صفرو المغربية.. أسوار ومساجد وماض عريق لا يعرفه السياح

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

كل شيء بمدينة صفرو المغربية يدل على عراقتها وتاريخها، أبواب كبيرة ترمز للشموخ، وممرات ودروب ضيقة تعكس الروح التي تسري في المدينة العتيقة.

صفرو وافرة ظلالها، عذب ماؤها، عليل هواؤها، تلقب بالجنة الصغيرة وحديقة المغرب، التي تتربع على سفح الأطلس المتوسط على ارتفاع 850 مترا عن سطح البحر، وعلى بعد 28 كيلومترا جنوب شرق مدينة فاس (وسط المغرب).

ما زال أبناؤها يتفاخرون إلى اليوم بمقولة شهيرة للسلطان المولى إدريس الثاني “سأرحل من مدينة صفرو إلى قرية فاس”، ويعتبرونها شهادة على قدم تمدنهم وعلى عراقة مدينتهم.

مدينة صغيرة الحجم ذائعة الصيت، بتاريخ حافل وخصب ظاهر ومهرجان للكرز يفوق 100 عام، صار موروثا إنسانيا مصنفا دوليا.

متاجر ومحلات تتحدث كأنها من ماض مشرق، وواد عميق يشق المدينة شاهدا على الماضي والحاضر، وجنبات أكثر جمالا عبر حدائق وشلالات وعيون تتدفق ماء.

يعود تاريخ صفرو إلى النصف الثاني من القرن السابع الميلادي، حيث ظهرت النواة السكنية الأولى على سفح مرتفع قريب من الشلال، سميت لاحقا بالقلعة، وفق موقع “جماعة صفرو”.

المدينة العتيقة

بمجرد الدخول إلى صفرو (وسط البلاد)، يلاحظ الزائر بروز المدينة العتيقة بسورها وبابها الأول “باب المقام” الذي يوجد مباشرة قبالة ساحة تحمل نفس الاسم.

وبعد الدخول من الباب توجد تفاصيل عن تاريخ عريق تظهر ملامحه في المتاجر والمنازل المتراصة واحدة تلوى الأخرى.

كمال المريني، الباحث في تاريخ صفرو، قال إن “المدينة تمتاز بمجموعة من المآثر التاريخية، بعضها لا يزال قائما، وآخر اندثر”.

وفي حديث للأناضول، أوضح المريني أن “من أهم المواقع التاريخية بالمدينة، مغارة “كهف المومن”، وهو من أقدم الأماكن التعبدية في العالم”، لافتا إلى أن “هذا الموقع غير مصنف من طرف وزارة الثقافة كموقع أثري تاريخي”.

ومن بين مآثر المدينة أيضا، وفق المريني، “الجامع الكبير، الذي أشار له الحسن الوزان (ليون الأفريقي)، في كتابه وصف أفريقيا، وكان يشتمل على مجموعة من التحف”.

ويتخلل المدينة مساجد عريقة تشهد على حضارات مرت وتركت بصمتها، وتضم أيضا أبوابا وأسوارا، ومساجدا مثل الشباك والسمارين، وفق المتحدث.

“منزلة” صفرو

يقول المؤرخ حسن الشافعي العلوي، وهو أحد أبناء صفرو (صاحب رسالة دكتوراه حول تاريخ صفرو نوقشت بالسوربون في يناير/كانون الثاني 1983)، إن مدينة صفرو وُجِدت قبل فاس (تأسست فاس في القرن الثامن الميلادي)، واستقر بها المولى إدريس 3 سنوات قبل أن ينتقل إلى مدينة فاس.

ويرجع تاريخ تأسيس مدينة فاس إلى نهاية القرن الثامن الميلادي إبان مجيء المولى إدريس الأول إلى المغرب سنة 789م، حيث بنيت النواة الأولى للمدينة على الضفة اليمنى لوادي فاس بحي الأندلسيين.

ويوضح الشافعي في حديثه السابق للجزيرة نت، أن صفرو بحكم موقعها الجغرافي كانت في العصر الوسيط محطة تمر منها القوافل التجارية القادمة من شمال المغرب والمتجهة نحو تافيلالت بوابة الصحراء.

يقول الشافعي إن صفرو شكلت “منزلة” تحط فيها الرحال وكانت يوجد بها قديما على فنادق ومقومات الحياة المدنية مما جعلها طريقا تجاريا حيويا.

وتعرف المدينة بغنى وتنوع موروثها الثقافي. يقول المؤرخ الشافعي إن صفرو كانت مدينة محصنة، يعيش سكانها داخل الأسوار، وكان لها تنظيم داخلي، موضحا أن نسبة مهمة من سكانها كانوا يهودا، جزء كبير منهم جاء من جنوب المغرب واستقروا في المدينة منذ نشأتها.

وشكلت صفرو لمدة طويلة ملجأ لجل اليهود المغاربة الذين سكنوا المدينة لأكثر من ألفي سنة. وأضاف الشافعي أن صفرو محاطة بالقبائل الأمازيغية، مما جعل منها نموذجا للتعايش بين 3 مكونات، العربي المسلم واليهود المستقرون داخل المدينة والعنصر الأمازيغي خارجها.

حديقة متنوعة

ويزخر مدخل صفرو، وجنباتها بالحدائق والأشجار، خاصة أن وادي “أكاي” يمر داخل المدينة، وتتفرع عنه قنوات مياه في كل الاتجاهات.

صبيب الماء في وادي “أكاي” تراجع بشكل كبير، وهو ما يثير تخوف السكان لأنه بمثابة الروح التي تحيي حدائق وحقول وأشجار المدينة.

شلال وادي اكاي واحد من مزارات صفرو السياحية

ولعل المناطق الخضراء بالمدينة وجنباتها جعلها تحمل لقب “حديقة المغرب”.

ماض مشرق

ووصف المريني، ماضي المدينة بالمشرق، خاصة أن الناس كانوا يعيشون في رفاه، كما أشار إلى ذلك عدد من المؤلفين، مثل الفرنسية سيدوني كوليت، في كتابها “نوت ماروكان”.

وجاء في مذكرات الباحث الاجتماعي الفرنسي شارل دو فوكو “التعرف على المغرب” وصف فريد للمدينة، فيقول “لا تكتشف المدينة إلا عند الوصول إلى أبوابها نظرا لكونها مخبأة وسط الأشجار.. إنها حدائق شاسعة وعجيبة ما رأيت مثلها إلا في المغرب. أشجار كبيرة متلبدة تنشر أوراقها الكثيفة فوق الأرض ظلا سميكا وطراوة عذبة.. في هذه الحدائق تحمل جميع الأغصان الفواكه والسطح دائم الاخضرار وتسيل فيها وتهمس بها ينابيع عديدة” إلى أن يقول “بصفرو كل شيء مزدهر ويشير إلى التقدم”.

ومرد هذا الماضي المشرق، وفق المريني، إلى “التوازن ما بين المجالين الزراعي والحضري، لأن المدينة في السابق كانت مركزا لضمان مرور القوافل التجارية، فضلا عن توفرها على عدد من المباني الفنية والرياضية”.

وأوضح المريني أن صفرو كانت بلدية منذ 1917، خاصة أنها تمتاز بالإنتاج الزراعي، حيث كان تنظم مسابقات بين المزارعين منذ ذلك الحين، توجت بمهرجان حَب الملوك (الكرز) الذي يعد أقدم مهرجان في البلاد.

وتابع “عام 1972 كانت المدينة تضم 6 فنادق و4 مسابح وملاعب التنس والسلة وكرة القدم، فضلا عن احتضانها لملتقيات رياضية مثل سباق السيارات والدراجات، خاصة أنها كانت تضم مدارا سياحيا ومخيما”.

وأضاف أن صفرو كانت تضم قاعتي سينما وعددا من الفنادق، في حين حاليا تضم المدينة مسبحا واحدا، ولا تضم قاعة سينما أو مخيما.

ووضعت متاجر بالمدينة العتيقة لصفرو، لافتة “للبيع” على الواجهات، وهو ما يشكل ناقوس الخطر لمكان عريق يحمل بين ثناياه الكثير من الذكريات والحكايات.

وتأسف المريني، لعدم زيارة المواطنين أو الأجانب المدينة، رغم ما تزخر به من أسوار ومدينة عتيقة وشلال جميل، ورغم توفر المقومات لتتحول إلى مدينة سياحية، متسائلا “لماذا لا تستثمر المدينة هذه الإمكانات؟”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *