“قلبي ومفتاحه” رومانسية غريبة في دراما رمضان 2025

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

كما يصنع المخرج لنفسه اسمًا وشهرة، ويحدد النقاد أهم سمات أعماله، كذلك يضعه الجمهور العادي في قالب، سواء كان ذلك القالب يغلفه الإعجاب أو الازدراء، وقد وُضع تامر محسن في قالب المخرج القادر على تسكين شخصياته التلفزيونية في مواقف ضاغطة تكشف وجوه مختلفة من طبائعهم، وجوه قد لا يعرفونها عن ذواتهم، وذلك في إطار قصص شديدة الدرامية.

ومثلما يحدث على الأغلب، تتحول قوالب المتفرجين إلى سجن حتى لو كانت مدفوعة باهتمام حقيقي بأعمال هذا المخرج، فكلما يحاول الخروج منها، وتجربة أنماط أو أنواع أعمال فنية مختلفة تتعالى الأصوات القلقة -وفي بعض الوقت ناقمة- على هذا التغيير، وهو ما حدث مع مسلسل “فقرة الساحر” الذي مر مرور الكرام على الكثير من المتفرجين، كأن لم يكن، لأنه لم يتناسب مع القالب المعتاد لأعمال تامر محسن، غير أن المخرج يعود في “موسم الفن” هذا العام بمسلسل يحمل الكثير من سمات أعماله السابقة في “قلبي ومفتاحه”.

“قلبي ومفتاحه” من إخراج تامر محسن، والذي شارك في تأليفه كذلك مع مها الوزير، وبطولة آسر ياسين ومي عز الدين ودياب وأشرف عبد الباقي، وأحد مسلسلات منتصف هذا الموسم.

قلبي ومفتاحه وألغازه السينمائية

ينطلق مسلسل “قلبي ومفتاحه” بأسلوب واقعي، حين تستيقظ ميار (مي عز الدين) على أصوات غريبة، لتجد طليقها أسعد (دياب) في مطبخها يتصرف وكأن الطلاق لم يقع. وحين تذكره بأنهما منفصلان للمرة الثالثة، مما يمنع عودتهما شرعًا، يقترح حل “المحلل” وهو زواج مؤقت يتيح لها العودة إليه، وهي فكرة سبق طرحها في السينما.

وتتضح أوجه الشبه مع فيلم “زوج تحت الطلب” (عام 1985) لعادل إمام، ويعترف المسلسل بذلك ضمنيًا، حيث تشاهد ميار مشاهد من الفيلم أثناء بحثها عن حل، بعد أن هددها أسعد بحرمانها من ابنها إن لم تتزوج وتطلّق خلال أسبوع.

ويتجاوز المسلسل حدود الاقتباس إلى التناص، إذ يُوظَّف الفيلم القديم كدليل سردي للمشاهدين، وتُستكمل هذه اللعبة البصرية من خلال عناوين الحلقات، المستوحاة من أسماء أفلام شهيرة تنبئ بمضمون كل حلقة.

ويعيد المسلسل طرح القصة برؤية أكثر عمقًا، متخليًا عن الكوميديا الصرفة لصالح بناء شخصيات أكثر تعقيدًا، خصوصًا أسعد الذي يتأرجح بين التدين وتجارة العملة، ويقود عصابة، ويقرر أداء فريضة الحج بعد قتله شخصًا عن طريق الخطأ، في محاولة للتكفير. ورغم اقتراحه لفكرة “المحلل” يُجبر ميار على تنفيذها دون علمه بالتفاصيل، ليتجنب الشعور بالذنب.

قصص الحب المستحيلة

بينما يبدو “قلبي ومفتاحه” لأول وهلة كعمل رومانسي حالم إلا إنه في حقيقته لا يقدم سوى قصص الحب المستحيلة، سواء كان هذا الحب من جانب واحد، أو يقف أمامه عقبات يصعب تجاوزها، وعبر الثنائيات والثلاثيات والرباعيات المختلفة لا يمكن ألا يشعر المشاهد سوى بيأس أبطال المسلسل المحبوسين في متاهة من الأزمات التي لا تنتهي.

فمحمد عزت “آسر ياسين” لا يدري بميل ابنة عمه نهى (سارة عبد الرحمن) تجاهه، ويقع في حب ميار بعد زواجهما الذي لم يدم أكثر من ساعة، ويبحث عنها في أرجاء القاهرة كالمجنون، وبينما تبادله هي كذلك مشاعره يقف أمام حبهما دياب الزوج السابق العنيف والذي رغم أذاه لا يمكن إنكار حبه لميار، مما يدفعه لمزيد من الجنون والعنف.

وعلى الجانب الآخر هناك مثلث حب مستحيل آخر يتكون من مهجة (عايدة رياض) الذي يحبها بائع الفول والفلافل عم نصر (محمود عزب) لما يقارب النصف قرن، وعندما يبادر بالتعبير عن مشاعره يطلب من صديقه الشناوي (أشرف عبد الباقي) كتابة رسالة له يضعها في أحد أقراص الطعمية (الفلافل) الذي يقع في يد ابن مهجة أسعد. ونتيجة لسوء التفاهم الحادث، تعتقد مهجة أن الشناوي هو المحب الوله، فتقع في حبه، ويجبر أسعد الشناوي على الزواج من والدته، ليحترق الثلاثة بنار اللوعة، فمهجة لا تفهم عزوف الشناوي عنها، ونصر يغار من صديقه الذي تزوج حبيبته، والشناوي لا يدري كيف يخرج من هذه الكارثة دون أن يؤذيه أسعد.

وفي الخلفية علاقة حب تجمع بين عاليا (تقى حسام) أخت أسعد، ومساعد أخيها إسماعيل (أحمد صالح) ويعرقلها في الظاهر عمل الأخير مع أسعد في تجارة العملة، بينما السبب الباطني أن عاليا لا يمكنها الزواج بشخص قادم من بيئة هي لفظتها نفسيًا، أي الأعمال الإجرامية التي يقوم بها أخوها، ووالدها من قبله.

ويقدم تامر محسن في “قلبي ومفتاحه” ثيمات متكررة من أعماله السابقة، ويقولبها هنا في قالب الرومانسية الرقيقة، فتذكرنا علاقات الحب اليائسة هذه بعلاقات مسلسل “هذا المساء” و”لعبة نيوتن” التي لا يمكن فك تشابكها إلا بجرح غائر لأحد أطرافها، بينما لا تحرك الأحداث في مسلسلاته الأشخاص الذين يظهرون في الإعلانات التشويقية في دور أبطال الحكاية، بل تلك الشخصيات المتلونة والتي يغلب شرها على خيرها، فيحمل أسعد الكثير من شخصيتي سوني وفيّاض من “هذا المساء” ومؤنس من “لعبة نيوتن” بينما شخصيات الأبطال تبدو كما لو أنها هامشية، أو على الأقل لا تستطيع أن تكون فاعلة، بل محركها الأساسي أفعال الشخصيات الأخرى.

ولا يعني ذلك أن تامر محسن ينتصر للشر، فتلك الشخصيات المتلونة ليست شرا محضا، بل يعطي المساحة للشخصيات المثيرة دراميًا، تلك التي لا تستطيع الوقوف على الحياد، وتتقلب مشاعر المتفرج تجاهها أكثر من مرة خلال الأحداث، بين الحيرة والكراهية والشفقة، الأمر الذي يجعل الممثلين الذين يحصلون على هذه الأدوار يتألقون فيها، وتصبح بداية مرحلة جديدة من مسيرتهم المهنية.

مسلسل “قلبي ومفتاحه” عمل يصعب تصنيفه، لكن ذلك لم يلفظه خارج موسم الفن السنوي، فكما أن الكوميديا ومسلسلات الحارة الشعبية لها جمهورها المُحب، هناك فئات أخرى ترغب في مشاهدة مسلسلات تحاول التغريد خارج السرب.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *