خالد أرن.. رحلة 40 عاما في خدمة الثقافة والفنون الإسلامية

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

الدوحة- يعد الأكاديمي والمترجم التركي خالد أرن، مدير مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية، من الشخصيات البارزة التي أسهمت بشكل كبير في دعم الثقافة وتعزيز الحوار بين حضارات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، خاصة بين اللغة العربية واللغة التركية.

قاد أرن عديدا من البرامج في مجالات الدراسات القرآنية، والتاريخ والحضارة الإسلامية، والعلاقات بين الحضارات، بالإضافة إلى الأرشيف والتوثيق والمخطوطات. كما أنه مؤسس وعضو في أكثر من 15 مؤسسة وجمعية ثقافية وعلمية في عدة دول.

خلال مسيرته، شغل مناصب إدارية عليا وأسهم في تطوير العلوم الاجتماعية في مجالات الفنون والعلوم الإسلامية وتنظيم مشاريع بحثية دولية. نال خالد أرن شهادات الدكتوراه الفخرية من عدة جامعات مرموقة حول العالم، كما حصل على جوائز عالمية وأوسمة من حكومات مختلفة تقديرا لإسهاماته في المجالات الثقافية والعلاقات الدولية.

إلى جانب ذلك، يتقن أرن عدة لغات منها الإنجليزية والعربية واليونانية، كما يمكنه التواصل بالفارسية واللغات السلافية.

في حوار مع “الجزيرة نت” سألناه فيه عن مسيرته وعمله مع مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية (إيرسيكا) التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، فإلى الحوار:

  • حدثنا عن نشأتك في تراقيا الغربية، وكيف أثر ذلك على مسيرتك، وما أبرز المحطات في حياتك المهنية والتعليمية؟

لقد ولدتُ في تراقيا الغربية (هي منطقة جغرافية وتاريخية في اليونان، تقع بين نهري نيستوس وماريتسا شرق اليونان)، وهي منطقة طبيعة، كان نصف سكانها من الأتراك المسلمين ونصفهم الآخر من الأروام (اليونانيين). وفي أثناء معاهدة لوزان، جرى تبادل للسكان بين تركيا واليونان. فتم إرسال جميع الأروام من الأناضول إلى اليونان، وجميع الأتراك من اليونان إلى تركيا. وحدث هذا التبادل السكاني بعد عام 1923، أي في أعقاب معاهدة لوزان.

استثنى الأتراك من عملية التبادل (أروام إسطنبول) وهم جماعة الكنيسة الأرثوذكسية في إسطنبول، وفي المقابل، تم الإبقاء على الأتراك في تراقيا الغربية. وهكذا استُثني أتراك تراقيا الغربية من المبادلة أيضا. وكانت تراقيا الغربية تقع على حدود تركيا، ويقطنها 110 آلاف مسلم تركي، وقد مُنحوا حقوق الأقلية وحقوق المواطنة في آن واحد.

نشأتُ في تلك المنطقة، ودرستُ المرحلتين الابتدائية والمتوسطة في تراقيا الغربية، ثم أكملتُ المرحلة الثانوية في تركيا، وكذلك دراستي الجامعية. بعد التخرج، بدأتُ العمل في مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية (إيرسيكا) التابع لمنظمة التعاون الإسلامي. عملتُ في المركز لمدة 40 عاما، وترأستُه لمدة 16 عاما، فكنت مديرا للمركز من عام 2005 حتى نهاية 2020، إذ نظمنا عديدا من الندوات حول تاريخ الإسلام والثقافة الإسلامية، بالإضافة إلى فن الخط.

كانت لدينا جمعية للتضامن مع المهاجرين من تراقيا الغربية في إسطنبول، وقد ترأستُها لفترة. كما كنا نصدر مجلة “صوت تراقيا الغربية” في إسطنبول، وتوليتُ منصب رئيس تحريرها لمدة 10 سنوات. ونهاية عام 2020، أنهيتُ مهمتي في هذا المركز، وأصبحتُ الآن أستاذا للتاريخ في جامعة “تيكيرداغ” في إسطنبول.

  • كيف أحوال “تراقيا الغربية” الآن؟

عندما تكون العلاقات بين تركيا واليونان جيدة، تتحسن أوضاع الأقليات التركية في اليونان والعكس صحيح. أما عندما يكون هناك توتر أو مشكلات في قبرص أو الجزر أو في بحر إيجة، فإن أوضاعهم تتدهور. توجد مشكلات داخلية، ولكن هناك مؤسسات وجمعيات داخل تراقيا الغربية تتابع أمورهم. لديهم نواب في البرلمان اليوناني يتابعون شؤونهم، بالإضافة إلى وجود مؤسسات مدنية أخرى تتابع قضاياهم. ويحاولون الاتصال بمؤسسات الأمم المتحدة أو مؤسسات الاتحاد الأوروبي لتحسين أوضاعهم.

  • خلال فترة عملكم في “إيرسيكا”، كيف كان نشاط المركز؟

خلال فترة عملنا في “إيرسيكا”، كنا ننظم ندوات في العالم الإسلامي حول تاريخ الإسلام والحضارة الإسلامية في 11 منطقة مختلفة، مثل الحضارة الإسلامية في البلقان، والقوقاز، وآسيا الوسطى، وجنوب شرق آسيا، والشرق الأوسط، وفي أنحاء أفريقيا مثل أفريقيا الشمالية، وغرب أفريقيا، وجنوب أفريقيا، وكذلك في مناطق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود. وكنا ننظم ندوات حول الحضارة الإسلامية بمعدل مرتين أو 3 أو 4 مرات في بعض المناطق. واهتممنا أيضا بالحرف اليدوية والفنون الإسلامية، مثل الخط العربي، حيث كنا ننظم مسابقة دولية للخط كل 3 سنوات يشارك فيها نحو ألف خطاط من جميع أنحاء العالم، وكنا نوزع الجوائز للفائزين وننشر اللوحات الفائزة.

وفي السنوات الأخيرة، بدأنا مشروعا لدراسة أقدم المصاحف في العالم. على سبيل المثال، هناك نسخ في متحف “طوب قابي” في إسطنبول، والقاهرة، واليمن لم تُدرس بشكل كافٍ. بدأنا هذا المشروع عام 2005 بمصحف موجود في متحف “طوب قابي” يُنسب للخليفة عثمان بن عفان. كما توجد نسخ في مسجد الحسين في القاهرة ومكتبة المخطوطات الزينبية، ونسخ في اليمن تُنسب للخليفة علي بن أبي طالب. وقد زرت جامع صنعاء الكبير وحصلنا على نسخ من المصاحف. ونحن المسلمين نؤمن بأن القرآن وصل إلينا كما نزل، إذ قال الله سبحانه وتعالى: “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”.

فبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، جمع المسلمون القرآن وصنعوا نسخا في عهد الخليفة عثمان بن عفان، ووزعوها على الأمصار مثل الكوفة والبصرة والمدينة ومكة. وأكدت دراساتنا أنه لا يوجد اختلاف بين النسخ المختلفة للقرآن، وما يُذكر من اختلافات يعود إلى أخطاء النسّاخ أحيانا، إذ كانت الكلمة تُنسى أو تُضاف في الهامش.

عملت على هذا المشروع مع الأستاذ “طيار ألتيكولاتج”، رئيس الشؤون الدينية السابق في تركيا. وقلت له ذات مرة: يا أستاذ، لقد مرت 4 قرون ولم يقم أحد بهذه الدراسة إلا نحن، وهذا نصيب من الله. فأجاب: منذ سنوات وأنا أدعو في الطواف بمكة وأقول: يا ربي، أعطني فرصة لخدمة القرآن. وهكذا كانت أعمالنا. والآن، بعد انتهاء عملي في (إيرسيكا)، عدتُ إلى الجامعة وبدأت التدريس.

هناك مصاحف نشرناها في الغرب، مثلا في المكتبة البريطانية، حيث توجد نسختان، ونسخة في المجموعة الهندية، وقد نشرناها أيضا. كما توجد نسخة في باريس، وكذلك في مكتبة جامعة “توبنغن” في ألمانيا، بالإضافة إلى مكتبة برلين. والآن، انتهت دراسة المصحف الموجود في “طشقند” وسوف ننشره في الجامعة يوم 29 مايو/أيار المقبل، رفقة مجلس أمناء الجامعة.

  • أسألكم عن حركة الترجمة بين التركية واليونانية، هل لديكم معرفة كبيرة باللغة اليونانية؟

أنا شخصيا لم أقم بالترجمة، لكن هناك بعض الأصدقاء الذين ترجموا من اللغة اليونانية. كذلك، هناك بعض الكتب الأدبية التي تمت ترجمتها من اللغة التركية إلى اليونانية والعكس، ولكن أنا شخصيا لم أقم بالترجمة.

  • فكيف وجدتم تأثير الترجمة على فهم الثقافات المختلفة والشعوب المختلفة؟

أمس كنت أيضا في جلسة “جائزة الشيخ حمد” التي تشجع المترجمين، خاصة من لغات مثل اللغة العربية والإنجليزية والفرنسية وبعض اللغات الفارسية والتركية. الترجمة من هذه اللغات موجودة ومستمرة. لكن هناك لغات في بلدان أخرى بعيدة، مثل في آسيا الوسطى، وكازان، وتتارستان، حيث يقوم بعضهم بالترجمة أو يقدمون أعمالا للجائزة، وهذا يشجعهم. أعتقد أن هذا ستكون له فائدة كبيرة.

في أفريقيا مثلا، هذه السنة، قررت لجنة الأمناء أن تكون إحدى اللغات الأصلية هي اللغة التركية في العام القادم، أي في 2025، والسنة التي تليها ستكون لغة تايلندية. هذا سيشجع المهتمين باللغة العربية في تايلند على الترجمة إلى اللغة العربية أو من العربية إلى التايلندية.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *