“زفافي اليوناني الكبير 3”.. النوايا الطيبة وحدها لا تكفي لعمل فني جيد

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 5 دقيقة للقراءة

بعد مرور 21 عاما على الجزء الأول و7 سنوات على الجزء الثاني، صدر أخيرا الجزء الثالث من سلسلة أفلام “زفافي اليوناني الكبير” (My Big Fat Greek Wedding).

وقد فوجئ الكثيرون بالمستوى الفني المتوسط والجماهيرية المحدودة التي حظي بها الجزء الثاني في 2016، ورغم نجاح الجزء الأول للحَد الذي جعله يحصد لقب الفيلم الكوميدي الرومانسي الأعلى ربحا على الإطلاق ويحافظ عليه حتى الآن، مُستمرا في دور العرض ما يقارب عاما كاملا حصد خلاله 368 مليون دولار مقابل ميزانية قدرها 5 ملايين دولار، بالإضافة إلى ترشّحه لجائزة الأوسكار لأفضل سيناريو أصلي، وهو النجاح الذي لم يتوقّعه صانعوه؛ فإن الأعمال التي استثمرت ذلك لم تأت على نفس القدر من الشعبية أو الجودة.

ومنها مسلسل “حياتي اليونانية الكبيرة” (My Big Fat Greek Life) الذي عُرض في 2003 ومنحه الجمهور تقييما بلغ 4.7 نقاط على موقع “آي إم دي بي” (IMDb) الفني، أو الجزء الثاني من الفيلم الذي لم يحصد إلا 90 مليون دولار؛ في حين بلغت ميزانيته 18 مليون دولار، واتفق النقاد والجمهور على نمطية فكرته بدون نفي صلاحيته للمشاهدة باعتباره فيلما خفيفا مناسبا للعطلات، فما الذي بقي في جعبة كاتبته وبطلته لترويه بجزء جديد؟

لماذا الآن؟

طُرح فيلم “زفافي اليوناني الكبير 3” في دور العرض في الأسبوع الثاني من سبتمبر/أيلول الماضي، ومع حلول أكتوبر/تشرين الأول الجاري بات مُتاحا للمشاهدة عبر المنصات، لكن إيراداته لم تتخط حاجز 37 مليون دولار.

أبطال الجزء الحالي هم أنفسهم النجوم القدامى، من بينهم نيا فاردالوس مؤلفة ومخرجة الفيلم كذلك، يشاركها كل من جون كوربيت، لويس مانديلور، إيلينا كامبوريس، جيا كاريدس، جوي فاتون، ليني كازان، وأندريا مارتن.

وعلى عكس الأجزاء السابقة التي دارت أحداثها في شيكاغو، بداية من وقوع شابة من خلفية يونانية في حب رجل أميركي وما تبع ذلك من كوميديا ذكية بُنيت على اختلاف الثقافات والتطلعات والعادات لكل عائلة، ثم نجاحهما بالزواج بالفعل ومعاناتهما مع ابنتهما المراهقة التي تسعى للهرب بعيدا عن صخب العائلة الجامح، من خلال البحث عن فرصة جامعية بعيدة جدا، تدور الحبكة الجديدة بأكملها في اليونان.

تجربة فنية متواضعة

تتمحور الأحداث حول تولا التي يُوصيها والدها قبل وفاته بالبحث عن أصدقاء طفولته القدامى ومنحهم مُذكّراته، هنا يتفتّق ذهن البطلة عن اصطحاب العائلة بأكملها في رحلة إلى جذورهم القديمة حيث مسقط رأس الأب.

لكن، اليونان التي نشاهدها هذه المرة تختلف عن تلك التي رأيناها في فيلم “ماما ميا!”، إذ تبدو أقل إبهارا ومعاصرة، من جهة لأن الأحداث تدور في قرية نائية بعيدة، ومن أخرى لأن العمل هو تجربة نيا فاردالوس الإخراجية الثانية بعد تجربة سابقة في 2009.

ولما كانت غير متمرسة بالإخراج وموهبتها به محدودة، لم تأت التجربة ماتعة بصريا رغم ما حملته من مقومات، حيث اكتفت فاردالوس بالتركيز على حشد النجوم داخل الكادر بدون الاهتمام بالتفاصيل والجماليات الأخرى.

أما على صعيد الكتابة والسيناريو والحوار، فلم يختلف الأمر كثيرا، لأن الحبكة شديدة السطحية والتفكك، وحتى المشكلات التي يواجهها الأبطال تُخمد جذوتها قبل أن تتصاعد نحو الذروة، مما أفرغ العمل تماما من أي إثارة، بل إن محور الصراع الرئيسي ومحاولات البطلة للعثور على الأصدقاء الثلاثة القدامى للأب الراحل تجري بعشوائية بدون التركيز عليهم أو الاحتفاء بفكرة العثور عليهم، حتى أصبحوا مجرد كومبارس صامتين.

ومع ذلك، يبدو أن شِبه إجماع ما جرى من النقاد على أن هذا الجزء أفضل من السابق، كونه يحمل الكثير من الخِفّة والإيماءات العائلية اللطيفة، الأمر الذي جعله أجدر بالمشاهدة متى جرت المفاضلة بين الجزء الثاني والثالث.

الهروب إلى الداخل

الفارق الوحيد الذي يُمكن أن يُحسب لصانعة العمل، سباحتها ضد التيار، ففي حين تُسلّط غالبية الأعمال الفنية الحديثة الضوء على محاولات المواطنين الهجرة من أوطانهم المكبوتة أو المنكوبة إلى بلدان أكثر رحابة وانفتاحا، اختارت فاردالوس العودة بأبطال حكايتها إلى أصولهم القديمة بحثا عن جذور تربطهم بأرض الآباء الأولى وتمنحهم شعورا حقيقيا بالانتماء والمركزية.

وهو الموضوع الذي قد يتماس مع عوام العائلات المهاجرة التي تحاول الاندماج أو البحث عن نقاط تقاطع مع الأجداد، وتصطدم بفروق ثقافية شاسعة واختلافات جذرية في ما يخص التقاليد الموروثة والعادات ذات الطابع الحداثي مما ينتج عنه الكثير من الصراعات، وإن كان الفيلم استعرض ذلك بتسطيح مُخل أقرب إلى الابتذال منه إلى الكوميديا.

أما أفضل ما جرى خلال العمل، فهو خلو القرية التي سكنها الأبطال من شبكة تغطية الهواتف والإنترنت، وهو ما فرض على الجميع الاندماج معا طوال الوقت ومنح المشاهدين أنفسهم ما يقارب من ساعة ونصف الساعة بعيدا عن صخب منصات التواصل التي باتت تبتلع كل شيء وتمنحه إما قدرا من المبالغة أو الزيف.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *