كيف استغلت مواهب سوريا الشابة موسيقى الدراما التصويرية في العبور إلى عالم الشهرة؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

خلال سنوات الازدهار للدراما السورية، حققت الموسيقى التصويرية وأغاني الشارات انتشارا واسعا وصنعت قيمة مضافة كرست نجاح تلك الأعمال.

في موسم دراما رمضان 2023، تحققت المعادلة مجددا في مسلسل “الزند” عندما حققت أغنية شارته التي أدّتها مها الحموي، والموسيقى التصويرية، وحتى الأغاني الداخلية التي أدّتها سارة فرح، نجاحا باهرا لأنها أتت كثمرة بحث عميق عمّا يشغف المنطقة الجغرافية التي تدور فيها قصة المسلسل، وكانت النتيجة بالعتابا والمواويل.

هكذا، لعب التدوير العصري لعتابا وأغانٍ أدّاها مغنٍ شعبي اسمه برهوم رزق إلى حصد شعبية كاسحة، خاصة أن العمل يتكئ على نجم بحجم تيم حسن.

صاحب المنجز الموسيقي ذاك كان خرّيج المعهد العالي للموسيقى في دمشق عام 2012 آري جان سرحان، والذي جرّب سابقا في مناسبات عدة الابتكار من خلال آلة البزق التي يعزف عليها، كما بحث في التراث السوري الغني بما فيه من مكونات عربية وسريانية وكردية، واستوحى من الواقع السوري الأليم بالاتكاء على ما يحمله السوريون من تنوع، وما عايشوه من مآسٍ وخصوصا في السنوات الأخيرة.

كما صاغ موسيقى تصويرية لأعمال درامية محلية صار عددها 11، ومجموعة من الأغاني، اشتغل مع جيل شاب ومغنيات ناشئات وأنجز لأصالة نصري أيضا، لكنّ لحظة تتويجه المهني كانت في شارة مسلسل “الزند” وحملت عنوان “رفاق الدرب”.

أعاد المخرج سامر البرقاوي في الموسم الأخير تعاونه مع سرحان ليؤلف الموسيقى التصويرية لمسلسل “تاج”، فكان قرار الفنان السوري بالابتعاد عن خيار الأغنية في الشارة، والاكتفاء بالموسيقى كي لا يحدث أي مقارنة مع “الزند” باعتبار أن المقترح الدرامي يختلف جذريا، لكنّه اختتم جهده الموسيقي بإعادة توزيع للموّال السبعاوي الشهير “الشام لولا المظالم” للمغني الشعبي تيسير السقا “أبو رياح”، والذي غنّته سارة درويش ليتصل معه نشيد “في سبيل المجد” للشاعر الراحل عمر أبو ريشة، لكن بتوزيع جديد للموسيقي الشاب الذي يعتني بالمقال النقدي أكثر من اهتمامه بأي محتوى إعلامي قد يواكب عمله.

ولدى سؤال آري جان سرحان عمّا إذا استطاعت الدراما السورية صناعة هوية للموسيقى التصويرية أم أنها ما زلت تقلّد وتستفيد من تجارب مكرّسة، أجاب “كانت للدراما السورية دائما هوية موسيقية، لأن لدينا أساتذة كثيرين اشتغلوا في السنوات الماضية، ونحن نحاول أن نسير على خطاهم، وبما أنه يوجد جيل جديد يُفترض أن يكون التطور موجودا، والغاية صناعة موسيقى وهوية سمعية لكل عمل نشتغله، لكن لا يوجد نظام واحد عملنا عليه إنما هناك الكثير من الأسماء الواعدة التي قدّمت موسيقى خلاقة”.

من جانب آخر، بات واضحا للجمهور أن المخرج سامر برقاوي والنجم تيم حسن وشركة “الصباح” هم فريق واحد ينتج مسلسلا رمضانيا بشكل سنوي، ويبدو أن سرحان انضم إليهم كمؤلف موسيقي، لكن هل العمل ضمن منطق الفريق يعتبر حالة مثمرة أم أنه فرصة للاتهام بـ “الشللّية”؟

يرد المؤلف الموسيقي السوري بالقول “باعتقادي أي شراكة ستؤدي إلى نتائج جيدة، ولا يمكن أن تكون “شللية” بقدر ما هي تفاهم وانسجام مهني، لأن الشغل المستمر مع الفريق يعمّق نقاط الالتقاء، ويوَضح الصيغ النهائية التي يمكن أن يظهر المشروع بطريقة مميزة ومختلفة، لذا فإن تكرار الشراكة سيصنع تحديا أكبر، بسبب الرغبة والبحث عن شيء جديد”.

ولدى الحديث عن تجاربه الموسيقية التصويرية، والتي لم تحقق الأثر الذي أنجزه في “الزند”، وإن كان هذا النجاح تأخر، فرد سرحان “على العكس، لأنه عندما نريد قطف ثمرة عمل ما، فإنّ ذلك يحتاج إلى فترة زمنية معينة، وبالنسبة لي هي تلك الـ10 سنوات منذ تخرجي من “المعهد العالي للموسيقى” والآن تبدو وكأنها الفترة الطبيعية التي يجب أن نظهر فيها إلى الجمهور. ثم إن الموسيقى التصويرية جزء من عمل شامل، ويجب أن يكون هذا العمل مكتمل الجوانب ومتماسك المعالم، انطلاقا من النص إلى الإخراج ومن هم الأبطال، ثم رؤية شركة الإنتاج في تقديم رؤيتها.. وسط ترابط تلك العناصر ظهر دوري وطُرِح اسمي وبدأ بالتداول”.

