رسوم ترامب على الأفلام “غير الأميركية”.. هل تكتب نهاية هوليود؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

لم تكد جراح هوليود تلتئم جراء جائحة كورونا، وإضراب الكتاب والممثلين، اللذين تسببا في انخفاض الإنتاج الإجمالي لعاصمة السينما بنسبة كبيرة، حتى أصابتها صاعقة جديدة جراء تصريح غامض للرئيس الأميركي دونالد ترامب، اعتبر خلاله أن شركات الإنتاج السينمائي تشبه مصانع السيارات، لذلك عليها أن تعمل داخل الولايات المتحدة، رغم أنها توفر بالفعل أكثر من مليوني فرصة عمل وتبلغ إيراداتها من دول العالم أكثر من 12 مليار دولار.

وترجم ترامب خطته بفرض تعريفات جمركية بنسبة 100% على الأفلام التي يتم إنتاجها خارج الولايات المتحدة، وتحولت الخطة التي نشرها في تغريدة له على منصته الخاصة “تروث سوشيال ميديا” إلى زلزال اهتزت له أركان صناعة السينما في العالم، وتسببت في ردود فعل واسعة من قادة الصناعة والشخصيات السياسية وأصحاب المصلحة في مختلف الدول.

وقال ترامب إن خطته تشمل فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على جميع الأفلام المنتجة في الخارج، مبررا ذلك بمخاوف تتعلق بالأمن القومي وتراجع صناعة السينما الأميركية، مشيرا إلى أن الحكومات تقدم حوافز ضريبية تجذب صانعي الأفلام الأميركيين إلى الخارج، مما يقلل من نسبة الإنتاج المحلي، وأضاف ترامب:” أُصرّح لوزارة التجارة والممثل التجاري للولايات المتحدة بالبدء فورا في عملية فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على جميع الأفلام الواردة إلى بلدنا والمُنتَجة في بلدان أجنبية. نريد أفلاما أميركية الصنع، مجددا!”.

كلمة السر “الصين”

فور نشر التصريح، شهدت أستوديوهات كبرى مثل نتفليكس وديزني ووارنر برذرز ديسكفري وباراماونت انخفاضا في أسهمها بأكثر من 2%.وأعرب محللون اقتصاديون عن قلقهم إزاء الأثر المالي المحتمل والتعقيدات الكبيرة التي تقف في طريق تطبيق هذه الرسوم، وخاصة فيما يتعلق بمحتوى البث والإنتاج المشترك، وفقا لجريدة “نيويورك بوست”، وكانت الصين التي تعد ثاني أكبر سوق للأفلام الأميركية بعد الداخل الأميركي قد قررت الحد من واردات أفلام هوليود في إطار حربها التجارية مع الولايات المتحدة.

ورغم ذلك فإن إيرادات شباك التذاكر الهوليودي من الولايات المتحدة وكندا بلغت 8.8 مليارات دولار عام 2024، في حين وصلت الإيرادات الدولية في العام نفسه إلى نحو 21.1 مليار دولار، مما يعني أن الإيرادات العالمية تحقق أرباحا من الخارج.

ويتوقع أن يسبب القرار الجديد حالة من الفوضى في عمليات الإنتاج الدرامي، خاصة في ظل التفاصيل المعقدة التي تحيط بعمليات الإنتاج في العالم نتيجة التطور التكنولوجي، فالتعريفات التقليدية تبدو غير قابلة للتطبيق، لأن الفيلم لم يعد سلعة مادية ينبغي أن تمر عبر منافذ للدولة الأميركية ومن ثم تقيد وتستخرج لها شهادات المنشأ وتقيم ويتم فرض الرسوم عليها، وإنما هي مزيج عنكبوتي من استثمارات هائلة، وعمالة دولية، وإيرادات متعددة الجنسيات، ومصروفات متضمنة لعمليات ومعالجات صغيرة، تُدار بتكاليف بسيطة.

جاء تصريح الرئيس الأميركي حول فرض التعريفات السينمائية الجديدة ليسقط كالصاعقة على صناع السينما والعاملين في مجال الإنتاج في 4 دول رئيسية وهي إنجلترا وكندا وهولندا وأيرلندا.

مع تزايد توجه صناعة السينما الأميركية نحو الدول الأجنبية كمواقع تصوير، قد يكون لهذا الاقتراح الجديد عواقب وخيمة. تُعد أيرلندا إحدى الدول التي استفادت من هذه الحوافز الضريبية الدولية، إلى جانب دول أخرى مثل المملكة المتحدة وكندا وهولندا. وتصور شركات أميركية مثل ديزني ونتفليكس ويونيفرسال أفلامها في هذه الدول الأربعة منذ سنوات، لكن تعريفات ترامب قد تعني انخفاضا كبيرا في إيرادات فرق الإنتاج والعاملين في مجال السينما في هذه المناطق، بمن فيهم آلاف العاملين المستقلين في المملكة المتحدة.

Los Angeles, USA. July 20, 2024. The Hollywood Sign stands on Mount Lee in Los Angeles, California, surrounded by rugged terrain and sparse vegetation under a clear blue sky.; Shutterstock ID 2526925291; purchase_order: aljazeera ; job: ; client: ; other:

تحذير وغضب

امتزج الغضب بالخوف في المملكة المتحدة التي تربطها بهوليود روابط عضوية لا تقف عن حد تبادل الطاقة البشرية من المبدعين والفنيين، ولكنها تتجاوز ذلك إلى التصوير والتجهيز في مرحلة ما بعد التصوير، وانتفضت نقابة العاملين في الصناعات الإبداعية.

وحذّرت فيليبا تشايلدز، رئيسة النقابة عبر موقع “غالوي بيو”، من أن رسوم ترامب الجمركية قد تُشكّل “ضربة قاضية” لصناعة السينما البريطانية، التي لا تزال تتعافى من التأخيرات الناجمة عن جائحة كورونا.” أما المخرج الأميركي المولود في برمنغهام بإنجلترا فقد نشر تغريدة غاضبة على موقع (إكس)، قال فيها: “كيف تُفرض تعريفة جمركية على فيلم؟ تُضاعف سعر التذكرة؟ بدلا من هذا النهج المبالغ فيه، ماذا لو قُدّمت حوافز للتصوير هنا كأي دولة أخرى في العالم؟ يا له من أحمق!”.

وقد انخفض إنتاج هوليود بنسبة تقارب 40% في لوس أنجلوس، مع توافد العديد من المنتجين إلى دول تُقدّم حوافز ضريبية أكبر. وأكدت تقارير إعلامية أن ما يقرب من نصف مشاريع الأفلام والتلفزيون الكبرى التي تتجاوز ميزانيتها 40 مليون دولار تُصوَّر الآن خارج الولايات المتحدة.

وتواجه صناعة السينما في كاليفورنيا صعوبة في منافسة دول مثل أيرلندا، حيث تكاليف التصوير أقل بفضل الإعفاءات الضريبية الكبيرة. وقد أقرّ الممثل الأميركي روب لو، مؤخرًا، بأن “إحضار 100 شخص إلى أيرلندا” لإنتاج فيلمٍ ما أرخص من التصوير في كاليفورنيا. ولا يقتصر الجذب العالمي المتزايد لمواقع مثل أيرلندا على توفير التكاليف فحسب. فمنذ عام 2016، استفاد أكثر من 850 إنتاجا تلفزيونيا وسينمائيا من الإعفاءات الضريبية في أيرلندا، مما جعلها وجهة رئيسية لصانعي الأفلام العالميين.

واستقطبت منطقة جولد كوست الأسترالية إنتاجات هوليودية كبرى، أسهمت بأكثر من ملياري دولار في اقتصادها، ووفرت أكثر من 20 ألف فرصة عمل منذ عام 2015. وينطبق الأمر نفسه على مدينة فانكوفر الكندية، والتي يطلق عليها هوليود الشمال، والتي شهدت على مدار الأعوام الـ20 الماضية تصوير ما يقرب من 40% من الأعمال ذات الميزانيات الكبيرة، بالتبادل مع مدينة تورنتو الكندية أيضا. وأعلن فيك فيديلي وزير التنمية الاقتصادية في أونتاريو الكندية، في مؤتمر صحفي أن المقاطعة “ستستعد لهجوم جديد” ردا على منشور ترامب، وأضاف فيديلي: “سنستعد، كما فعلنا مع كل ذكر للرسوم الجمركية، وسنعود إلى واشنطن ونتصدى لهم لأن هذا التصريح هو بمثابة هجوم مباشر على قطاع السينما في جميع أنحاء أونتاريو”.

استدرجت الصين الرئيس الأميركي إلى حرب السينما، لكن هوليود التي تقف في خط المواجه لا تزال جريحة جراء كورونا وإضرابات الكتاب والممثلين، وتعريفات ترامب المختلفة التي تؤثر على حياة المواطن، مما يؤثر بالضرورة على “بند الترفيه” في حياته نتيجة التضخم، لكن صناعة السينما، الآن، هي من يقف في مفترق طرق، إذ منحت التكنولوجيا صناعة السينما قدرة كبيرة على الاستقلال عن هوليود، مما يمثل خطرا على امتدادها خارج الحدود الأميركية.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *