مع قرب نهاية الأسبوع السادس من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تتمدد تداعياتها الثقافية عالميا لتثير ردودا احتجاجية لمثقفين غربيين قرروا عدم الصمت عن استهداف المدنيين الفلسطينيين، جاء آخرهم -أمس الخميس- في موقف جماعي للمرشحين بنهائيات جوائز الكتاب الوطني الأميركية لعام 2023.
ارتقى منصة التتويج في نيويورك 20 مرشحا (من أصل 25 متأهلا للتصفيات النهائية) في فئات الجائزة الخمس: الخيال، والكتابة الواقعية، والشعر، وأدب الأطفال، والأدب المترجم، وقرأت الكاتبة عليا بلال بيانا يطالب بوقف إطلاق النار في غزة، وسط جدل محتدم خلف الكواليس بين أولئك الكتاب والأدباء من ناحية، وبين الشركات الداعمة للحفل التي انسحب بعضها قبل الحدث من ناحية أخرى.
وقالت عليا “بالنيابة عن المتأهلين للتصفيات النهائية، نعارض القصف المستمر على غزة، وندعو لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية لتلبية الاحتياجات الإنسانية الملحة للمدنيين الفلسطينيين، وخاصة الأطفال”.
وتابعت المرشحة ضمن فئة الخيال عن روايتها “شعب المعبد”: نحن نعارض كلا من العداء للسامية والمشاعر المعادية للفلسطينيين وكراهية الإسلام (الإسلاموفوبيا) على حد سواء، ونسعى للكرامة الإنسانية لجميع الأطراف، ونعلم أن المزيد من إراقة الدماء لن يفعل شيئًا لتأمين السلام الدائم في المنطقة.
وكانت عليا بلال قد قالت في وقت سابق “لا أريد أن أنظر إلى الوراء هذه المرة، وأقول إنني كنت صامتة بينما كان الناس يعانون”.
وركز الحفل الأدبي الأميركي على قضايا مثل دور الأدب في توسيع الآفاق، وخطر الرقابة وزيادة التهديد بحظر الكتب، لكن الحرب الإسرائيلية على غزة كانت محل نقاش مستمر خلال الأمسية، وأكدت الشاعرة الأميركية هايد إيردريخ، في كلمتها بالحفل، أن “معاناة البشر في غزة في مقدمة ما نفكر فيه”، مشيرة إلى أن “الشعر هو ما نلجأ إليه في أوقات حزننا”.
انسحاب رعاة
وبحسب نقاد ومراقبين للمشهد الأدبي الأميركي، أعاد موقف الكتّاب التأكيد على مفارقة مهمة بين كثير من الكتاب والمثقفين والأكاديميين واتحادات الطلاب المطالبين بوقف الحرب، وبين شركات اقتصادية ومؤسسات إعلامية تهدد باتخاذ إجراءات ضد المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني.
وقبل الإعلان عن الفائزين بجوائز الكتاب الوطني الأميركية (تأسست عام 1936) بفترة وجيزة، انتشرت الأنباء عن نية العديد من المرشحين النهائيين اتخاذ موقف علني، وعلى إثر ذلك قرر اثنان من الرعاة عدم حضور الحفل لتجنب “التداعيات السياسية على أعمالهم التجارية”، كما قال ناشطون.
وكانت شركة “زيبي ميديا” أحد الرعاة المنسحبين، وكتبت مؤسستها زيبي أوينز -في مقال نشرته على منصة “سابستاك” المفتوحة- أن شركتها لا يمكن أن تكون “جزءا من شيء يروج ضد العنصرية، وفي هذه الحالة التمييز يكون ضد إسرائيل والشعب اليهودي”، بحسب تعبيرها.
وكانت أوينز قد عبرت -في بيان سابق- عن اعتقادها بأن عبارة “الحرية لفلسطين” أصبحت تعني “استعداء دين بأكمله، وليس مجرد مكان”، على حد قولها.
وقالت شركة راعية ثانية تدعى “كتاب الشهر”، وهي خدمة اشتراك في كتب، لصحيفة نيويورك تايمز إنها لن تحضر الحفل، لكنها ستواصل رعاية الفعالية الأدبية.
ووجهت مؤسسة الكتاب الوطنية، الثلاثاء الماضي، رسالة إلى جميع الرعاة ومن اشتروا التذاكر، تنبههم فيها إلى احتمال أن يكون الفائزون يخططون لإصدار بيانات سياسية من المنصة، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية.
مثقفون ضد الحرب
وتستمر مواقف المثقفين في النأي بأنفسهم عن مواقف الساسة والحكومات في أميركا وأوروبا، ففي الشهر الماضي تعرض “مركز نيويورك 92″، وهو مكان تقام فيه العديد من الفعاليات الأدبية، لانتقادات بسبب إلغاء برنامج للروائي فييت ثانه نجوين بعد أن وقع على رسالة مفتوحة تنتقد الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة، وعلى إثر ذلك انسحب العديد من الكتاب من فعاليات المركز الثقافي، واستقال موظفون عاملون فيه.
وقبل ساعات من انطلاق أكبر فعالية دولية للكتاب منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، احتج أكثر من 600 كاتب على إلغاء فعالية جائزة كان من المقرر منحها للكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي عن روايتها “تفصيل ثانوي”.
ومن بين المحتجين 3 فائزين بجائزة نوبل في الأدب، هم الفرنسية الفائزة بالجائزة عام 2022 آني إرنو، والفائز البريطاني من أصل تنزاني عام 2021 عبد الرزاق غرنة، والفائزة البولندية عام 2018 أولغا توكارتشوك، إضافة إلى مجموعة مرموقة من الناشرين والمترجمين.
وكان من المقرر أن تتسلم شبلي -المقيمة في برلين- جائزة أدبية تمنحها الجمعية الأدبية الألمانية “ليتبروم” في معرض فرانكفورت عن روايتها “تفصيل ثانوي” (2017) يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتؤرخ الرواية للمعاناة الفلسطينية بدءا من التهجير في زمن النكبة وحتى المنع من التنقل بين مناطق الأراضي الفلسطينية، بحسب تقرير سابق للجزيرة نت.
رغم أن الأميركيين يحملون مشاعر إيجابية تجاه الإسرائيليين أكثر من الفلسطينيين، فإن أغلب استطلاعات الرأي تشير إلى زيادة كبيرة في نسب تعاطف الشباب الأميركي مع الفلسطينيين في الصراع الأخير، خاصة الفئة العمرية بين 18 و29 عاما، إذ ينظر 61% منهم بإيجابية إلى الفلسطينيين، في حين تبلغ النسبة تجاه الإسرائيليين 56%.
المصدر : الجزيرة + الصحافة الأميركية + غارديان + نيويورك تايمز