مع ذلك يبقى كعب النجاح أعلى في “الزند” من وجهة نظر نقدية مختصّة، وتحديدا على المستوى الموسيقي، “لا أريد الحديث عن النجاح، لأنه يخص الجمهور الذي يتلقى المادة. كل ما يمكنني قوله إنني أتعاطى مع المادة الموسيقية بكل صدق، وهذا ما حصل في “الزند” وفي “تاج” هذا العام، وقد حاولت بالاتفاق مع مخرج العملين وضع أغنية شارة في الأوّل، أما في الثاني، فكان الاتفاق أن يكون مجرّد موسيقى فقط من دون أغنية علما بأن تتحول الموسيقى إلى تريند أمر لا يحدث عادة، وبالتالي كان هناك شبه تحدٍّ أن تناسب الموسيقى المرحلة الزمنية والصورة، والقصة التي يقّدمها المسلسل وفي الحلقة الأخيرة جرّبنا تتويج جهدنا بإعادة إنتاج موال: “بلاد الشام لو لا المظالم” متصلاً مع نشيد “في سبيل المجد”.

لآري جان سرحان من صفحته على انستجرام

وعن الهدف من التعاون مع مغنيات شابات مثل مع مهى الحموي في “الزند” أو مع سارة درويش في “تاج”، يقول سرحان “مجرّد البحث عن أصوات مختلفة وإعطاء فرصة للشباب يعد أمرا مهما، ولكن الكل يعرف واقع سورية وانعدام شركات الإنتاج الموسيقية والغنائية فيها، لتبقى الدراما بالنسبة لنا هي المساحة الوحيدة الغنية التي نستطيع من خلالها تعريف الجمهور العربي أو السوري على أصوات جديدة”.

ويضيف، “عندما قمت بانتقاء مها الحموي لشارة “الزند” لم يكن على أساس دراستها الأكاديمية فقط، بل لأنها أيضا من تلك المنطقة التي حاكتها الدراما، وتجيد العتابا بشكل ممتاز لذا كان هذا الخيار. وعندما غنت سارة درويش الموال في “تاج” لأنه يشهد لها في الوسط السوري والعربي وبصوتها الجميل جدا، لكن تبقى هذه الإطلالات ضمن محاولتنا البحث عن الصوت المناسب للعمل، هذا الشيء أكثر من بحثي عن الموهبة لأني لست شركة إنتاج أستغل هذا النجاح وأتبناه كمشروع، لكن إذا وجدت فرصة لإنتاج ألبوم لها أحب أن أشاركها بلحن أو أقدم لها توزيعا”.

“من ناحيتي أبدي استعدادي الدائم مع كل من يعمل معي لأكون بجانبه على كل المستويات المهنية” يشرح سرحان، ثم يستطرد بما يشبه الخلاصة التي تفيد بأن “مبادرتنا تختصر في جعل هذه الأصوات تُسمع، لأنها أصوات أكاديمية ومثقفة ومحترفة، ولكن لكي نصنع تجربة غنائية سورية فنحن بحاجة إلى شركات إنتاج وطنية”.

أما عن رأيه فيما يخص بعض القرارات المتعلقة بالمعهد العالي للموسيقى والتي تنص على أن أي طالب من السنوات الأولى يطرح أغنية في السوق دون إذن إدارته يتم فصله، فيقول “بالنسبة لي ليس لدي أي علاقة بالمعهد الموسيقي، لكنني أدرس في “المعهد العالي للفنون المسرحية” وتواصلي ينحصر على طلاب التمثيل المتذوقين للموسيقى، وعندما أريد التحدث عن المعهد العالي للموسيقى أحتاج إلى 6 مقابلات وأفضل عدم الحديث عنه، لا توجد لدي أي مشكلة، لكن هذه القوانين الخاصة به أعتقد أنها ليست من اختصاصي لأتحدث عنها”.

ولدى سؤاله عن رأيه -كموسيقي- بالأكاديمية الموسيقية الرسمية في سوريا وقراراتها، شرح “المعهد العالي للموسيقى هو أهم أكاديمية موسيقية في بلادنا، وليس لدي مشكلة مع قوانينها، ولا يحق لي إدلاء الرأي في مثل هذا القانون إن كان موجودا. لأن مجلس الإدارة هو من يضع القوانين بناء على رؤية محددة، ولأكون موضوعيا يفترض بالطالب في سنواته الأولى التركيز على دراسته فقط، لأنه قادم من خلفية ليست أكاديمية، لذا عليه الاهتمام في معطيات دراسته، وفهمها أكثر، وينغرس في كل التفاصيل الموجودة في المعهد”.

وختم سرحان، “من واجبنا كخريجين من هذه المؤسسة أن نكون على صلة معها ومع أساتذتها والموسيقيين بشكل عام، ونحاول تطوير الحالة الموسيقية في سوريا”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *