صانعا الفيلم المصري الفائز بـ”العين الذهبية”: تعرضنا للسخرية.. والحلم سلاحنا الوحيد

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

من قرية البرشا بمحافظة المنيا في صعيد مصر إلى السجادة الحمراء في مدينة كان الفرنسية، مشوار استغرق 5 أعوام قطعه فريق عمل صغير ليعمل على إنتاج فيلم “رفعت عيني للسما”.

يحكي الفيلم قصة مجموعة من الفتيات اللاتي يقررن تأسيس فرقة مسرحية وعرض مسرحياتهن المستوحاة من الفلكلور الشعبي الصعيدي في شوارع قريتهن الصغيرة، لتسليط الضوء على القضايا التي تؤرقهن كالزواج المبكر والعنف الأسري وتعليم الفتيات، بينما يمتلكن أحلاما تفوق حد السماء.

وبعد عرضه في الدورة الـ 77 من مهرجان كان، حصل “رفعت عيني للسما” على جائزة العين الذهبية في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ السينما المصرية بالنسبة للأفلام التسجيلية الطويلة.

“الجزيرة نت” التقت صناع الفيلم المخرجين ندى رياض وأيمن الأمير للحديث عن مشاركتهما في المهرجان السينمائي الدولي، وعن خصوصية العمل والصعوبات التي واجهتهما أثناء التصوير وغيرها من التفاصيل.

عنوان الفيلم

عن اختيار عنوان الفيلم، يقول المخرج المصري أيمن الأمير إن الفيلم لم يحظ بأي عنوان محدد لفترة طويلة وبعد انتهاء تصويره. إلا أنه والمؤلفة والمخرجة ندى رياض كانا يريدان عنوانا مرتبطا بالثقافة المصرية واللهجة العامية الدارجة.

“ولأن الفيلم يناقش الأحلام والأمنيات وأننا نرفع أيدينا وأعيننا إلى السماء حين ندعو الله لتحقيقها، اقترحت بطلة الفيلم ماجدة مسعود اسم “رفعت عيني للسما” الذي تم الاستقرار عليه بعد مناقشات” بحسب الأمير.

أما عن قدرة الفيلم على المنافسة عالميا رغم المحلية والخصوصية الشديدة التي يتمتع بها، تعقب رياض قائلة، “كان لدينا رغبة في أن نعبر بصدق شديد عن تجربة فرقة بانوراما برشا، وكل الإنجازات التي حققتها والتحديات التي واجهت الفتيات، كانت هناك رغبة في تقديم فيلم مصري أصيل يصل للجمهور في مصر، ويتفاعل معه، وأظن أن ذلك جعل الفيلم يصل لأبعد من جمهور المنطقة التي يعبر عنها”.

ويلتقط الأمير خيط الحوار، ليشير إلى أن الإغراق في المحلية “هو العالمية بعينها”، مؤكدا أن المشاعر الإنسانية متشابهة في كل مكان في العالم، “فالجميع لديه أحلام كبيرة في عمر المراهقة، والجميع يمر بمراحل التفرق عن أصدقائه وفقد الأشخاص، وهناك لحظات مشتركة للبشر في قرية البرشا والقاهرة واليابان والمكسيك وكل العالم”.

يستدرك قائلا، “لكن هناك اعتقاد شائع أن تقديم عمل يعرض على نطاق واسع لا بد أن يشبه أعمال نشاهدها في الخارج حتى يصل إلى الجمهور العالمي، ولكن العكس هو الصحيح”، مستشهدا بالمثل القائل، “إذا أردت أن تحكي حدوتة عن العالم، احكي عن القرية التي تعيش بها”.

ويتابع المخرج المصري: “حاولنا تقديم مشاعر إنسانية بسيطة يشاركها الجمهور، وهي حكاية تقع في قرية البرشا ذات الثقافة الصعيدية، وهو ما يعطي أصالة ونكهة مميزة للفيلم أكدها وجود وجوه مصرية أصيلة، وأماكن لم تقدم من قبل على الشاشة”.

استقبال الجمهور

أما عن ردود فعل جمهور مهرجان كان على “رفعت عيني للسما”، فأرجعت رياض تأثرهم الواضح لحضور إحدى بطلاته، إذ قالت الممثلة ماجدة مسعود على المسرح، “ستشاهدون أحلامنا وتجاربنا وهى أحلام كل البنات في قريتنا” وهي الكلمة التي أثرت في الحضور فكان الاستقبال رائعا.

ولم يتوقع الأمير الفوز بالجائزة، “لكن بطلات الفيلم كن يحلمن بها، وهو أمر هام لهن بعد سنوات من المعاناة، والتعرض للتنمر والانتقاد، ليس في الصعيد فقط، بل في القاهرة أيضا بحجة أن ما يقدمنه ليس ذا قيمة”.

وبرر الأمير الفترة الطويلة التي استغرقها تنفيذ “رفعت عيني للسما” -استمر التصوير 4 أعوام وتم المونتاج في أكثر من عام- بأن القرار كان منذ البداية، أن يستغرق الفيلم وقتا لأنه ليس فيلما روائيا، وإنما عمل غير المعروف النهاية، لذلك كان لا بد من تتبع الشخصيات ومعرفة قراراتها المصيرية في الحياة، وتحول البطلات من مراهقات إلى نساء صغيرات، وهل سيتمكن من تحقيق أحلامهن، “وكل ذلك بحاجة إلى وقت”.

وأضاف المخرج أن صناع الفيلم احتاجوا وقتا لبناء ثقة مع أهالي قرية البرشا وأهالي الفتيات والإجابة عن كل الأسئلة عن التصوير، وهي الثقة التي تحولت إلى صداقة مع أهل القرية مستمرة حتى الآن.

أما رياض فتعلق بابتسامة خفيفة قائلة، “الصورة الذهنية لدى بعض صناع الأفلام أن التصوير خارج القاهرة والإسكندرية صعب للغاية، ولكن من خلال تجربة الفيلم التصوير في الصعيد أسهل كثيرا، فأهالي الصعيد كرماء ومتعطشون للفنون وطوال الوقت يعرضون فنونهم بشغف، والصعيد أكثر انفتاحا مما يشاع عنه”.

أما حول تدريب الممثلات اللاتي يقفن أمام الكاميرا لأول مرة، فيقول الأمير، “حرصنا أنا وندى على رصد التفاصيل بكل تلقائية وعفوية، لذلك فعلنا العكس، وحاولنا أن نجعل فريق الممثلات ينسى وجود الكاميرا والتصوير، وأن يتم التعامل بتلقائية، لذلك اعتمدنا على فريق عمل صغير لم يتجاوز 7 أفراد”.

وأضاف “بطلات الفيلم لديهن طموحات فنية ورغبة في احتراف التمثيل والغناء والرقص، وهن يقدمن عروضا في الشارع، ويشاركن في ورش صناعة أفلام، وهو ما طور من طاقتهن الإبداعية وأسهم بشكل غير مباشر في الفيلم من خلال تقديم عروض أكثر قوة وجرأة وصدقا مع القضايا التي عبروا عنها”.

صعوبات

وفيما يتعلق بالصعوبات التي واجهت صناع الفيلم، فإن أغلبها كانت تقنية بحسب الأمير، “وكنا حريصين دائما على التوازن بين الجودة الفنية والموضوع الذي نقوم بتصويره، لكن اختيار كاميرا غير مخصصة للفيلم التسجيلي الطويل تنقطع بعد تصوير 10 دقائق ونحن نصور ساعات طويلة فذلك من الصعوبات، فكنا نصور أحيانا في درجة حرارة 40 فكانت الكاميرا أيضا لا تتحمل درجات الحرارة المرتفعة، ومن المعوقات أيضا الصوت لأن القرية مليئة بالأصوات لقرب البيوت من بعضها، والأصوات متداخلة وهو ما تطلب مجهودا كبيرا بذله فريق الصوت، وأيضا المونتاج الذي اختصر 400 ساعة تصوير إلى ساعة ونصف وهو ما استغرق أكثر من عام”.

واعترف المخرج بأن ظروفا إنتاجية جيدة توافرت للعمل من خلال دعم مؤسسات مختلفة على المستوى الإقليمي، في حين لفتت رياض إلى حصول “رفعت عيني للسما” على جائزة من مهرجان الجونة العام الماضي في مرحلة ما بعد الإنتاج، وتلقيه دعما من مهرجان مراكش وآفاق ومؤسسة البحر الأحمر السعودية.

أما الأمير، فعقب بأن طبيعة الفيلم كانت تستدعي أن يكون لديهم القدرة على التصوير في أي وقت دون وجود الميزانية كاملة، لأن هناك أحداثا غير متوقعة ولم يتم التخطيط لها، بعكس الأفلام الروائية، ولذلك كان عليهم التركيز على استمرارية التصوير طوال الوقت.

وعن تجربة الاشتراك في إخراج الفيلم والتعامل مع الاختلافات في وجهات النظر، قالت رياض “نعمل سويا في الأفلام التسجيلية منذ سنوات، لكن في الأفلام الروائية نتبادل أدوارا مختلفة بين الإخراج والإنتاج والكتابة، وبالتأكيد قد تختلف وجهات النظر في بعض الأحيان، لكننا نتعامل معها باحترام، وأصبحت السينما هي طريقنا للتواصل، وأعتقد أن الفيلم لن يكون كما هو حاليا إذا اعتمد على أحدنا فقط دون الآخر”.

وفيما يخص العناصر الواجب توافرها في الأفلام المصرية للمنافسة على الصعيد العالمي، يرى الأمير أن الفيلم الصادق الذي يعبر عن مخرجيه هو الأساس، وأن يعبر الفيلم عن الهوية والثقافة الخاصة بصناعه.

وتتفق معه رياض قائلة، “الانشغال بالعرض في المهرجانات ليس لمصلحة صانع الفيلم، لأنه سيفكر في الأفلام التي عرضت في الدورات السابقة، ولن يركز في أن يقدم تجربة تشبهه. المخرج يصنع تجربته دون أن يفكر في مكان العرض، وأن يجتهد من أجل تقديم فكرة يراها ذات قيمة”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *