“كرادة مريم”.. رواية تطارد الدهشة من القاهرة لبغداد

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 4 دقيقة للقراءة

تغلف الحيرة طريق الروائي والشاعر رأفت السنوسي من صعيد مصر إلى العراق؛ فعلى لسان شاهين بطل روايته “كرادة مريم” التي أخذت اسمها من الحي البغدادي البارز، الذي يعرف حاليا باسم “المنطقة الخضراء”، تنفلت عشرات الأسئلة من عقالها لتتفجر في كل صفحة من الرواية المكونة من 249 صفحة من القطع الصغير.

ولا تكاد متاهة من متاهات الرواية تنتهي حتى تنفتح أخرى، ليتعرّف القارئ إخفاق الرواي في إيجاد طريق أمثل لحياته ودهشته، حتى في المحبة المفترض أنها تعني الطمأنينة والسلام، ليقرر في النهاية بأن “الحب مهلكة كبرى، والأخطاء الكبيرة وراءها حب كبير”.

ويقنع بطل الرواية بأن قريته الصغيرة وعالمه مُنفتحان على الآلام والموت لأجل الترهات “ففي بلادنا يحاصرنا الجفاف، وتتكالب عـلى مشاعرنا المحن وكل بلادنا العربية”.

من الشعر للرواية

يمثل السنوسي حالة إبداع تتجاوز الرواية للشعر الفصيح، كما يدل على ذلك ترجمة ديوانه: “فاتحة لسفر الخواتيم” إلى الفرنسية عن دار “إي ديليفيري” بباريس (2020)، كما تعلن كتبه السبع المنشورة عن حيرته تجاه واقع يراه بالغ القسوة، لا يستحق إلا الأسئلة التي تفيض به ليبحث عن منقذ من ورطاته المتراكمة التي تكاد تلف أحداثها جميع البلاد التي زارها عبر بطل الرواية.

يصمم الروائي على كشف تيه شخصيات متنوعة؛ منها المصرية والعراقية واليهودية والسودانية والبلجيكية وغيرها، إذ تشمل شخوصه ألوان طيف البشر، بدءا من الشر المستديم في وهدان العمدة الحاكم المتنكر لكل جميل، وحتى خديجة المحبوبة البريئة المستسلمة للحياة، مرورا بجاسر ابن الراوي اليهودي الشبيه ببطل رائعة شكسبير “تاجر البندقية”؛ إذ يمثل جاسر النسخة المعاصرة من شارلوت الذي يبيع صديقه أنطونيو، ويطالب بقطع رطل من لحمه مقابل مبلغ لم يسدده.

السرد المتداخل

كُتِبتْ الرواية في غربة الكاتب قرب نهاية 2019، وفاضت شاعرية في أغلبها منذ أن أهداها راويها إلى “الأحباب الذين سكنوا رواياتي”، رغم أن الكاتب ليس له رواية أخرى منشورة غير “تل الرمان” التي نشرها في 2017.

ويختلط الحب لدى الراوي برقة تشبه شخصية خديجة التي “مضـت كالطيف وتبعها قلبـي، ناديت عليه لم يسـمع لي، يا لك من قلب عاص، تصر عـلى أن تسـتوفي حظك مــن عشـق خـاسر”، كما يقول بطل الرواية.

ولكن الرواية لا تتوقف عند الحب بل تحاول مطاولة الحكمة، إذ تقول عن الاغتراب “وما الغربة غير قبر يدخله الإنسان طوعا وحيا ثم يُبعثُ منه إذا أرّقه الشوق والحنين”.

وفي الرواية يذهب للعراق بنهاية التسعينيات من القرن الماضي، ويعود إليها بعد سقوط بغداد، ليجعل الكاتب تقنية الاستراجع السردي أساس السرد في الرواية.

الأحزان الكثيفة

يرى السنوسي أن سقوط بغداد كان فاصلة كبرى في التاريخ العربي المعاصر، ويترك الحدث يدمر الشخصيات الطيبة في عمله، كاشفا عن هشاشة مشاعرهم وإخفاقهم في مواجهة التحديات المتوالية، خاصة مع “الغرباء الذين ماتوا في غربتهم وجاءوا في نعوشهم محكمة الغلق بالقصدير، وفي أنوفهم هـواء الغربة اليابـس، وشوق لأحبتهم لم يكتب الله له أن ينطفئ باللقاء”.

ويصف الكاتب الجميع بأنهم “متعبون” حتى الجماد نفسه، ويقول على لسان إحدى شخصياته في صعيد مصر “دفعت الباب فأحدث عويلا صاخبا وكأنني طعنته بسكين”، أما في الحي البغدادي المعروف “القريب مـن المصالح الحيوية والقصور الرئاسية”، فقد أخذ التعب بمجامع الجميع “تماما كمثل حلم هاشم الراحل بلملمة القلوب في رداء جدته ثم بعثرتها”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *