكل أساسي كان الرعب مضفرا بعناية في نسيج الفيلم، يظهر في الصورة والصوت، والجو القلق الذي تشيعه تصرفات الممثلين غير المتوقعة، الأمر الذي يجعله مؤهلا لأن يكون أحد أفلام موسم “الهالوين” في شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، ولكن لا ينضم إلى أفلام رعب أكثر رسوخا في النوع السينمائي، مثل “سو” (Saw) أو “أعرف ماذا فعلت الصيف الماضي” (I Know What You Did Last Summer).

من الناحية الفنية يعتبر فيلم “مطاردة في البندقية” أفضل ما قدمته هذه السلسلة حتى الآن، وقد حصل بموقع “روتن توماتوز” على معدل 76% في حين لم يتجاوز تقييم الفيلمين الأول والثاني 61%، وحتى الآن لم يحقق الفيلم الإيرادات الكافية لتغطية ميزانيته، ولكن موسم عيد الرعب لايزال في بدايته، ومن المتوقع استقطاب الفيلم لشريحة واسعة من المشاهدين، الذي يرغبون في القليل من الرعب والكثير من الإثارة.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *