عُرض فيلم “الأستاذ” لأول مرة في مهرجان تورنتو السينمائي، وبعدها في العديد من المهرجانات والفعاليات، وهو الفيلم الروائي الأول للمخرجة والمنتجة “فرح نابلسي”، التي قدمت عام 2020 الفيلم القصير “الهدية” وترشح للأوسكار، وفاز بجائزة البافتا.
يضم طاقم فيلم “الأستاذ” كلا من صالح بكري في دور المعلم “باسم” ومحمد عبد الرحمن في دور الطالب “آدم” وإيموجين بوتس في دور “ليزا” المتطوعة البريطانية في المدرسة، وتم إدراج الفيلم في القائمة الطويلة لجوائز الأفلام البريطانية المستقلة لعام 2023 في 3 فئات: أفضل مخرج لأول مرة، وأفضل كاتب سيناريو لأول مرة وأفضل منتج، وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي حصل على جائزة لجنة التحكيم من مهرجان البحر الأحمر السينمائي.
قصة حقيقية وفيلم خيالي
يبدأ فيلم الأستاذ بخطين سرديين متوازيين، الأول نتعرف خلاله على المعلم “باسم” الذي يدرس اللغة الإنجليزية في مدرسة فلسطينية أغلب طلابها مروا على السجون الإسرائيلية، فيترافق في نفس الصف الأخوان “آدم” و”يعقوب”.
الأول مراهق والثاني تجاوز عمره الـ23، وقد قضى جزءا من مراهقته وبداية شبابه معتقلا وخرج محملا بطاقة غضب وكراهية.
انفجرت هذه الطاقة بالفعل عندما طردت السلطات الإسرائيلية عائلته من منزلها، ثم سرق مستوطن الزيتون من أرضهم، فاشتبك يعقوب معه ليقتله المستوطن وكالعادة في هذه الأحوال، أفلت من العقاب.
بينما الخط الثاني يتمثل في والدي الجندي الإسرائيلي الذي أسرته المقاومة الفلسطينية للمطالبة بالإفراج عن 1200 معتقل ومعتقلة وطفل فلسطيني في السجون الإسرائيلية، وهي القصة الحقيقية التي وقعت عام 2011، فقررت المخرجة دمجها مع الحبكة الخيالية في فيلمها الروائي الأول.
يتلاقى الخطان عندما يقبل المعلم “باسم” إخفاء الجندي الإسرائيلي في منزله، في ذات الوقت الذي يأوي فيه الطالب “آدم” الذي فقد منزله وأخوه في يومين متعاقبين، وتزداد الأمور تعقيدا بالعلاقة العاطفية التي تجمع بين “باسم” والمتطوعة “ليزا” التي تضطره للكشف عن ماضيه الأكثر إثارة مما توحي به حياته كمدرس هادئ.
سيناريو أطاح بالفكرة
تبدو قصة فيلم “الأستاذ” لأول وهلة مثيرة بالفعل، وتشتبك مع عدة مواضيع تستحق النقاش، ولكن للأسف خلال التنفيذ فقدت هذه القصة ألقها، لعدة أسباب أولها السيناريو الذي يفتقد السلاسة، ولجأ إلى ليّ عنق الأحداث عدة مرات للوصول إلى النتائج المرجوة، أو النقطة التالية في الحبكة، مثل مداهمة القوات الإسرائيلية لمنزل باسم في الوقت الذي يتوصل فيه “آدم” إلى مخبأ الجندي المخطوف، فيحمي المعلم، أو إيجاد “ليزا” للسلاح الناري الذي يحتفظ به “باسم” في كتاب بمكتبته.
الحوار كذلك كان أهم نقاط ضعف الفيلم، فقد جاء ركيكا ومباشرا وخطابيا في الكثير من المواضع، خصوصا في الأجزاء الخاصة بالكشف عن ماضي المعلم، أو حديثه الأخير مع والد الجندي المخطوف، فحرمت هذه المباشرة المشاهد من القدرة على قراءة ما بين السطور.
أثرت هذه العيوب بشكل واضح على أداء الممثلين، فلم يعطهم السيناريو العمق الكافي لشخصياتهم، بل غلب على هذه الشخصيات التقسيم الواضح إلى طيب وشرير، جيد وسيئ، فأتى الأداء التمثيلي على ذات المستوى من التسطيح.
وواحدة من أكبر نقاط ضعف فيلم “الأستاذ” علاقة الحب التي جمعت بين البطل “باسم” والمتطوعة الإنجليزية “ليزا”، فهي ليست فقط علاقة مقحمة، يمكن إزالتها ولا تتأثر الحبكة نهائيا، ولكنها كذلك شتت المشاهد عن القضية الأساسية التي يشتبك معها الفيلم، وهي المقارنة غير العادلة بين أهمية الروح الإسرائيلية أمام الفلسطينية، وغيرت دفة العمل إلى مدى إمكانية الحب بين معلم ومناضل فلسطيني وامرأة بريطانية، بما تحمله هذه الجنسية من إرث وعد بلفور الملعون الذي كان نقطة البداية للمأساة الفلسطينية.
بل أفرد صناع الفيلم مساحة لهذه العلاقة أكثر من مأساة فقدان “باسم” لابنه المراهق ثم زوجته نتيجة لهذا الفقد، أو علاقة “آدم” بوالدته بعدما ُقٌتل ابنها الأكبر أمام عينيها، وتهدم منزلها لتصبح ضيفة على أحد الأقارب ولم تظهر مرة أخرى على الشاشة.
معضلة صناعة فيلم فلسطيني
يحمل مخرج/مخرجة الفيلم الفلسطيني عبأين عند تقديمه أي عمل سينمائي يتناول القضية، يتمثل الأول في فهم واستخدام الوسيط الفني بأفضل طريقة ممكنة، سواء التمثيل أو السيناريو أو التصوير أو الموسيقى، أما العبء الثاني فيكون في تقديم القضية نفسها.
يمثل الفيلم الفلسطيني القضية الخاصة ببلاده في المحافل الدولية التي يُعرض خلال فعالياتها، وكلما أحسن صناعه استخدام الوسيط يعني ذلك انتشارا وعرضا أوسع، وبالتالي نقل الصورة الحقيقية لما يحدث في فلسطين وسط السرديات الإسرائيلية المزيفة التي تنشرها السينما الهوليودية وإعلامها.
وبعقد مقارنة فيلمي”الأستاذ” و”الهدية” للمخرجة “فرح نابلسي”، نجد الكثير من الفروقات، كلها تصب في صالح فيلم “الهدية” الذي على قصره قدم قصة متماسكة توضح معاناة الرجل الفلسطيني العادي حتى عند قيامه بنشاط بسيط للغاية مثل شراء ثلاجة كهربائية هدية لزوجته، بينما عندما لجأت المخرجة لقصة أكثر تعقيدا، بهتت القضية الفلسطينية وسط التفاصيل المتشابكة لحبكتها.
قدم الفيلم عددا كبيرا من الحبكات الفرعية مثل علاقة المعلم بالمتطوعة الإنجليزية، وعلاقة الأبوة البديلة التي جمعته بـ”آدم”، ثم الخط السردي الخاص بالجندي المختطف، ورغبة “آدم” في الثأر من المستوطن الذي قتل أخوه في بداية العمل ولم تظهر هذه الرغبة سوى في آخر نصف ساعة من الفيلم، فلم يعد من السهولة تحديد القضية التي يركز عليها الفيلم بالضبط.
قدمت “فرح نابلسي” فيلمين فقط حتى الآن، حظيا بتقدير عالمي، وعلى الرغم من تراجع مستوى فيلمها الطويل الأول مقارنة بالفيلم القصير، ولكننا أمام مسيرة لاتزال في خطواتها الأولى لتمثيل مميز للقضية الفلسطينية في العالم.