فن الكاريكاتير.. سلاحٌ يستخدمه الفلسطينيون في نضالهم

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

يعد الكاريكاتير أحد أكثر الفنون شراسة وقدرة على المواجهة والاشتباك مع الساسة والسياسات والأحداث السياسية المتبدلة باستمرار، فقد تستغرق قصيدة، أو أغنية مقاومة، أو مسرحية أو لوحة، زمن طويلاً حتى توصل رسالتها، لكن صرير قلم على ورقة يرسم “إسكتش” به عدة خطوط، متصلة ببعضها، قد يغضب السياسيين ويغير السياسات وقد يطيح بالحكومات. فالكاريكاتير فن تخشاه الكثير من الحكومات والمحامون والأثرياء على حد سواء.

“نيويورك تايمز” ومنع الكاريكاتير

في يوليو/تموز 2019، أعلنت صحيفة “نيويورك تايمز” توقفها تماما عن نشر الكاريكاتير السياسي في قرار خلف حالة من السخط وسط رسامي الكاريكاتير، الأمر الذي دفع رئيس جمعية رسامي الكاريكاتير الأميركية والحاصل على جائزة “بوليتزر” كيفن سيرز، لإصدار بيان ناري قال فيه “إن رسامي الكاريكاتير يتسمون بالوضوح والجرأة في التعبير عن الأفكار التي تجول بخيال القراء، وهم وسيلة قوية للتعبير عن الرأي”.

وأضاف سيزر أن هذه القوة في التعبير عن الرأي تخيف رؤساء التحرير “لكن منع نشر الكاريكاتير السياسي بالمرة يجعل هذا الخوف يتحول إلى جبن”.

وجاء قرار الصحيفة على خلفية كاريكاتير نشره الفنان البرتغالي أنطونيو موريرا في أبريل/نيسان من نفس العام، يصور فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في صورة أحد الكلاب التي تقود المكفوفين، وتطوق عنقه نجمة داود وهو يسحب خلفه الكفيف (الرئيس السابق دونالد) ترامب الذي يرتدي الطاقية اليهودية “الكيباه”.

وتم توصيف هذا الكاريكاتير على أنه معاد للسامية.

متى ظهر الكاريكاتير؟

وكان فن الكاريكاتير ظهر أوروبيا بالقرن الـ16 مع نشوء حركة الإصلاح الديني واحتدام الصراع مع الرومان الكاثوليك والبروتستانت. وقام حينها عدد من الكاريكاتيريين بعمل رسوم تهاجم وتسخر من الأطراف الدينية المتصارعة.

ثم ازدهر لاحقاً بالقرنين الـ18 و19، وكان أشهر فناني ذلك العصر الإنجليزي وليام هوغارث الذي وظف لوحاته للسخرية من طبقات المجتمع المختلفة بغرض إزعاجهم والسخرية منهم. وكانت أهم أعماله كاريكاتير “مجسم البحر الجنوبي” الساخر والذي نشر عام 1724، وكان موضوعه شركة البحر الجنوبي واحتكارها للتجارة مع المستعمرات، وازدهارها بعد المضاربة في أصول الشركة ثم لاحقا انهيار سوق البضائع والذي خسر فيه كثير من الإنجليز أموالا طائلة.

وتظهر اللوحة شخصيات تقامر وتضارب في أصول الشركة، كذلك صورة عنزة ينتشر الناس بفوضوية حولها وفي أرجاء اللوحة، وأخيرا صفوف من الرجال حسني المظهر بثياب جميلة يسيرون باتجاه السفينة، في وصف للشره في شراء الأوراق المالية من شركة البحر الجنوبي.

نضال فلسطيني

وحول أهمية الكاريكاتير في النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي وفي ظل الحرب على غزة، تقول التشكيلية الفلسطينية أمية جحا إن “الكاريكاتير فن يصل إلى الجميع لأنه لا يحتاج لترجمة أو شرح، ويسعى الفنان الفلسطيني من خلاله لإيصال الحقيقة إلى غيره من شعوب العالم التي يسيطر عليها الإعلام الصهيوني ويبرز نفسه كضحية، ويصور الشعب الفلسطيني بأنه مجرم وإرهابي. وهناك كثير من أحرار العالم الغربي من الرسامين الذين يقفون إلى جانب الحق الفلسطيني، ويسخرون ريشتهم لذلك، وهذا ما نحتاجه من كل فناني الكاريكاتير العربي والغربي، وأن يقفوا في مواجهة الرواية الصهيونية”.

وتضيف الرسامة الحاصلة على جائزة “ناجي العلي للكاريكاتير” سنة 2010 “أيقنت منذ صغري بأن فلسطين تستحق التضحية والفداء، وتحتاج منا لكل جهد ولكل موهبة، فمن المعيب أن أجد رسام كاريكاتير إسرائيليا يسخر ريشته ليثبت أن وطني أنا هو حقه، وليثبت أن من يدافع من شعبنا عن حقوقه هو إرهابي! وفي ذات الوقت تكون لدي موهبة ولا أسخرها لإثبات حقوقنا وكشف الزيف العالمي الذي يمارسه الإعلام الصهيوني”.

وتقول أيضا “أردت أن أواصل مسيرة الشهيد ناجي العلي في جعل هذا الفن الذي عُرف عند الناس حتى وقت قريب بأنه للفكاهة والسخرية الهابطة من شكل مخلوق بشري، إلى فنٍ إنساني راقٍ يخدم قضايا الشعوب عامة، وقضية فلسطين خاصة. فإذا كانت الرصاصة تقتل جسد العدو، فإن الفن يقتل فكره. إذن الفن لغة عالمية لا تحتاج معاجم لتفسيرها، وهذا ما يجعله سهل الفهم وسريع الانتشار، خاصة مع التطور التكنولوجي الرهيب الذي جعل العالم قرية صغيرة”.

وتستطرد جحا “الكاريكاتير أداة مقاومة رئيسية وله دور هام في حالات الحروب، خاصة إن كان يدافع عن قضية عادلة عمرها يزيد على 70 عاما، فالقضية الفلسطينية عانت الظلم الطويل في انتظار من ينصفها، والشعب الفلسطيني ذاق الأمرّين من أجل أن يتحرر، وضحى بآلاف الشهداء، وعانى ويلات الحروب المتتالية، وخاصة هذه الحرب التدميرية الأخيرة والتي سعى الاحتلال فيها إلى تدمير مقدرات القطاع الاقتصادية والبشرية، وأنا على صعيدي الشخصي تم تدمير بيتين لي وكل أرشيف أعمالي وكل جوائزي التي حصلت عليها”.

وتختم الفنانة المقيمة بالقطاع المحاصر “الفنان الفلسطيني مكبل داخل قطاع غزة، فالعدوان على غزة لم يستثن بشرا أو حجرا أو حيوانا! لم يعد لي أي جهاز للرسم، ولا حتى الإنترنت متاح لإرسال ما أستطيع رسمه على جهاز يملكه غيري إلا بصعوبة بالغة. فضلا عما بات يعتريني من الإحباط والحزن بسبب ما أراه من الدمار حولي في كل مكان على مدار 5 أشهر!”.

تدمير الموروث الثقافي السوداني

أما على صعيد السودان والنزاع المسلح الذي دخل شهره العاشر، فقد لعب العديد من رسامي الكاريكاتير دورا هاما في عكس فظاعات الحرب بالكاريكاتير، مثل الريح امبدي، وعمر دفع الله، ونادر جني، وكثيرين في مقدمتهم صاحب أول صحيفة سودانية متخصصة “نبض الكاريكاتير” التي صدرت عام 1993.

وعن دور الكاريكاتير في نقل معاناة السودانيين، قال الفنان السوداني منعم حمزة “لعب فن الكاريكاتير دورا كبيرا في السودان منذ استقلاله عام 1956، وإلى الآن يجتهد في محاولة إرساء الديمقراطية والحكم الراشد. فالكاريكاتير فن لا يزدهر مطلقا تحت النظم الدكتاتورية، بالطبع لأن التعبير يحتاج لقدر وافر من الحرية. كل النظم المستبدة والفاسدة حاربت الكاريكاتير الذي ساهم في إسقاط بعضها، فالحكومات الديمقراطية السودانية لم تكن تستمر طويلا، إذ سرعان ما ينقلب عليها النظام العسكري الصارم، لذلك كانت النتيجة الحتمية ما يحدث الآن من نزاع يقودنا يوميا إلى الحرب الأهلية الشاملة”.

ويواصل حمزة “موقفي مما يحدث كفنان هو الرفض التام لأن الحروب تدمر الثقافة. واستباحت الحرب الحالية المكتبات ودار الوثائق والجامعات، وحتى كلية الفنون الجميلة والتطبيقية تم تدميرها، والحرب تقتل خيال الأطفال وكذلك المبدعين. وفنانون كبار مثل الدكتور راشد دياب فقدوا مراكزهم الثقافية التي تعبوا في إنشائها، ومكتباتهم العامرة وإرثهم من الأعمال الفنية العظيمة، ودمرت المطابع ودور النشر ومراكز المعرفة تماما كما حدث في بغداد أيام غزو المغول وهولاكو التتاري”.

ويستطرد الفنان السوداني “الحرب الحالية بين أبناء الوطن الواحد يغلب عليها طابع التعصب والجهل، ونتج عن هذا الصراع الدموي دمار وخراب الوطن وتفتته، بالإضافة إلى نزوح ملايين السودانيين إلى دول الجوار هربا من أوار الحرب. ووسائل التواصل مكنت الفنانين من نشر الوعي بنشر أعمالهم المناهضة للحرب. ورسام الكاريكاتير عادة ما يقرأ المستقبل، وقد سبق أن أقمت وآخرين معرضا بالخرطوم قبل 4 سنوات بعنوان (لا للعنف) دعونا فيه للسلم ونزع السلاح من الحركات المسلحة المتفلتة المتعددة، إذ يذخر السودان بكم هائل من القبائل ومختلف التقاليد والأعراف والمذاهب السياسية والدينية المتباينة”.

ويختم حمزة بالقول “رسامو الكاريكاتير السودانيون منتشرون حول العالم في هجرة قسرية منذ زمن ليس بالقريب، إلا أنهم يواصلون إبداعاتهم ونشر الوعي والتنوير بمخاطر الانقسامات والحروب، ويقيمون المعارض حول العالم للتأثير على الرأي العالمي حتى يدعم إيقاف الحرب”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *