يرى الصحفي والكاتب الفرنسي آلان غريش أنّ “المجتمع الدولي وخاصّة العالم الغربي لا يفعل شيئاً لوقف هذه المأساة التي تجري في غزة” منتقدا “العالم الغربي الّذي يدّعي الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وتقرير المصير، لكنه يُثبت الآن أنّه عالَم منافق يُقدِّم سلسلة من الأكاذيب”.
وأشار إلى أنّ الصحفيين في غزة “قاموا بعمل خيالي، وقدّموا لنا كلّ شيء نريده فهم بالفعل صحفيون شجعان”.
وغريش صحفي فرنسي مخضرم وخبير في شؤون الشرق الأوسط، وُلِدَ بالقاهرة سنة 1948 لعائلة يهوديّة مصريّة ذات أصول أوروبية، والده هنري كوريل أحد مؤسّسي الحزب الشيوعي المصري، وكان لتلك النشأة تأثير في تكوينه الفكري والسياسي، إذ غُلِبُ عليه التوجّه اليساري، واهتمامه بمشكلات الشرق الأوسط والعالم العربي رغم مغادرته وعائلته القاهرة عام 1962 إلى فرنسا.
وهو يُعدّ خبيراً بقضايا الشرق الأوسط وأحد المتخصّصين في صراعات المنطقة، كما أنّه مناصر للقضية الفلسطينية، وازداد اهتمامه بقضايا العالم العربي مع تسلّمه رئاسة تحرير صحيفة “لوموند ديبلوماتيك” العريقة لمدّة 10 سنوات، وأسّس سنة 2013 الموقع الإلكتروني “أوريان 21” المتخصص في قضايا العالمين العربي والإسلامي.
ومن كتبه: “الشرق الأوسط.. حرب بلا نهاية؟” عام 1988، “الإسلام في تساؤلات” (2000)، “منظمة التحرير الفلسطينية.. الكفاح الداخلي” (2005)، “الأبواب المئة للشرق الأوسط” (2010)، “علامَ يُطلق اسمُ فلسطين؟” (2012)، “الإسلام والجمهورية والعالم” (2016). وقد تُرجم كتابه “فلسطين وإسرائيل: حقائق حول النزاع” إلى اللغات الألمانية والعربية والهولندية والإيطالية والإسبانية والبرتغالية، فإلى الحوار:
-
كباحث مهتم بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي منذ نصف قرن، وعلى المستوى الشخصي باعتباركم مؤيّدا لنضال الشعب الفلسطيني، ماذا تقول عن مقتل آلاف المدنيين الفلسطينيين في غزّة؟
ما يحدث في فلسطين من قتل لآلاف النساء والأطفال الفلسطينيين أمر فظيع، بل أكثر من فظيع، فحقيقة أنَّ المجتمع الدولي، خاصّةً العالَم الغربي، يُبدي عدم الاهتمام بهذه المأساة، ونحن كغربيين لا نستطيع القول إنّنا لم نعلم بذلك.
فكما قال فريق المحاماة لدولة جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، أثناء مناقشة لائحة الاتهام ضد إسرائيل بارتكابها إبادة جماعية في غزّة، إنّه لأوّل مرّة في التاريخ نرى فيها فيلم إبادة لضحايا أرسلوا بأنفسهم الصور التي توثّق مقتلهم.
إذاً، نحن لا نعرف أي شيء، فما أخشاه أنَّ هذا سيكون له تأثير لفترة طويلة على العلاقات ليس فقط بين العالَم الإسلامي والغرب، بل مع بقية دول العالَم أيضاً. في الحقيقة نحن نرى بوضوح أنّ العالَم الغربي الذي يدّعي الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وتقرير المصير، يُثبت الآن أنّه عالَم منافق يُقدِّم سلسلة من الأكاذيب. سيكون لهذا السلوك الغربي تأثيرٌ مستقبلي.
