غيّب الموت، نهار أمس الثلاثاء في العاصمة المصرية القاهرة، الصحفي السوداني محجوب محمد صالح، الموصوف بعميد الصحفيين السودانيين، عن عمر ناهز 96 عاما.
وُلد الراحل محمد صالح في العام 1928 بالخرطوم، حيث تلقى مراحل دراسته الأولية واللاحقة، ليتخرج في كلية غردون التذكارية الثانوية، التي تحولت لاحقا إلى جامعة الخرطوم.
بدأ الصحفي محمد صالح مسيرته الصحفية في العام 1949، وفي العام 1953 أسس صالح مع كل من الصحفيين بشير محمد سعيد ومحجوب عثمان صحيفة “الأيام”، التي صدر عددها الأول في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، وشغل فيها عددا من المناصب التحريرية. كما أصدر صحيفة “سودان تايمز” الصادرة باللغة الإنجليزية، بشراكة مع الكاتب والسياسي من جنوب السودان بونا ملوال.
التحق محمد صالح بالحركة السودانية للتحرر الوطني المختصرة “بحسدتو” آخر العام 1946، حيث مارس من خلالها نشاطه السياسي ضد الإدارة البريطانية، وتحولت “حسدتو” بعد ذلك إلى الجبهة المعادية للاستعمار ومن ثم إلى الحزب الشيوعي السوداني، وفي العام 1947 التحق بكلية الآداب، وفي العام 1948 انتخب نائبا لسكرتير لجنة اتحاد طلبة الكلية الجامعية، وأصبح السكرتير عام 1949، ولقيادته إضرابا طلابيا فصل محجوب ومعه زميلاه اليساريان الراحلان مصطفى السيد والطاهر عبد الباسط من الكلية، بحسب الصحفي والكتاب السوداني صديق محيسي الذي نعاه بمقال بعنوان “رحيل آخر أهرامات الصحافة”.
وينقل محيسي عن الصحفي الراحل قوله “بدأت الصحافة من أسفل السلم وانخرطت في العمل الميداني كضرورة على أي صحفي في سني أن يقوم بها، وبعد أن انخرطت في المجتمع السياسي وتوسعت دائرة مصادري السياسية والاجتماعية ابتعثت عام 1952 إلى بريطانيا بمنحة من المجلس الثقافي البريطاني لقضاء دورة صحفية لمدة 6 أشهر في صحيفة “الديلي إكسبريس” وبعض الصحف الإقليمية، وكانت تلك أول خطوة في اكتساب التجربة العالمية”.
بمزيد من الحزن و الأسى ينعي منبر المغردين السودانيين
الأستاذ محجوب محمد صالح الذي فاضت روحه بالقاهرة اليوم لنفقد علما وقلما شجاعا و ذاكرة ثرية بتاريخ الصحافة والثقافة والإعلام
ونتقدم بالتعازي لجموع الشعب السوداني ولأسرته الكريمة وزملائه وتلاميذه
وانا لله وانا اليه راجعون pic.twitter.com/o1XvJAu4Ky
— منبر المغردين السودانيين (@SUDTwittForum) February 13, 2024
ويكمل “عدت من بريطانيا لأطبق ما تعلمته من فنون الصحافة، خصوصا الدقة في نشر الخبر وأركانه التي لم تكن معروفة في الصحافة السودانية، وبذلك تخلصت من اللغة الإنشائية في صياغة الأخبار معتمدا على المباشرة في الوصول إلى المعنى، وهناك أيضا عرفت كيف يتحول الخبر إلى تحقيق صحفي، وما هو الفرق بين المقابلة الشخصية والتحقيق الصحفي”.
عُرف محمد صالح بمناصبه القيادية في اتحاد الصحفيين العرب واتحاد الصحفيين الأفارقة، ونال جائزة القلم الذهبي من المؤسسة العالمية للصحافة، وجائزة حقوق الإنسان من الاتحاد الأوروبي. يُذكر أن الراحل محمد صالح كان واحدا من الصحفيين المهتمين بقضية جنوب السودان ومسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان وتطوير مهنة الصحافة.
ألّف محمد صالح عددا من الكتب، أبرزها “أضواء على قضية جنوب السودان”، و”مستقبل الديمقراطية في السودان”، و”الصحافة السودانية في نصف قرن”. كما انتُخب نائبا في البرلمان السوداني في العام 1965، في الحكم الديمقراطي الذي أعقب ثورة أكتوبر السودانية، التي أطاحت بحكم الفريق في الجيش السوداني إبراهيم عبود.
ووصف رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، في نعي رسمي أصدره، الراحل محمد صالح بأنه يُعد رمزا من رموز الصحافة السودانية وقلما وطنيا نذر حياته في خدمة القضايا الوطنية، مهتما بالشأن العام، ومشاركا في عدد من المنظمات الوطنية والمنابر المعنية بالشأن السوداني داخل الوطن وخارجه. واعتبره من الشخصيات الرائدة التي نهضت بمسيرة الصحافة السودانية وعمقت ارتباطها بالرأي العام، حسب تعبيره.
وقال البرهان إن الراحل محمد صالح كان كاتبا وصحفيا لا يشق له غبار، وأحد المراجع الموثقة لتاريخ الصحافة السودانية، وفق قوله.
وكتب رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير منوها “بتاريخ الفقيد الكبير وواجبه الوطني والتنويري في مقتبل العمر، وعاش وفيا لهذا الواجب منذ أن كان طالبا في كلية الخرطوم الجامعية التي فُصِل منها بسبب نشاطه السياسي المناهض للاستعمار البريطاني من موقعه ضمن قيادة اتحاد الطلاب”.
وداعاً عميد الصحافة السودانية
أغمض الأستاذ #محجوب_محمد_صالح عينيه وغفا وغفوته الأخيرة، بعد عقودٍ من العمل الدؤوب في مهنة الصحافة أنفقها في التنوير والتبشير بالحياة الكريمة والدفاع عن شروطها، تاركاً فراغاً يصعب أن يجد مَن يملؤه فى المدى المنظور.
لقد أدرك الفقيد الكبير واجبه… pic.twitter.com/sRlgasyEHU
— Omer Eldigair (@omereldigair) February 14, 2024
وأشار إلى أن مساحته الشهيرة “أصوات وأصداء” مدرسة عالية المستوى في فن المقالة الصحفية، إذ لم تكن لاهثة وراء الأحداث والإثارة أو واقفة عند العوارض والهوامش، بل كانت موسومة بالموضوعية والرصانة ومعنية بالأسباب والجذور -دون وجل ولا حول- حفرا في باطن الفرص والتحديات وبحثا عن أفق مُضاء.