لا يعدّ الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية جريمة بحق الأمم وتاريخها فحسب؛ بل في حق التراث الإنساني كله، كون أن ملكيتها لا تعود إلى الدول وحدها، وإنما تعدّ تراثا عالميا يجب حمايته والمحافظة عليه.
جريمة الاتجار بالممتلكات الثقافية كانت أحد المحاور التي تطرق إليها المؤتمر الثاني عشر لوزراء الثقافة في دول العالم الإسلامي، المقام على مدار يومين في العاصمة القطرية الدوحة تحت شعار، “نحو تجديد العمل الثقافي في العالم الإسلامي”.
وبرزت إستراتيجية منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة “إيسيسكو” لمكافحة الاتجار بالممتلكات الثقافية في العالم الإسلامي، ضمن الوثائق التي استُعرضت وصُودق على خطوطها العريضة خلال المؤتمر، وحُدّدت مسارات العمل عليها بين المنظمة والدول الأعضاء، تمهيدا لاعتمادها بصورة نهائية خلال عامين، ومتابعة تنفيذها لتكون مؤثرة في سياسات وتشريعات الدول الأعضاء.
14 ألف مخطوطة
ويرى مدير إدارة الشؤون القانونية والمعايير الدولية بمنظمة “إيسيسكو”، محمد الهادي السهيلي، أن الإستراتيجية هي نتاج طلبات من دول عديدة في المنظمة، بضرورة منح الموضوع أهمية قصوى، ودعم الدول في استرداد وتنمية قدرات العاملين في مجالات الثقافة والميادين المتصلة من أجهزة إنفاذ القانون، فضلا عن بعض الورشات التي عقدتها منظمتا “يونسكو” و”يونيدروا”، اللتان أصدرتا اتفاقيتين في هذا المجال في 1970 و1995.
ويقول السهيلي للجزيرة نت، إن تقديرات الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية حول العالم تتراوح بين 3.4 إلى 6.3 مليار دولار سنويا، وهو رقم كبير وسرقة لممتلكات ثقافية للدول والتراث الإنساني والعالمي، لذلك تسعى المنظمة من خلال هذه الإستراتيجية إلى معالجة الثغرات في الاتفاقيات التي لا تخدم الدول، خاصة دول العالم الإسلامي الأكثر تعرضا لهذا الاتجار.
ويضيف أن هذه الظاهرة تمسّ كل الدول وبالأخص دول العالم الإسلامي، وكذلك الدول التي تعاني من أزمات وحروب، ففي اليمن -مثلا- رُصدت سرقة وتهديد نحو أكثر من 14 ألف مخطوطة، لم يتضح حتى الآن مصيرها.
ويشير مدير إدارة الشؤون القانونية والمعايير الدولية بمنظمة “إيسيسكو”، إلى أن التاريخ مليء بسرقات كثيرة للممتلكات الثقافية، أشهرها سرقة لوحة “زهرة الخشخاش” للفنان الهولندي العالمي فنسنت فان جوخ من متحف محمد محمود خليل بالقاهرة، التي تبلغ قيمتها 60 مليون دولار.
3 محاور
ويوضح أنه صُودق خلال مؤتمر وزراء الثقافة في دول العالم الإسلامي على المحاور العريضة للإستراتيجية وخطوطها التي تتلخص في 3 محاور كبرى، الأول: يشمل الآليات الحمائية التي تضم الضمانات والتشريعات القانونية، الثاني: يتعلق بالآليات المادية الخاصة بالصيانة والترميم والحماية والحفظ والتوثيق وإعداد الدراسات الاستكشافية، والثالث: يرتبط بالتعاون الدولي، خاصة فيما يتعلق بإصدار القواعد القانونية الدولية، أو بالمساعدة في البعد المادي.
بدوره، نبّه مدير البرامج بالملتقى القطري للمؤلفين، صالح غريب، بإستراتيجية “إيسيسكو” لمكافحة الاتجار بالممتلكات الثقافية في العالم الإسلامي، لكنه شدد على ضرورة وجود آلية للتنفيذ تحمي الممتلكات الثقافية في البلدان الإسلامية.
ويقول صالح للجزيرة نت، “إننا طالبنا بضرورة طرح هذا الأمر كثيرا، وإصدار قوانين وتطبيق آليات ملزمة تمنع هذا الاتجار، تسهم في كفّ أيادي الذين يعملون في الاتجار بالممتلكات الثقافية، سواء كانت مادية أو معنوية”.
ويضيف “الممتلكات الثقافية متنوعة ومجالاتها مفتوحة، ولا بد من وضع ضوابط وقوانين تحكم هذه الأمور من أجل المحافظة عليها، خاصة أن بعض المنتفعين يستسهل هذا الأمر، ويلجأ إلى أساليب غير أخلاقية في عملية الاتجار بالممتلكات الثقافية”.
سرقة ثقافتنا
من جهته يرى الناقد المسرحي الدكتور حسن رشيد، أن إستراتيجية “إيسيسكو” لمكافحة الاتجار بالممتلكات الثقافية في العالم الإسلامي بادرة طيبة، “نتمنى لها أن تصل إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع خلال الفترة المقبلة”.
ويقول حسن رشيد للجزيرة نت، إن “بعض الدول التي لا تمتلك تاريخا، استغلت ضعفنا في بعض الفترات وسرقت ثقافتنا وتراثنا وحضاراتنا، ففي بعض المتاحف العالمية في مختلف دول العالم تجد الآثار المصرية، وكذلك الآثار العراقية بعد سقوط صدام حسين، فضلا عن طمس الهُوية والسرقة الثقافية للبلدان العربية الواقعة تحت الاحتلال، أو التي تعاني من حروب وأزمات”.
ويضيف “أننا لا نحافظ على ثقافتنا وتراثنا في كل مكان، ونحن مسؤولون عن هذا الأمر، فهناك في دولة مالي واحدة من أقدم المكتبات الإسلامية والمعرضة الآن للسرقة والنهب، مثلها مثل كثير من عمليات السرقة التي أصابت مخطوطات تاريخية في اليمن”.
لوسيل عاصمة الثقافة الإسلامية 2030
كما استعرض المؤتمر الثاني عشر لوزراء الثقافة في دول العالم الإسلامي، التقرير الصادر عن المجلس الاستشاري للتنمية الثقافية في العالم الإسلامي، وأهم المبادرات والبنود التي توصل إليها المجلس الاستشاري.
كما اعتمد مجموعة من القرارات أهمها: اعتماد مدينة لوسيل القطرية عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي 2030، ووثائق تطوير برنامج “إيسيسكو” لعواصم الثقافة في العالم الإسلامي، وسبل تطويرها، وأهم الدول المرشحة لاستضافة عواصم الثقافة في العالم الإسلامي خلال الفترة القادمة.
كما تم خلال المؤتمر استعراض مجهودات المنظمة في دعم العمل الثقافي، في ظل رؤيتها وتوجهاتها الإستراتيجية، وكذلك تقرير لجنة التراث في العالم الإسلامي، ووثيقة المبادئ التوجيهية للسياسات الثقافية.