عرفت الكويت علم الآثار قبل عقود مضت، وقد حظي ذلك العلم المتعلق بدراسة تاريخ البلاد، وما تركه الأجداد من معالم وآثار يعود تاريخها لآلاف السنين، باهتمام بالغ من قبل الكويتيين الذين حرصوا على أن تكون لهم إسهاماتهم الخاصة في هذا المجال، وهو الأمر الذي تحقق بالفعل على يد مجموعة من الآثاريين والعلماء الذين قدموا الكثير من الدراسات المتخصصة التي نشرتها الدوريات العلمية العالمية المعنية بحقل البحوث الأثرية.
وقد أثرى هؤلاء الباحثون المكتبة الكويتية والخليجية والعربية بالعديد من المؤلفات التي قدموا فيها نتائج ما قاموا به من دراسات حول تاريخ الكويت ومنطقة الخليج العربي، بجانب الكثير من الإصدارات التي توثق لتاريخ الحفائر الأثرية على أرض الكويت، وترجمة ما صدر من مؤلفات لعلماء الآثار الأجانب الذين عملوا في حقل الحفائر الأثرية بالبلاد.
وقد كان للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ولإدارة الآثار والمتاحف بالمجلس، ولمتحف الكويت الوطني دور كبير فيما باتت تحفل به المكتبة الكويتية والعربية من مؤلفات تتناول آثار الكويت وتاريخها القديم.
بدايات الحفائر الأثرية
ووفقا لإدارة الآثار والمتاحف بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، فقد بدأت عمليات الحفر الأثري في دولة الكويت عام 1958، وقد أسهمت في ذلك إدارة الآثار والمتاحف منفردة وبالتعاون مع مؤسسات متخصصة منها العربية والأجنبية، ومنذ ذلك الوقت استمرت عمليات الكشف الأثري، ولم تتوقف إلا خلال فترة الغزو العراقي لدولة الكويت، واستؤنفت تلك الأعمال بعد تحرير كامل التراب الكويتي.
وترجع البدايات الأولى للبعثات الآثارية العاملة في دولة الكويت إلى اهتمام علماء الآثار الدانماركيين الذين زاروا البلاد لأول مرة في عام 1957، والذين بدأ فريق منهم بقيادة جيوفري بيبي وبيتر فيلهيلم غلوب الأنشطة الآثارية في العام 1958، ليُصبح ذلك العام علامة بارزة لانطلاق الدراسات الآثارية في الكويت.
وكان علم آثار الشرق الأوسط قد ركز منذ بداياته في القرن الـ19 على مراكز الحضارة الرئيسية في مصر وبلاد الرافدين وإيران. ولم يول المناطق المطلة على الخليج العربي إلا أهمية ثانوية على العموم، وبدأ الاهتمام بمنطقة الخليج من قبل الآثاريين الأوروبيين في النصف الثاني من القرن العشرين.
وكما يدلنا كتاب “البعثة الأثرية الدانماركية في الكويت 1958-1963: نظرة على أرشيف متحف موسغورد”، والصادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، فإن أول اتصال مباشر بين البعثة الدانماركية والكويت جرى في أوائل 1957، وذلك في مطار المحرق بالبحرين، حيث اجتمع غلوب مع السيد عبد العزيز حسين مدير المعارف في الكويت آنذاك.
وفي وقت لاحق من العام نفسه، وتحديدا في أبريل/نيسان، توجه جيفري بيبي في زيارة إلى الكويت في طريق عودته إلى بلاده، واجتمع مع نائب مدير دائرة المعارف درويش المقدادي وناقشا معا خططا للتنقيب الآثاري في الكويت.
وتلت البعثة الآثارية الدانماركية، بعثات أخرى عملت لبعض المواسم وقدمت من مصر والولايات المتحدة وإيطاليا ودول أخرى.
وتصف لنا فصول وصفحات كتاب “البعثة الآثارية الكويتية-السلوفاكية إلى جزيرة فيلكا من العام 2004 حتى العام 2008″، والصادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ظروف وتاريخ الحفائر الآثارية في فيلكا، وكيف تم توظيف الدراسات الآثارية والبيئية القديمة والعرقية البشرية الآثارية للكشف عن الحياة خلال العصر البرونزي على تلك الجزيرة.
وقد قدمت أنشطة البعثة الآثارية الكويتية السلوفاكية بجزيرة فيلكا مساهمة قيمة نحو فهم الأحداث الماضية التي جرت على تلك الجزيرة وفي الخليج العربي.
مواقع وحفريات
وتُقدر المواقع الأثرية التي تم الكشف عنها في مختلف مناطق البلاد بالعشرات. ووفقا للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآدب، فإن الكويت غنية بالكثير من المواقع الأثرية ومواقع الحفائر التي تتواصل من أجل كشف المزيد من الآثار والتعرف أكثر على تاريخ الكويت، وهي المواقع التي تشهد جهودا متواصلة من قبل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وإدارة الآثار والمتاحف بالمجلس من أجل صون وحماية تلك المناطق وترميم معالمها الأثرية والمكتشفات الأثرية بها.
ويعود تاريخ نشأة علم الآثار في الكويت لعقود مضت، وقد جاء تطور هذا العلم بفضل الاهتمام الذي توليه الدولة بالآثار باعتبارها جزءا من الثقافة والهوية الوطنية للكويتيين، حيث صدر أول قانون للآثار بالبلاد عام 1960، في حين تم إنشاء أول نواة لمتحف الكويت الوطني عام 1957، وكان من بين نتائج الاهتمام الكويتي المُبكر بقطاع الآثار إنشاء إدارة الآثار والمتاحف التي تتبع اليوم المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
وبحسب المجلس الوطني، فقد تغير مفهوم العمل بهذا القطاع ليكون من بين أولوياته التوعية بقيمة آثار البلاد وأهمية الحفاظ عليها، إضافة إلى أعمال التنقيب والترميم، مع السعي لتوظيف تلك الآثار في تنشيط الحركة السياحية بالبلاد.
مشاركة عربية وأجنبية
يُذكر أن أعمال التنقيب الأثري على أرض الكويت، التي جرت بمشاركة علماء أجانب وكويتيين، تدل على أن الكويت من أقدم مناطق الشرق القديم التي استوطنها الإنسان، كما تدل الآثار المكتشفة في الكويت وخارجها وبخاصة في جزيرة فيلكا، وفي بلدان الخليج العربي المجاورة، وجنوب وادي الرافدين على وجود تاريخ حضاري مميز للكويت في العصور البرونزية (الألف الثاني والألف الأول قبل الميلاد) والعصور الهيلنستية ما بين القرنين الثالث والأول قبل الميلاد، وهو تاريخ مماثل للحضارات المعاصرة في المنطقة.
وبحسب المصادر الجغرافية والتاريخية، فإن الكويت تفردت بموقع متميز استفاد منه سكان البلاد في الكثير من الأنشطة على مر العصور، خاصة أنها كانت منفذا طبيعيا لشمال شرق الجزيرة العربية، حيث لعبت دورا بارزا في الملاحة البحرية والعلاقات التجارية بين وادي الرافدين والخليج والجزيرة العربية.