بالتزامن مع إضراب نقابة كتّاب السيناريو في هوليود، ادّعى مؤلف مسلسل “صراع العروش” جورج آر آر مارتن وكتّاب آخرون على شركة “أوبن إيه آي” الناشئة في ولاية كاليفورنيا الأميركية بتهمة استخدام أعمالهم في وضع برنامج “شات جي بي تي” من دون مراعاة حقوقهم الفكرية.
واتهم الكتّاب الشركة في الدعوى التي رفعوها الثلاثاء الماضي أمام المحكمة الفدرالية في نيويورك باستخدام مؤلفاتهم “من دون إذن” لتدريب نموذجها اللغوي، أي تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي يقوم عليها برنامج “شات جي بي تي” القادر على إنتاج كل أنواع النصوص بمجرد عرض سؤال بسيط عليه.
واعتبر المحامون الذين تقدموا بالدعوى بالوكالة عن الكتّاب أن “هذه الخوارزميات تنطوي على سرقة منهجية على نطاق واسع”.
ومن بين رافعي هذه الدعوى الجماعية نقابة المؤلفين “أوثورز غيلد” وعدد من الكتّاب من بينهم جورج آر آر مارتن والروائي جون غريشام.
وقُدّمت ضد “أوبن إيه آي” والشركات المنافسة لها دعاوى عدة أخرى من فنانين ومنظمات ومبرمجين.
إضراب كتّاب السيناريو
ويطالب كتّاب السيناريو -المنضوين في نقابة تمثل 11 ألفا و500 من مؤلفي النصوص السينمائية والتلفزيونية، والمضربون في لوس آنجلوس منذ أشهر- بالحصول على ضمانات تحول دون استخدام برامج الذكاء الاصطناعي سواء لكتابة نصوص السيناريو للأعمال، أو لاستنساخ أصواتهم وصورهم.
وبالمقابل اقترحت استوديوهات هوليود مؤخرا على كتّاب السيناريو المضربين إعادة صياغة نصوص تُنشئها بداية برامج الذكاء الاصطناعي، مع اعتبارهم المؤلف الوحيد لهذا العمل، ولا يحصلون بالتالي على أجر أقل.
من ناحية أخرى، لم تتطرق الاستوديوهات إلى مسألة تدريب برامج الذكاء الاصطناعي استنادا إلى نصوص موجودة أصلا، وهو ما تعتبره نقابة كتّاب السيناريو خطا أحمر، وتهديدا وجوديا لمستقبلهم المهني إذ يخشون من إمكان حلول الذكاء الاصطناعي محلهم قريبا.
وطالبت النقابة بعدم إعطاء أي إنتاج آلي صفتي “مادة أدبية” أو “مصدر”، وهي مصطلحات أساسية تتعلق بحقوق المؤلف. كذلك سعت إلى منع استخدام السيناريوهات التي يكتبها أعضاؤها لتدريب برامج الذكاء الاصطناعي.
ويعتقد عدد قليل جدا من كتّاب السيناريو أن برامج الذكاء الاصطناعي قد تكون قادرة على القيام بعملهم. لكنّ مجرد اهتمام الاستوديوهات ومنصات البث باستكشاف هذه القدرات الآلية في هذا المجال يشكّل بالنسبة إليهم تهديدا وإهانة، وفق قولهم.
“خطر على لقمة العيش”
واعتبر المحامون في الدعوى المقدّمة الثلاثاء الماضي أن النماذج اللغوية “تشكّل خطرا على قدرة الروائيين على كسب لقمة العيش، لأنها تتيح لأي شخص أن يولّد آليا ومجانا (أو بسعر متدن جدا) نصوصا يُفترض به أن يدفع للمؤلفين أموالا مقابلها”.
ونبهوا إلى أن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن تُستخدم لإنتاج محتويات مشتقة تقلّد أسلوب الكتّاب.
ولاحظوا في الدعوى أن “النسخ المتعمد (لعمل) المدّعين يحوّل أعمالهم بطريقة غير عادلة ومنحرفة (…) إلى محركات لتدميرهم”.
ويطالب الكتّاب والنقابة بدفع تعويضات عطل وضرر لهم وبفرض حظر على استخدام الكتب المحمية بحقوق المؤلّف “من دون إذن صريح” في تدريب نماذج اللغة.
معارك قضائية
واحتاجت شركة “أوبن إيه آي” إلى كميات كبيرة من النصوص الموجودة على الإنترنت لتدريب نموذجها اللغوي، لكنها لم تحدد بالضبط المواقع والكتابات التي استُخدِمت.
وتواجه الشركة التي باتت تُعدّ من شركات الذكاء الاصطناعي العملاقة بفضل النجاح الواسع لبرنامج “شات جي بي تي”، عددا من الدعاوى الأخرى المماثلة، من بينها تلك التي رفعتها مجموعة من مهندسي الكمبيوتر الذين ادّعوا أيضا على “مايكروسوفت”، المستثمر الرئيسي في الشركة الناشئة، وعلى منصة “غيت هاب”.
ورفع فنانون دعوى في يناير/كانون الثاني على “ستابيليتي إيه آي” و”ميدجورني” و”ديفاينت آرت” التي دربت برامجها بواسطة عدد كبير من الأعمال المرئية على الإنترنت.
وفي مطلع سبتمبر/أيلول، أعلنت شركة “مايكروسوفت” أنها ستوفر حماية قانونية لزبائنها الذين تمت مقاضاتهم بسبب انتهاك حقوق المؤلف في شأن محتويات أنشئت باستخدام أدواتها للذكاء الاصطناعي التوليدي.
ومنذ شهور بدأ مؤلفون رفع دعاوى لحماية حقوقهم لمواجهة الذكاء الاصطناعي الذي يستخدم أعمالهم لتوليد محتوى، إلا أنّ معاركهم القضائية لن تكون سهلة، ففي أوروبا وأميركا الشمالية يميل القانون إلى تأييد الذكاء الاصطناعي مع أنّ الوضع قد يتغيّر، وفق قانونيين.
ويجيز القانون الأميركي التنقيب عن البيانات ضمن ما يسمى “سياسة الاستخدام العادل”، وهو ما كرسته دعوى قضائية ضد شركة “غوغل” مرتبطة بالتحويل الرقمي للكتب، وهي الدعوى التي ربحتها المجموعة الأميركية العملاقة التي تملك أكبر محرك بحث على الإنترنت.
وبالنسبة للمحتوى الذي تم إنشاؤه أو توليده بواسطة الذكاء الصناعي، فإن الوضع القانوني صعب. فهل يمكن تصنيف هذا العمل ضمن خانة عمليات التزييف، خصوصا إذا طلب مستخدم برمجية الذكاء الاصطناعي عملا يحاكي “أسلوب” المؤلف أو يقلد شعارا معينا؟
وفي هذا السياق، لا يعترف القانون الفرنسي والأوروبي، مثل القانون الأميركي، بالتزييف إلا في حالة وجود نسخ من عمل محدد.