تواصلت فعاليات الدورة العاشرة من مهرجان كتارا للرواية العربية، خلال اليومين الماضيين، بفعاليات أدبية ثرية شارك فيها نخبة من المهتمين بالرواية والأدب، بينها ندوة عن “الرواية والاغتراب: الكتابة في الغربة والغربة في المكان”، وندوة نقاشية أخرى بعنوان “الرواية العربية وشبكات التواصل الاجتماعي”.
وتتميز الدورة العاشرة لجائزة كتارا للرواية العربية بتنوع الفعاليات، حيث عاود المسرح الروائي الظهور بعد فترة من التوقف، وسيكون الجمهور على موعد مع مسرحية “البرج” بمسرح الدراما اليوم الأربعاء.
الاغتراب في الرواية العربية
ناقشت ندوة “الرواية والاغتراب”، التي احتضنها المبنى رقم 12 بكتارا، انعكاسات الاغتراب على الكتابة الإبداعية، حيث شاركت فيها ميسلون فاخر وهي منتجة أفلام وروائية سويدية من أصل عراقي، وعبد الله مكسور وهو روائي وصحفي سوري، بينما أدار الندوة أحمد العلوي وهو كاتب روائي عماني.
أجواء من الشغف والأفكار العميقة تجسدت في ندوة “الرواية والاغتراب”، مما جعلها تجربة فريدة للحضور، ضمن فعاليات #مهرجان_كتارا_للرواية_العربية 2024#للرواية_حق_التكريم#الأسبوع_العالمي_للرواية#كتارا #قطر#كتارا_ملتقى_الثقافات#كتارا_وجهة_ثقافية_سياحية pic.twitter.com/nihOBddgRR
— كتارا | Katara (@kataraqatar) October 15, 2024
وقدم أحمد العلوي مدير الندوة توطئة لها، معرجا على الاغتراب في المذاهب الفلسفية المادية، وكيف تسلل الاغتراب إلى الأدب والشعر والمسرح.
وطاف المتحدثان ميسلون ومكسور على عدد من المحاور التي تم تحديدها مسبقا من قبيل: الاغتراب في الرواية والاغتراب الروائي والقدرة على الاندماج والتعبير عن مفهوم الاغتراب من الداخل، ثم العوامل المسهمة في تعزيز مفهوم الاغتراب، فضلا عن الحديث عن التجارب الذاتية مع الاغتراب.
ونوهت ميسلون فاخر إلى أن اغتراب الكاتب قد يكون ذاتيا من المبدع نفسه، وتكون الكتابة عنده هي الملاذ، متسائلة عن دواعي الاغتراب الذاتي وأسبابه، إذ الاغتراب الداخلي حالة نفسية تنتج أدبا جميلا وأعمالا تبقى للإنسانية.
ولفتت إلى أن العزلة الذاتية هي أصعب وأقسى أنواع الاغتراب، مشددة على أن الكتاب والروائيين يضطلعون بمسؤولية عميقة في إيصال آمال الناس وآلامهم، متحدثة في الوقت نفسه عن تجربتها في الاغتراب.
من جهته، قارب الروائي السوري مصطلح الاغتراب في سياقه العربي والغربي واختلافهما. وأحال الحضور على تعريف أبي حيان التوحيدي للاغتراب حين قال “أغرب الغرباء من صار غريبا في وطنه، وأبعد البعداء من كان بعيدا في محل قربه؛ فإذا تحدث لم يُسمع وإذا ظهر لم يدر حوله، وإذا تنفس كتم الأسى، وإذا كتم أفسد”.
الرواية وشبكات التواصل الاجتماعي
وناقشت ندوة عن الرواية العربية وشبكات التواصل الاجتماعي العلاقة بين الإبداع الروائي العربي المعاصر ووسائط التواصل الاجتماعي ومنصاته ودرجة التأثير والتأثر بينهما، وكيفية تقديم الكاتب الروائي نفسه لجمهور هذه الوسائط.
الندوة التي أدارتها الإعلامية آلاء كراجة تطرقت إلى موضوع العلاقة بين الكاتب والقارئ ودور النشر، وانعكاس وسائط التواصل الاجتماعي في البناء الروائي، إلى جانب موضوع الذكاء الاصطناعي وأثره في صناعة الرواية، ودور النقد الأدبي في تقويم الإنتاج الروائي وتقييمه.
وأكد الروائي فيصل الأنصاري الحاصل على جائزة كتارا للرواية العربية عام 2021 لفئة اليافعين، خلال الندوة، أن تكنولوجيا الاتصال المعاصرة صنعت واقعا حيويا ومتجددا، وأن شبكات التواصل أثرت في واقع الاقتصاد والسياسة والأعمال والحياة الاجتماعية، وفتحت أمام الكتاب والقراء فرصا جديدة للتواصل لم تكن موجودة قبلها، كما حققت نقلة نوعية في العلاقة بين الروائيين وقرائهم، داعيا إلى التعامل مع هذه العلاقة بشجاعة ومنطقية.
وعن نوعية المحتوى الذي يقدمه الروائي على وسائط التواصل الاجتماعي، أوضح أن الأمر يتوقف على نوع الرسالة التي يقدمها الكاتب في إنتاجه، مشيرا إلى دور وزارات الثقافة في الوطن العربي في رعاية الكتاب وحمايتهم من الخضوع لمنطق العرض والطلب في هذه الوسائط الاجتماعية.
وتطرق إلى واقع صناعة الكتاب وعلاقة دور النشر بالكاتب من حيث الحقوق المادية، واضطرار دور النشر إلى الخضوع لمبدأ العرض والطلب تحت ضغط الأعباء المادية للنشر، كما طالب بضرورة مواكبة الكاتب للمجتمع للتعرف على اللغة التي تصل إلى أفئدة الناس وعقولهم والهموم التي تشغلهم، وارتفاع حسه لرصد المسكوت عنه في المجتمع والسياسة وتجاوز المرئي إلى غير المرئي.
من جانبها، ألقت الروائية والإعلامية أسيل سامي الضوء على جانب من تجربتها الروائية وعلاقتها مع وسائط التواصل الاجتماعي، مؤكدة ضرورة توطيد العلاقة بين الروائيين وهذه الشبكات، وتجاوز التحفظ في التواصل بين هذين العالمين، إذ تقتصر هذه الوسائط على المشاهير والمؤثرين والنجوم.
ودعت إلى ضرورة تفاعل الروائيين مع هذه الوسائط لأنها وسيلة بارزة لإيصال أفكارهم إلى الآخرين، موضحة أن العبرة تكمن في المحتوى الذي يريد الكاتب نشره، وكيفية تقديم نفسه للجمهور والمتابعين، كما لفتت إلى الطبيعة الخاصة للاستجابة للمنشورات على هذه الوسائط من خلال “الإعجاب” لأن المتابعين في الغالب هم من أصدقاء الكاتب أو المقربين إليه، ولذلك يحرصون على مجاملته.
وعن انعكاس أثر شبكات التواصل الاجتماعي على الروائيين، أشارت إلى نماذج من الكتاب يستخدمون لغة هذه الوسائط ومصطلحاتها في أعمالهم السردية في إطار رغبتهم بمخاطبة الجيل المعاصر بأسلوب عصره ولغته.
فعاليات متنوعة
حظي معرض كتارا للكتاب في نسخته الثانية، والذي يقام على هامش المهرجان، باهتمام محبي القراءة والاطلاع ولا سيما في الرواية والأدب. وشارك في المعرض إلى جانب دور النشر القطرية والمكتبات العديد من الوزارات والجهات المهتمة بالثقافة والنشر، من بينها وزارة الثقافة، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم، وملتقى الناشرين والموزعين القطريين، والمركز الثقافي التركي، وغيرها.
وأثار اهتمام الزوار المعرض الذي أقيم لتكريم شخصية العام الروائي المغربي الراحل التهامي الوزاني، إذ اشتمل على كتيب بعنوان “التهامي الوزاني بين مسالك الأدب والصحافة والتاريخ”، يسرد تجربة الراحل الذي يعد من مؤسسي الرواية المغربية، إلى جانب معرض صور لأغلفة الكتب التي أصدرها الوزاني مع مقتطفات لأهم مراحل حياته الحافلة بالعطاء.
وواصلت ورشة الفنتازيا في الرواية العربية أعمالها بالمبنى 48، كما واصلت ورشة روايات الفتيان والفن التشكيلي أعمالها بالقاعة 12، وتناولت نماذج لخمس روايات للفتيان فازت بجائزة كتارا للرواية العربية.
وشهدت فعاليات الدورة العاشرة من مهرجان كتارا للرواية العربية أيضا عقد ورشة تحت عنوان “روايات الفتيان والفن التشكيلي” خصصت للبنين والبنات من الفئة العمرية بين 12 و15 عاما تستمر على مدى 5 أيام وتهدف إلى تلخيص الرواية ومحاكاتها بالرسم.
وتطرح الورشة، التي تديرها إلهام مجاهد العامري المتخصصة في التربية الفنية، 5 روايات للفتيان فازت بجائزة كتارا للرواية العربية، هي: “القبعات الثلاث” و”أصدقاء ديمة” و”جبل الخرافات” و”ليس شرطا أن تكون خارقا لتنجح” و”الهاربون والمجتمع الأخضر”، حيث يقوم المشاركون بالتطبيق على الروايات.
كذلك أقيمت ورشة تحت عنوان “الفنتازيا في الرواية العربية” يقدمها الكاتب والروائي المصري إبراهيم فرغلي على مدى 3 أيام، وتتناول الورشة شرحا عن رواية الفنتازيا بين أصولها العربية وامتداداتها الغربية وأهمية روايات الفنتازيا على مستوى الفكر والفلسفة وأبرز الكتاب في هذا اللون الأدبي وأهم السمات الأدبية للأساليب المختلفة، بالإضافة إلى مناقشة أسباب عزوف الأدب العربي عن الرواية الخيالية مقارنة بالرواية الواقعية.
المصدر : الجزيرة + وكالات + وكالة الأنباء القطرية (قنا)