يروي الصحفي الأميركي نايثن ثرال كيف انتهى حادث حافلة بسيط بكارثة لعائلة الفلسطيني عابد سلامة ووفاة ابنها حرقا وهو حي، متتبعا المأساة وعواقبها على الوالدين وسكان قريتهم، مازجا بين قصة هذا الصبي الصغير الفريدة والتاريخ العظيم للشعب الفلسطيني، في سردية تقطع الأنفاس من الفصل العنصري في الحياة اليومية، مرت في صمت على وسائل الإعلام الفرنسية.
بهذه المقدمة يلخص موقع أوريان 21 كتاب “يوم في حياة عابد سلامة” الذي فاز كاتبه بجائزة بوليتزر في مايو/أيار 2024، في الفئة الأدبية المسماة “الواقعية”.
وهو كتاب إنساني مكتوب بكلمات بسيطة وجمل سهلة، تتألق بالرغبة في مشاركة المشاعر وفهم الحقائق التي تولدها، وهو يصف الدراما التي تعيشها عائلة عابد سلامة، الناشط الماركسي في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
تجاهل
واستغرب الكاتب سيلفان سيبيل -قبل الدخول في عرض الكتاب- كيف تجاهلت الصحافة الفرنسية هذا الكتاب الذي صدر قبل عدة أشهر رغم أن أنه رائع، وحظي بشهرة كبيرة في الولايات المتحدة، متسائلا هل يعود ذلك إلى موضوعه، وهو الاحتلال الإسرائيلي الذي يفتك بالفلسطينيين منذ ثلاثة أرباع قرن؟ والذي يعتبر موضوعا “قديما عفا عليه الزمن”؟
تبدأ الأحداث في فبراير/شباط 2012، عندما ذهب ميلاد (5 سنوات) في رحلة مع صفه، من عند أسرته التي تعيش في عناتا، وهي قرية في القدس، يقسمها جدار الفصل العنصري الذي أقامته إسرائيل لتطويق الضفة الغربية، وتعزيز “تقسيمها إلى كانتونات” وفصل المستوطنين اليهود عن السكان الأصليين، وهي على مرمى حجر من مستوطنة عناتوت الإسرائيلية.
ظروف الحادثة
كان الطقس سيئا، وخلال العاصفة اصطدمت الحافلة على الطريق الوعر في الضفة الغربية بشاحنة يقودها فلسطيني، فانقلبت واشتعلت فيها النيران، وأنقذت المعلمة علا الجولاني بكل شجاعة، وقبلها الفلسطيني سالم العديد من الأطفال، ليموت شخص بالغ و6 أطفال، من بينهم ميلاد سلامة.
يروي الكتاب هذه الدراما التي لا تخلو من علاقة بالوضع الجغرافي والسياسي لقرية عناتا، ومدى تأثيرها على عابد سلامة وزوجته هيفاء.
كما يروي أيضا اضطرابات الحياة في المدينة الفلسطينية والتيارات السياسية والثقافية التي تمر بها، فضلا عن الحضور الدائم للمستوطنين والأجهزة الإسرائيلية الخاصة والجيش، وطريقتهم الغريبة أحيانا في الحياة والتفكير.
وهكذا يرسم ثرال صورة الأبطال، عائلة سلامة وأقاربهم وأصدقائهم وجيرانهم، وحياتهم كفلسطينيين يتعرضون للأساليب التي يستخدمها المحتل الإسرائيلي لتفكيك مجتمعهم، وتقسيمه إلى مجموعات مختلفة أو ربما متناحرة، تفرقهم بطاقات الهوية المتعددة الألوان التي تمنح كل شخص وضعا مختلفا، اعتمادا على حمله بطاقة صفراء أو خضراء، أو غيرها.
جدار الفصل العنصري
ويشير ثرال إلى أنه عندما قامت إسرائيل ببناء جدار الفصل العنصري، انتقل الجيب الذي يضم أحياء عناتا وشعفاط وكفر عقب فجأة إلى الجانب الآخر من الجدار، وبين عشية وضحاها، حُرم 100 ألف فلسطيني من الخدمات التي تقدمها بلدية القدس، كالإطفاء والشرطة وسيارات الإسعاف، فلم يدخل إلا الجيش.
يسلط ثرال الضوء أيضا على ثقل الماضي، الذي بدونه لا يمكننا فهم أي شيء، كالنكبة والتطهير العرقي عام 1948 في مدينة حيفا، موطن عائلة سلامة الأصلي، وغيرها من الأحداث مثل مذبحة مخيم تل الزعتر للاجئين في لبنان عام 1976، قبل صبرا وشاتيلا بـ6 سنوات.
كما يذكرنا بأوسلو، ذلك الاتفاق الذي كان يجب أن يتيح “السلام الإسرائيلي الفلسطيني”، والذي يفهم العديد من النشطاء الفلسطينيين قبل قادتهم، أن الإسرائيليين تحت ستار السلام، لا يعتزمون سوى التفاوض على “الأمن” ولا شيء غير ذلك.
طرق معقمة
وفي فترة يزداد فيها الاحتلال قوة، يذكر ثرال بقصة الطبيبة هدى التي تعمل لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، التي اعتقل ابنها واعترف بإلقاء الحجارة على الجنود، ليتم تعذيبه هو وأمه قبل أن تقترح عليها محامية الجيش تخفيف عقوبة ابنها إلى النصف، إذا توقفت عن تقديم شكوى بشأن التعذيب.
ويصف نايثن ثرال أيضا هذه المسارات التي تسمح للمستوطنين بالتحرك بأمان، ويطلق عليها الجيش اسم “الطرق المعقمة” أي الخالية من السكان الفلسطينيين، كما أطلق عليها البعض بعد ذلك “طرق الفصل العنصري”.
وفي يوم المأساة -كما يروي ثرال- لم يسمح لعابد، ومعه بطاقة هويته الخضراء، بالذهاب بمفرده إلى مستشفى رام الله، حيث نقل ابنه، كما أن هيا -وهي أم فلسطينية لديها طفلان- في الحافلة اضطرت للانتظار ساعتين عند نقاط التفتيش لقطع مسافة 14 كيلومترا تفصلها عن المستشفى.