جزء سابع من سلسلة “سلاحف النينجا” يعرض حاليا في الولايات المتحدة، ويحتل ترتيبا جيدا في شباك التذاكر، لكنه يثير العديد من علامات الاستفهام حول التصورات الكامنة وراء السلسلة نفسها، والذي سبقته 6 أفلام تدور أحداثها في فترات زمنية منفصلة تم إصدارها عبر 4 عقود، ومجموعة من القصص المصورة ومسلسلات رسوم متحركة تلفزيونية وألعاب فيديو، كانت جميعها حريصة على إضفاء طابعها الخاص على “سلاحف النينجا”، التي أبدعها كيفن إيستمان وبيتر ليرد في عام 1984.
ولا تقتصر أهمية سلسلة أفلام “سلاحف النينجا” على ذلك النجاح الذي حققته عبر ما يقرب من 4 عقود، تخللتها فترات فتور في العلاقة مع محبيها، ولكن تلك الأهمية تمتد لما يمكن أن نطلق عليه تأريخا اجتماعيا ورصدا للحظات صعود وهبوط نسبي في تاريخ الإمبراطورية الأميركية، وانعكاسه على الخيال السينمائي.
ولعل ذلك التصور حول توثيق لحظات التضخم في الشعور بالذات الحضارية، خاصة في تسعينيات القرن الماضي، يصطدم بلحظة غروب أميركي حاليا على مستويات، ليس أولها الشلل الحادث في صناعة السينما الأميركية نتيجة إضراب هوليود منذ أكثر من مئة يوم، ولا تراجع التصنيف الائتماني لعدد من البنوك، وإنما تلك الشيخوخة التي أصابت السياسة الأميركية في أعلى مستوياتها، ليتنافس على رئاستها شخصان تجاوز أصغرهما الـ75 عاما، في حين تطمح دول أصغر نسبيا لإنشاء تشكيلات اقتصادية تتحدى الهيمنة الاقتصادية للدولار.
وهنا يأتي السؤال حول الجزء السابع من سلسلة بدأت معبرة بامتياز عن شعور أميركي بوراثة الحكمة والقوة وإنتاج ما يمكن تسميته “مجتمع السوبر” نتيجة طفرة حضارية، وما الذي يمكن أن يقدمه في لحظة التراجع؟
6 أجزاء
حققت قصة ليوناردو ودوناتيلو ورفاييل ومايكل أنجلو وسينسي سبلينتر نجاحا كبيرا في عام 1990، الذي صدر خلاله الجزء الأول، حيث انجذب الجمهور إلى أبطال الفيلم الذين تميزوا بجرأة وواقعية.
بعد عام واحد، وفي ذروة هوس جمهور المراهقين بالسلاحف، جاء الجزء الثاني “سلاحف النينجا 2.. المستقنع السري”، الذي قام صناعه بتخفيف حدة العنف باستخدام السلاح، وفي عام 1993 تراجع فيلم “السلاحف” ولم يلق إقبالا في شباك التذاكر، مما أدى إلى توقف السلسلة.
استمر وجود سلاحف النينجا من خلال ألعاب الفيديو والقصص المصورة والعديد من المسلسلات التلفزيونية، إلى أن تم إحياء السلسلة بفيلمي رسوم متحركة في عامي 2007 و2014، واللذين شهدا نجاحا أكبر بكثير مع النقاد.
وريثة العالم وسيدته
حرص صناع السلسلة منذ البداية على استخدام الرموز المتداولة بين الجمهور، ليس بهدف الجذب الجماهيري فقط، وإنما لبناء نموذج فكري كامل، فاختيار السلاحف باعتبارها برمائيات مقصود ليؤكد على فكرة أن حماة العالم الجدد هم جسر وصل بين عالمين.
تسمية السلاحف وحبهم للبيتزا الإيطالية له دلالته الهامة، إذ اتخذوا أسماء أشهر فناني عصر النهضة (ليوناردو دافنشي، ومايكل أنجلو ورافائيلوو دوناتيلو)، لكن هؤلاء السلاحف يمارسون رياضة النينجوتسو للدفاع عن أنفسهم، وهي رياضة صينية استخدمتها جماعات النينجا التي تميزت بالقوة والقدرة على الاختفاء عن العيون.
شكل ذلك الميراث لفنون عصر النهضة وقوة وحكمة النينجا الصينية معادلة جديدة عبر اجتماعه في أرض العالم الجديد في نيويورك، مدينة يصعب على من يعيش فيها رؤية السماء من كثرة ناطحات السحاب، وبالتالي شكل صناع السلسلة أجواء تدفع المشاهد للقبول بفكرة أن يحمي العالم مجموعة من السلاحف يقودهم فأر.
كانت الصحفية “أبريل” أو “نيسان” هي خير عون للسلاحف في معاركهم، إذ وقع عليها عبء تقديم الحقائق كما يرغب السلاحف والفأر في تقديمها بصرف النظر عن الواقع، وهو إدراك عميق لدور الإعلام في الإمبراطورية الأميركية وفي تشكيل وعي الشعوب.
قدمت السلسلة صراعا غير محدود وغير متناه بين السلاحف ومعهم صديقتهم الإعلامية “أبريل”، وبين كائنات مختلفة خلال الأعمال العديدة، لكنها دائما كانت تهدف لحماية البشر، إما استجابة من السلاحف لطبيعتهم كأبطال، وإما سعيا للقبول بين البشر رغم اختلافهم.
المراهقون
عاد صناع الجزء السابع إلى القصة الأصلية لسلاحف النينجا، وكيف كانوا مجرد 4 سلاحف تعيش في أنابيب الصرف الصحي، وتلتقي مصادفة بفأر لا يختلف عنها في ضآلته ونفور البشر منه.
تسقط السلاحف والفأر في مادة هلامية، يتضح فيما بعد أنها مشعة، فيتحولون مع الأيام إلى عمالقة، وتبدأ قصتهم من رغبتهم في الخروج إلى عالم البشر، لكنهم يفاجؤون بالنفور والخوف، ويبدؤون في البحث عن سبل لاكتساب القبول.
“سلاحف النينجا” ليست السلسلة الأولى من الأفلام الأميركية التي تعود للبحث عن أصول أو نشأة أبطالها فيما يبدو تخوفا من الاشتباك مع لحظة غامضة أو غير ملهمة، فقد قام المخرج جيفروي ومعه المؤلف سيث روغان بالتركيز على فترة مراهقة السلاحف، والتي يواجهون فيها مشاعرهم بالرغبة في الالتحاق بمدرسة ومصادقة فتيات والقبول الاجتماعي.
احتفظت السلاحف بملامح شخصياتها المميزة لكل منها، وجاء صوت نجم الحركة ذي الأصول الآسيوية جاكي شان في دور المعلم الفأر ليؤكد على فكرة أساسية في العمل وهي أن الولايات المتحدة الأميركية تشبه في أبسط صورها “نخبة منتخب العالم” التي قررت الاستقرار في العالم الجديد، لتنتصر على أعداء الإنسانية من أمثال “السوبر فلاي”، وهي ذبابة عملاقة متحولة ترغب في قتل البشر وحكم العالم بالمتحولين.