-
على ضوء العلاقة الممتدة بين فرنسا وإسرائيل منذ أربعينيّات القرن العشرين، كيف تفسّر قيام فرنسا بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بتأمين الغطاء السياسي والدعم العسكري للحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين؟ وهل التعاطف الفرنسي مع إسرائيل شامل على المستويين الرسمي والشعبي أم محصور ضمن تيّارات سياسية محدّدة؟
فيما يتعلق بالسياسة الفرنسية علينا العودة إلى التاريخ، ففي عام 1967 اتّخذت فرنسا بقيادة الجنرال شارل ديغول (1890-1970) موقفاً شجاعاً وقوياً ضد العدوان الإسرائيلي، ومنذ ذلك الحين وحتى التسعينيّات من القرن الماضي، كان موقفُ فرنسا واضحاً، يتمثّل بموقف فرنسا الداعي إلى الانسحاب من الأراضي العربية المحتلّة، والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثّل للفلسطينيين، والاعتراف بحقّ الفلسطينيين بتقرير المصير.
وخلال تلك الفترة كانت هناك أيضاً مبادرة دبلوماسية فعّالة أطلقتها فرنسا للمساعدة في تطبيق حلّ الدولتين، والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية. وفي الفترة التي كانت فيها إسرائيل والولايات المتحدة تقولان: إنَّ منظمة التحرير الفلسطينية منظمة إرهابية، استطاعت فرنسا جمع قسم من الدول الأوروبية حول سياستها الداعية للاعتراف بالمنظمة.
التغيير في السياسة الرسمية الفرنسية حدث بعد عام 2001، حيث بدا واضحاً أنّ نظرة فرنسا إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بدأت تتغيّر، ولم تعدْ فرنسا تعتبر أنّ الصراع هو بين قوّة احتلال وشعب واقع تحت ذلك الاحتلال، بل أصبح الصراع ضد الفلسطينيين جزءًا من الحرب ضد الإرهاب التي قادتها الولايات المتحدة بالتحالف مع أوروبا الغربية وإسرائيل
لكنّ التغيير في السياسة الرسمية الفرنسية حدث بعد عام 2001، حيث بدا واضحاً أنّ نظرة فرنسا إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بدأت تتغيّر، ولم تعدْ فرنسا تعتبر أنّ الصراع هو بين قوّة احتلال وشعب واقع تحت ذلك الاحتلال، بل أصبح الصراع ضد الفلسطينيين جزءًا من الحرب ضد الإرهاب التي قادتها الولايات المتحدة بالتحالف مع أوروبا الغربية وإسرائيل، وعندما تُناقش المسؤولين الفرنسيين اليوم يقولون: إنَّ موقفهم لم يتغيّر، وإنهم لا يزالون يدعمون حلّ الدولتين وإنهم ضد الاستيطان.
المسؤولين الفرنسيين اليوم مساهمون فيما يحدث، وهم مشاركون في الإبادة الجماعية
ولكنْ في الحقيقة لم تحاول فرنسا جدّياً إيقاف إسرائيل عن ممارساتها قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ولم تحاول جدياً إيقاف الاستيطان الإسرائيلي وإجبار إسرائيل على الاعتراف بالدولة الفلسطينية والتفاوض مع الفلسطينيين. على العكس من ذلك، عندما وافقت فرنسا على حلّ الدولتين كانت تتعامل في الوقت نفسه مع إسرائيل وكأنها ليست قوة احتلال. حيث طوّرت العلاقات الثنائية معه، في جميع المجالات كالأمن والجيش. لذلك فإنّ المسؤولين الفرنسيين اليوم مساهمون فيما يحدث، وهم مشاركون في الإبادة الجماعية.
أَمَّا فيما يتعلق بالرأي العام فالأمر معقّد أكثر. فمن المؤكّد أنّ هاجس الإرهاب وحقيقةً أنّ فرنسا تعرضت لهجوم إرهابي عام 2015 ذلك خلف نوعاً من الاضطراب في الرأي العام وحتّى في الأحزاب السياسية. وعندما تستمع إلى النقاش الدائر حول ما حدث بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فستجد أنّ الأحزاب السياسية قد انحازت بوضوح إلى إسرائيل، كحزب إيمانويل ماكرون (الجمهورية إلى الأمام) وحزب الجناح اليميني وحزب الجمهوريين، وحزب شارل ديغول، وهو أمر غريب بالنسبة لي.
اليمين المتطرف برئاسة مارين لوبان، وهو يمين شديد العداء للسامية، لكنّه يدعم في الوقت نفسه إسرائيل، لأنّ أعضاءَه يعتقدون أنّ المسلمين أشدّ خطراً من اليهود. فهم يرون أنّ عليّنا التخلص أوّلاً من المسلمين، ثمّ يأتي دور اليهود
وفي الوقت نفسه فإنّ الرئيس ماكرون قال: أريد أن نرى السفارة الفرنسية قد انتقلت إلى القدس! ولديك أيضاً الموقف الجديد والمثير جداً لليمين المتطرف برئاسة مارين لوبان، وهو يمين شديد العداء للسامية، لكنّه يدعم في الوقت نفسه إسرائيل، لأنّ أعضاءَه يعتقدون أنّ المسلمين أشدّ خطراً من اليهود. فهم يرون أنّ عليّنا التخلص أوّلاً من المسلمين، ثمّ يأتي دور اليهود. هذا بالنسبة للأحزاب اليمينية.
أَمَّا بالنسبة للأحزاب اليسارية، فلديك الأحزاب الاجتماعية التي ليس لها اهتمام واضح بالقضية الفلسطينية. أَمَّا الأحزاب الأخرى فهي منقسمة، حتّى الحزب الشيوعي الذي يعتبر تقليدياً الأشدّ تأييداً للفلسطينيين، فإنّه أدانَ بعبارات غامضة حركة حماس على أنها حركة إرهابية. بالمقابل فإنّ الحزب الوحيد كما أعتقدُ اتّخذ موقفاً إيجابيّاً هو حزب “فرنسا الأبية” برئاسة جون لوك ميلانشون، وهو حزب شجاع تعرض لهجمات فظيعة اتهمته بأنّه معادٍ للسامية.
وضع فرنسا في العالم يضعف كلّ عام كما شاهدناه في أفريقيا وغزّة، وهذا ما جعل فرنسا تفقد هيبتها، وعلينا أن نحلم بما حدث عندما كانت فرنسا قويّة وقادرة على رفض شنّ حروب على بلدان في الشرق الأوسط والعالم.
ولكنّ الشيء الأهمّ هو تعبئة الرأي العام، وقد كان ذلك صعباً جدّاً بسبب القمع، كما هو الحال في المملكة المتحدة وألمانيا. وبالرغم من القمع نرى تعبئة شعبيّة قويّة على الأرض لصالح الفلسطينيين. وأعتقد أنَّ وضع فرنسا في العالم يضعف كلّ عام كما شاهدناه في أفريقيا وغزّة، وهذا ما جعل فرنسا تفقد هيبتها، وعلينا أن نحلم بما حدث عندما كانت فرنسا قويّة وقادرة على رفض شنّ حروب على بلدان في الشرق الأوسط والعالم.
غزّة نقطة تحوّل
-
كيف تنظر إلى موقف الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية الّتي وقفت بكلّ ثقلها إلى جانب إسرائيل في حربها ضدّ المدنيين في غزّة. وبرأيكم كيف بنت تلك الدول موقفها من الحرب الإسرائيلية على غزة؟
إنَّ الحرب الإسرائيلية على غزة ستكون نقطة تحوّل في العلاقة بين الغرب وبقية العالَم، وقد لاحظنا ما حدث حين غزت روسيا أوكرانيا (فبراير/شباط 2022) حين أجمعت الدول الغربية على إدانة ذلك الغزو. ومن الواضح أنّ العالَم الغربي الذي يتحدّث عن القوانين الدولية والشرعية الدولية في أوكرانيا، كان قد خرق جميع القوانين الدولية في الحرب على العراق عام 2003، وكذلك في فلسطين منذ أكثر من 50 عاماً، وفي دول ومناطق أخرى أيضاً.
ولذلك لم يعد أحد يصدّق تلك المزاعم. ولكنْ خرق القوانين والشرعية الدولية كان أشدّ وضوحاً في حالة الفلسطينيين. وهذا سيكون الأساس لقيام ما نسميه الحكومة العالمية، أقصد أنّ الغرب لن يقررَ وحده بعد الآن. وسيكون للدول الأخرى دور أيضاً. ويمكن اعتبار ما فعلته دولة جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية مثالاً بارزاً على ذلك. ولقد استخدم مسؤولو جنوب أفريقيا القانون الدوليّ لمصلحتهم وليس لمصلحة الغرب.
-
كمتابع وخبير بشؤون الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية بشكل خاص، ما رؤيتكم على المدى المتوسط والطويل لتداعيات أحداث غزّة وعلى مستقبل العلاقة بين الشرق والغرب أو عالم الشمال والجنوب؟
من الصعب التنبّؤ الآن بعواقب الحرب الإسرائيلية على غزّة وتداعياتها على الوضع العام في الشرق الأوسط والعالَم. ولكنْ يمكن القول إنَّ ما فعلته حركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول قد غيّر الوضع بطريقة ما. فقبله كانت معظم الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة وفرنسا، قد اعتقدت أنَّ القضية الفلسطينية قد انتهت ولم تعد تبدي اهتماماً بهذه القضية.
وكما تعلم، كانت هناك محادثات للتطبيع بين إسرائيل والمزيد من البلدان العربية، لذلك فإنّ ما حدث ذلك اليوم قد غيّر الأمور بشكل جذري. ومن الواضح الآن أنَّ فلسطين أصبحت من جديد هي جوهر المشكلة في الشرق الأوسط.
الفلسطينيين هم الذين يقررون كيف يقاومون الاحتلال الإسرائيلي من أجل إنهائه
والأمر الآخر الذي برز هو حقوق السكان الفلسطينيين الذين لديهم الحقّ، وفقاً للقانون الدولي، بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، ولهم الحقّ في استخدام السلاح لإنهاء الاحتلال العنصري. وعلى أيّة حالٍ فإنّ الفلسطينيين هم الذين يقررون كيف يقاومون الاحتلال الإسرائيلي من أجل إنهائه. والمشكلة من وجهة نظر الناس في الغرب هي أنّ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين مستمر منذ أكثر من 50 عاماً.
-
بعض وسائل الإعلام الغربية ولا سيّما بعض القنوات الفرنسية في تغطيتها لأحداث غزّة لا تظهر أيّ صور دمار للغارات الإسرائيلية والمجازر التي تحدث. ما تفسيركم لمثل هذا الموقف المنحاز للسردية الإسرائيلية، والذي لا يسمح بوصف إسرائيل بالإرهاب؟
فيما يتعلق بموقف وسائل الإعلام من الحرب الإسرائيلية على غزّة، بالطبع الأمر معقد أكثر. فمعظم وسائل الإعلام في أوروبا الغربية وأيضاً في الولايات المتحدة قد دعمت الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، أو الحرب ضد غزّة، بالطبع في العالم الغربي الأصوات الراديكالية والصحف والناس الذين يستطيعون قول شيء مختلف بما فيه الكفاية، فهم أقليّة، وقوّة وسائل الإعلام تميل إلى عدم إعطائهم دوراً ليعبروا عن رأيهم، فأثناء هذه الأزمة لم تتمَّ دعوتي إلى برنامج تلفزيوني أو إذاعي رغم أنّني أحد المختصين في القضية الفلسطينية منذ 50 عاماً، لكنّ المشكلة من يمتلك وسائل الإعلام؟ حالياً الكثير والكثير من اليمين المتطرّف هم من يمتلكون وسائل الإعلام، والداعمين لإسرائيل، فالناس الذين يمتلكون وسائل الإعلام مهمّين جداً في هذه الفترة، والمثال على ذلك الملياردير اليهودي باتريك دراحي، الذي يملك القناة الإخبارية الإسرائيلية العالمية “آي 24 نيوز” ويملك الإخبارية “بي إف إم” وهي قناة فرنسية إسرائيلية تُروّج لإسرائيل، لذلك فهذا شيءٌ مهمّ.
أثناء هذه الأزمة لم تتمَّ دعوتي إلى برنامج تلفزيوني أو إذاعي رغم أنّني أحد المختصين في القضية الفلسطينية منذ 50 عاماً، لكنّ المشكلة من يمتلك وسائل الإعلام؟
ثانياً، فمعظم الصحفيين المختصين في الشرق الأوسط لا يدعمون إسرائيل أبداً، ولكنْ عندما يكون هناك أزمة كبيرة جداً فإنّ كلّ وسائل الإعلام توجّه رسالتها بشكل رئيسي للناس الذين لا يعرفون شيئاً، للذين لا يتكلمون العربية، للذين هم في الحقيقة في متناول الهجمة الإعلامية الإسرائيلية، فهذا كلّه مهم، وأيضاً لديك الناس الداعمين لإسرائيل.
بدأت وسائل الإعلام الفرنسية تتحدث عمّا يجري في غزّة لأنّ الأمر أصبح واضحاً أكثر وأكثر بوجود تطهير عرقي حقيقي ضد الفلسطينيين لم يجر الحديث عنه مسبقاً، ومن الأسباب أنهم يقولون إنه ليس لدينا صور عمّا يحدث في غزّة، ولكن بالطبع لديهم الصور، فمعظم الصحفيين الغربيين يعتقدون أنًّ الصورة التي مصدرها إسرائيل هي المقبولة، أَمَّا التي مصدرها الفلسطينيون فيجب أن تخضع للدراسة
إذا نستطيع القول: إنّه كان هناك مرحلتان في الطريقة التي غطّى بها الإعلام الفرنسي الوضع في غزة وإسرائيل، الأولى دعنا نقول في الشهر الأول، قد كان هناك تبرير بالفعل للتطهير العرقي ضد الفلسطينيين، إلاّ أنّه منذ بداية ديسمبر/كانون الأول 2023، بشكل عام بدأت وسائل الإعلام الفرنسية تتحدث عمّا يجري في غزّة لأنّ الأمر أصبح واضحاً أكثر وأكثر بوجود تطهير عرقي حقيقي ضد الفلسطينيين لم يجر الحديث عنه مسبقاً، ومن الأسباب أنهم يقولون إنه ليس لدينا صور عمّا يحدث في غزّة، ولكن بالطبع لديهم الصور، فمعظم الصحفيين الغربيين يعتقدون أنًّ الصورة التي مصدرها إسرائيل هي المقبولة، أَمَّا التي مصدرها الفلسطينيون فيجب أن تخضع للدراسة، فهم لا يستخدمون الكثير من الصور التي مصدرها غزّة.
الصحفيين في غزّة قاموا بعمل خيالي، وقدّموا لنا كلّ شيء نريده، فهم بالفعل صحفيون شجعان، إلاّ أنَّ عملهم لم يستخدم في الصحافة الغربية لأنّنا في الغرب، نعتقد أنّ كل ما يفعله العرب ليس صحافة جديّة
وأنا بدوري أقول إنّ الصحفيين في غزّة قاموا بعمل خيالي، وقدّموا لنا كلّ شيء نريده، فهم بالفعل صحفيون شجعان، إلاّ أنَّ عملهم لم يستخدم في الصحافة الغربية لأنّنا في الغرب، نعتقد أنّ كل ما يفعله العرب ليس صحافة جديّة.
-
خرجت تعليقات كثيرة بالأوساط الثقافية الفرنسية بعضها مؤيد للحرب على غزّة وبعضها معارض. ومن بين المؤيدين للحرب بعض المثقفين الفرنسيين المتحدرين من أصول عربية، مثل الطاهر بن جلون، فضلاً عن الجزائريين كمال داود وبوعلام صنصال وياسمينة خضرا، وآخرين. ما تعليقك على مواقف الذين ساندوا آلة الحرب الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين؟
فيما يتعلق بطبقة المثقفين في فرنسا ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، نستطيع القول: إنّهم كانوا منحطّين جدّاً، وذلك لأنّهم لم يُظهروا أيّ ردّةِ فعل مستنكرة لما تقوم به إسرائيل في غزّة، وأحد الأسباب هو أنّه كان من الصعب جداً على المرء في بداية الأسبوع الأوّل من الحرب على غزّة أن يشاهد شيئاً على وسائل التواصل الاجتماعي من دون أن يُتهم بمعاداة السامية.
وأعتقد أنّ ذلك قد خلّف شيئاً من الخوف بين المثقفين والمسؤولين. فعلى سبيل المثال، طُلِبَ من العديد من الوزراء تتبّع نشاط جميع العاملين في الوزارة التي يرأسها الجامعيون والدكاترة، فيما يتعلق بتداول المحتوى المتعلّق بإسرائيل وفلسطين.
وقد تعرّض بعضهم للمضايقة وطُلِبَ منه المجيء إلى الجامعة ليشرحَ سبب كتابته للتعليقات على منصّة إكس على سبيل المثال. وهذا كلّه خلّف وضعاً صعباً، وأولئك الذين دعموا إسرائيل في حربها على غزّة هم من الطبقة العادية، من عامة الناس أو بالأحرى من كبار السنّ، وبعض ذوي الأصول العربية. لكن ما أعتقده حقاً أنّ هؤلاء لا يمثلون أي شيء. وتنبغي الإشارة إلى أنّ معظم المعارضة في فرنسا مكّرسة ضد الإسلام والمسلمين، ولها تأثير قويّ. فعلى مدار 20 عاماً واظبت على إدانة الإسلام وحرضت الغالبية عليه.
-
برأيكم هل سَتُحدِثُ الحرب على غزة تغييرا في موقف الرأي الغربي من إسرائيل؟ وهل سيكون هناك حل نهائي للقضية الفلسطينية؟
فيما يتعلق بالرأي العام ورؤيته لإسرائيل، أعتقد أنّ هذه الحرب سَتُحدِثُ تغييراً في موقف الناس، وهذا سيستغرق وقتاً، فوسائل الإعلام تلعب دوراً سلبياً، إلاّ أنّ معظم الناس يشاهدون ما يحدث من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، والتي لَعِبت دوراً مهماً جّداً في هذا المجال، ونحن نعرف بالطبع أنَّ شركة “ميتا” المالكة لفيسبوك على سبيل المثال، نجحت في الحدّ من المحتوى الفلسطيني. ويمكن القول إنَّ ثمّةَ حرباً أيديولوجية تجري على وسائل التواصل. وقد نُشِرَ مقالٌ في صحيفة “هآرتس” على ما أعتقد يوضّح أنَّ الحكومة الإسرائيلية ناقشت بشكل عام كيفية القتال ضدّ حماس، لأنهم أدركوا، أي الإسرائيليين، أنهم خسروا الحرب على غزّة، وهذا صحيح في رأيي.
أعتقد أنّ هذه الحرب سَتُحدِثُ تغييراً في موقف الناس، وهذا سيستغرق وقتاً، فوسائل الإعلام تلعب دوراً سلبياً، إلاّ أنّ معظم الناس يشاهدون ما يحدث من خلال وسائل التواصل الاجتماعي
وقد حاولت إسرائيل إيجاد شقاق بين الفلسطينيين، بين حركة فتح في الضفة الغربية وحركة حماس في غزة، لتقول إنّ هذا الانقسام بين الفلسطينيين هو الذي يعيق التوصل إلى أي حلّ. وأُكرر القول: إنَّ هذا الواقع سيتغيّر، وأعتقد أيضاً أنَّ صورة إسرائيل الراسخة في الذهن الغربي منذ فترة طويلة قد تهشّمت، وسيكون من الصعب عليها أن تستعيد تلك الصورة.
وثمّة خدعةٌ يقع فيها الذين يقولون حسناً دعونا نغيّر نتنياهو لعلّ شيئاً ما سيتغيّر، لكنّنا نعرف جيّداً أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي سيطر على مفاصل السلطة عام 2022، يسيطر الآن على الائتلاف الحاكم وعلى المعارضة. والمعارضة لا تختلف عن نتنياهو. ولقد تبيّن أنّ نسبة الإسرائيليين الذين يدعمون المذبحة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في غزة بلغت 90%، وهذا يدّل على عدم وجود اختلاف بين الائتلاف الحاكم والمعارضة.